معتقل غوانتانامو.. الوجه الآخر

طقس مشمس وشواطئ لازوردية ومتجر يبيع هدايا تذكارية للزوار مستوحاة من شعارات المارينز

مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية ومصور كوبي على شواطئ غوانتانامو («الشرق الاوسط»)
TT

معظم الذين لم يذهبوا يوما إلى معسكر الأسر الأميركي في خليج غوانتانامو، لا يعرفون عنه سوى الأسلاك الشائكة في معسكر إكس راي الذي أغلق بعد افتتاحه بأربعة أشهر عام 2002، وأبراج المراقبة التي تتدلى منها مصابيح تحيل ليل المعسكر إلى نهار وميكروفونات تبث صوت الأذان خمس مرات يوميا بصوت الشيخ محمد رفعت.

ولا يعرف أغلب الناس عن غوانتانامو سوى البدل البرتقالية اللون التي يرتديها أسرى «القاعدة» وطالبان في معسكر دلتا والمعسكرات الخامس والسادس والسري السابع. ولكن الجزيرة التي ظلت محط انتقادات لسياسات إدارة الرئيس بوش قبل أن يصدر الرئيس الحالي باراك أوباما قرارا بإغلاق المعسكر في اليوم الأول بعد تنصيبه وتجميد المحاكمات العسكرية لمدة 120 يوما، في بادرة تجلى فيها عزمه على إعلان قطيعة عن عهد سلفه بوش، هي من جهة أخرى درة الساحل الكاريبي، حيث الشواطئ اللازوردية والرمال الناعمة والطقس المشمس نهارا الربيعي ليلا. وكثير من جنود وضباط البحرية الأميركية المارينز الذين التقتهم «الشرق الأوسط» يحمدون ربهم أنهم في غوانتانامو وليسوا في العراق أو أفغانستان، حيث تدور رحى المعارك اليومية. ورغم أن السجناء الذين أطلق سراحهم من معسكر الأسر الأميركي كانوا في الأغلب يقولون بأن الشيطان ما كان ليبتكر مكانا مريعا كهذا، ولايأبه قاطنو المكان من الحراس والمعتقلين بجمال المكان، ورغم هذا فالحياة يومية متواصلة ولاتتوقف، والحديث في القاعدة البحرية الأميركية في كوبا لا يتوقف عن فئة المعتقلين الذين يعتبرون أخطر من أن ينقلوا إلى بلدان أخرى غير أن الحكومة لا تملك أدلة كافية ضدهم، وهناك فئة أخرى من المعتقلين وهم 16 معتقلا ضمنهم الخمسة الكبار المتهمين بتدبير هجمات سبتمبر، يتصدرهم أخطر رجل في غوانتانامو (KSM)، وهو خالد شيخ محمد منسق هجمات سبتمبر (أيلول)، ولكن اسمه بين المحامين والحراس والصحافيين هو (KSM)، حتى قاضي المحكمة العسكرية لا يناديه إلا باللقب اللاتيني (الأحرف الأولى الإنجليزية من اسمه الثلاثي)، وهو العقل المدبر لقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص في هجمات سبتمبر (أيلول)، وهو أيضا الرجل الذي قطع رأس دانيال بيرل مراسل «وول ستريت جورنال» بنفسه، وتفاخر (KSM) في قاعة المحكمة بأنه مدبر هجمات سبتمبر (أيلول) وأجره عند الله. ومثلما دخل تعبير Gitmo ثقافتنا ومصطلحاتنا، دخل أيضا مصطلح (KSM) إلى عقول الإعلاميين الغربيين. أقلتنا طائرة ميامي اير، التي انطلقت من قاعدة أندروز الجوية في واشنطن، وعلى متنها ممثلو الدفاع والادعاء عن الخمسة الكبار ومراقبو حقوق الإنسان، ومراقبون تابعون للأمم المتحدة، وعدد غير قليل من ممثلي التلفزيونات العالمية، وكان الجميع يجلس بشكل عشوائي باستثناء الصحافيين الذين كانت مقاعدهم في مؤخرة الطائرة، ولاحظت «الشرق الأوسط» كثرة القادمين من ممثلي الإعلام الكندي لتغطية وقائع قضية عمر خضر الكندي وهو شاب مصري الأصل عائلته تعيش في تورنتو، وهو نجل ممول «القاعدة» متهم بأنه ألقى قنبلة يدوية أدت إلى قتل جندي أميركي نهاية عام 2001 وعندما اعتقل عمر خضر كان في الـ 15 من العمر، أما اليوم فهو في الـ 22 من العمر، وتبدو على قسمات وجهه في المحكمة السنوات السبع التي قضاها وحيدا في الحبس بغوانتانامو. والصورة التي تداعت إلى ذهني عن جتمو والطائرة البوينغ تعبر الجبال الخضراء وتقترب من البحر الكاريبي بألوان مياهه الفيروزية، كانت من فيلم جاك نيكلسون «عدد قليل من الرجال الخيرين» وقصة الفيلم عن صراع بين الخير وإمبراطورية الشر في أيام الحرب الباردة، وتعكس إلى حد ما الصراع القائم اليوم ورموز «القاعدة». وتهبط الطائرة على مهبط جزيرة لي وارد وهي في الجانب الغربي من غوانتانامو، وأول شيء يمكن ملاحظته عقب الوصول إلى جتمو هو الطقس الكاريبي الساخن بعد درجات الحرارة المنخفضة في واشنطن التي بلغت تحت الصفر في شهر يناير (كانون الثاني)، وهي نقلة سريعة خلال 3 ساعات ونصف الساعة. وقبل الاندفاع إلى سلم الطائرة صرخ سرجنت من البحرية الأميركية بملابسه الرسمية مرحبا بالضيوف الجدد على سلم الطائرة: اخلعوا معاطفكم، فأنتم الآن في لؤلؤة جزر الانتيل بالبحر الكاريبي. ورغم أنها قاعدة أميركية، لكن كان لا بد من المرور على الجوازات وختم جواز السفر قبل الانتقال إلى عبارة لتقلنا إلى الجزء الشرقي من الجزيرة، وكان الكوماندر جيفري غوردون المسؤول الإعلامي للبنتاغون لا يضن بالشرح عن الجزيرة، حيث توجد المراكز الإدارية والمطاعم وفلل الضباط وسكن الجنود، وعلى قمم التلال تبدو بوضوح أجهزة الرادار والاستطلاع وكانت التعليمات بوضوح عدم أخذ أي لقطات لهوائيات الرادار المنتشرة فوق التلال. وعلى البعد كانت تظهر مدينة الخيام، حيث يبيت الإعلاميون وكذلك المحامون، وكل خيمة تحتوي على 6 أسرة ومثلها من الدولايب، وكل خيمة مزودة بجهاز تكييف قوي لتبريد الجو بالهواء البارد وطرد الناموس. وأول شيء لاحظته على الطريق الدائري الذي يلف الجزيرة، كان لافتات تحذر السائقين من قتل ايغوانا، وهي عبارة عن سحلية استوائية كبيرة تعيش في الطقس الاستوائي تقفز بسرعة على منحدرات الطريق. وبالإضافة إلى مطعمين للضباط والجنود تقدمان الوجبات الثلاث أحدهما المطعم الرئيسي واسمه «غولد هيل» مكيف على ربوة عالية ويتسع لـنحو 400 ضابط وجندي، يوجد عدد آخر من مطاعم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز وساب واي، وبيتزا هت، والنادي الكوبي، وكنتاكي فرايد تشكن، ومطعم أوكيلي الأيرلندي الذي يزدحم بالمحامين والصحافيين والجنود كل ليلة الباحثين عن مذاق آخر غير الطعام الأميركي، وهناك أيضا مركز تجاري صغير، ومحل للبقالة، ومحلات ملابس، وصدقوا أو لا تصدقوا، توجد متاجر سياحية أمام مطعم ساب واي، تبيع تذكارات من غوانتانامو، مثل أكواب من القهوة عليها صور أبراج المراقبة وأخرى عليها فرقة غوانتانامو، أو تي شيرت تتصدره عبارة هذه الحسناء من غوانتانامو، أو مفردات من تحية العلم الأميركي، وكذلك هدايا عيد الميلاد. ومن أغرب المطاعم الموجودة في الجزيرة جيرك هوس وهو يقدم دجاجا مطهيا بالدفن تحت الفحم على الطريقة الكوبية. ويوجد بالجزيرة حمام سباحة وملعب لكرة القدم الأميركية تضيئه طوال الليل كشافات إنارة قوية، وملعب غولف فخم يتنافس فيه كبار الضباط أيام العطلات، بينما تذهب العائلات إلى شواطئ البحر اللازوردية نهار السبت والأحد، وتقيم حفلات باربيكيو بالقرب من المرفأ بين الجزيرتين. وقد زرت قاعدة غوانتانامو ثلاث مرات، الأولى في 2002 بعد أسابيع من افتتاح معسكر أشعة إكس الذي أغلق بعد نحو أربعة شهور، حيث تم نقل السجناء إلى معسكر دلتا، ونمت في خيام، ومرة في فلل فخمة للغاية مخصصة لعوائل كبار الضباط، غير أنه في الزيارة الأخيرة، كانت الخيام قريبة من المركز الصحافي الموجود في هانغر كبير لتخزين الطائرات، وقريبة أيضا من المحاكم العسكرية، ومريحة للغاية فهي مزودة بتكييف قوي يكفي لطرد الناموس والحشرات المزعجة، لكن أسوأ ما في مدينة الخيام هي الحمامات ودورات المياه المشتركة، وجميعها متراصة بجانب بعضها بعضا داخل خيام مكيفة الهواء أيضا. ويطل على الساحل الكاريبي في غوانتانامو متحف غوانتانامو بفنارة عالية، وفي الحديقة الخارجية للمتحف يوجد عدد من القوارب الخشبية القديمة التي كان يستخدمها المهاجرون من هاييتي وكوبا في رحلتهم للوصول إلى شواطئ غوانتانامو، وكل قارب بالمتحف يحكي قصة أو مأساة إنسانية لمهاجرين من هاييتي هربوا من الفقر، وكان بعضهم يحتجز في معسكر غوانتانامو قبل وصول سكانه الجدد من معتقلي القاعدة وطالبان.

وفي كل عام يهجر مئات من سكان هاييتي الفقراء بلادهم على متن قوارب شرعية، عادة ما تكون مكتظة، بحثا عن حياة أفضل في الولايات المتحدة. ويقدر خفر السواحل أن أكثر من 300 مهاجر من هاييتي قضوا نحبهم خلال السنوات الخمس الماضية أثناء محاولتهم التوجه إلى الولايات المتحدة.