الانتخابات المحلية تميط اللثام عن نفوذ العشائر في العراق

زعيم عشيرة في الكوفة يدعم المالكي: أتمنى أن يفرض أحكاماً عرفية وينهي الأحزاب

الشيخ وحيد العيساوي يستمع إلى الأخبار («لوس أنجليس تايمز»)
TT

في يوم الانتخابات، عقد الشيخ وحيد العيساوي جلسة في مضيفه وسط نخيل التمر، والبساتين، وحقول الأرز التابعة للأسرة. وداخل النزل، دلف أقاربه، وقبلوا يديه ووجنته، ثم جلسوا يطلبون منه النصح والتوجيه بشأن من ينتخبون خلال الانتخابات المحلية التي عُقدت يوم السبت الماضي. وكانت إجابته في غاية البساطة: اختاروا قائمة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وإذا أحرز حزب الدعوة الإسلامي التابع لرئيس الوزراء الفوز في النجف - العاصمة الروحية للمذهب الشيعي - فإن العيساوي - زعيم القبيلة - سيكون قد لعب دورًا كبيرًا في هذا النصر. وبهذه الطريقة يكون هذا الزعيم القبلي - والذي يحظى بعدد من الموالين قوامه 80 ألفاً - قد أدى الوظيفة التي كان يقوم بها سابقًا رئيس الدائرة في الولايات المتحدة، إذ كان يقوم بدوره في توجيه أصوات دائرته أو مقاطعته إلى حزبه.

وقال العيساوي «لقد أصبح رئيس الوزراء هو الرجل المناسب لحماية دولة العراق، فهو رجل قوي، وشجاع، وابن للقبائل».

ويعتبر العيساوي أحد شيوخ القبائل العديدين من الذين نال المالكي ودّهم. وعين المالكي العيساوي ليترأس الهيئة القبلية المحلية، والممولة من قبل مكتبه، فضلاً عن تعيينه لأحد أبناء الشيخ في وظيفة ببغداد. كما دعا المالكي العيساوي إلى المؤتمرات التي عُقدت في بغداد وفيها استمع إلى أفكاره بشأن مستقبل العراق. ويقول المراقبون إنه إذا ما ظفر المالكي بنسبة كبرى من مقاعد مجالس المحافظات الجنوبية فسيكون هذا بفضل تودده جيدًا لرجال من أمثال العيساوي. وفي هذا الصدد يقول الشيخ فاتح كاشف الغطاء - مدير مركز الثقلين للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية عراقية، يُنظر إليها على أنها مقربة من الحكومة: «لقد كانت خطوة استراتيجية مهمة للغاية من جانب المالكي ولحركته لجلب الأصوات لقائمة حزبه». ومنح التودد إلى القبائل الشيعية دفعة للمالكي خلال السباق الانتخابي، وبدا أنه يخوض غمار سباق للظفر بتأييد المحافظات التي كان تمثيل حزب الدعوة التابع له ضعيفًا فيها قبل عام مضى. ومع ذلك، فمن الممكن أن يكون لاتفاقات المحسوبية والمناصرة التي عقدها آثار سلبية على الطريقة التي يتم بها إدارة البلاد. ويتساءل كاشف الغطاء: «إنهم (يقصد القبائل) يتوقعون الكثير من الأشياء، لاسيما العقود.. وهذا كله (شكل من أشكال) الفساد، ولكن من سيكون ملك الفساد - زعماء القبائل أم الحكومة؟».

وفي منزله، جلس العيساوي يغمغم بصوت أجش، ينتابه السعال لدى تأديته لصلاة العصر. ومن المعروف عن الشيخ البالغ من العمر 82 عامًا أنه يخطو كل خطوة بحساب ولغرض ما، ورغم هيئته الواهنة، إلا أنه ليس من النوعية التي يمكن الاستهانة بها، فدائمًا ما يهيمن بحضوره في المكان الموجود به، فإذا جلس، جلس الضيوف. وإذا صلى، صلوا معه أيضًا. ولدى جلوسه أسفل صورة لوالده المتوفى، أدى العيساوي مع ضيوفه الطقوس المسائية تحت سقيفة عاكسة، وشرفة خشبية أنيقة. ومن المقتنيات الثمينة التي بحوزة الشيخ، نجد بندقية عمرها 107 أعوام، استخدمها والده لقتل ميجور بريطاني خلال ثورة العراق عام 1920، وهي الثورة التي ما زالت مصدرًا للفخر بين العراقيين حتى يومنا هذا. وعندما توفى والده عام 1951، ارتدى العيساوي عباءته، وتولى زعامة القبيلة في السنوات الأخيرة للملكية العراقية، ويروي العيساوي حزينًا: «حينها، كان الاستقرار والأمن سائديْن». ولم يكن الزمن كريمًا أبدًا، إذ عاصر العيساوي سلسلة من الحكام الذين عملوا على تقليص نفوذ قبيلته، حيث انتزع كل من اللواء عبد الكريم قاسم - الذي أطاح بالملك فيصل الثاني عام 1958 - وصدام حسين، الأرض من أسرته. كما عانى العيساوي كثيرًا من دوره خلال انتفاضة الشيعة ضد هيمنة حزب البعث عام 1991. وتم إعدام أحد أبنائه، فيما فر ثلاثة آخرون إلى أستراليا. وبعد أن غزت القوات الأميركية العراق في مارس (آذار) 2003، شهد العيساوي نهوض الأحزاب الدينية الشيعية. وتحدث على نحو مكفهر عن جيش المهدي، التابع لمقتدى الصدر، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي. وبات واضحًا أنه يُكنّ كرهًا للمجلس الأعلى، وهو المنافس الشيعي الرئيس للمالكي. واتهم أعضاء المجلس بتنفيذ عشرات الاغتيالات عقب سقوط صدام حسين، في محاولاتهم لإخماد المعارضة الموجهة لحكمهم في مدينة النجف. وألقى باللوم على عاتقهم إزاء العديد من محاولات اغتيال ابنه عبد العال، والذي يتزعم قائمة السياسي العلماني إياد علاوي في النجف. وزعم العيساوي أن تلك المحاولات توقفت فقط بعد أن ذهبت القبيلة في احتجاج إلى المالكي والزعماء الآخرين في سبتمبر (أيلول) 2007. ومن جانبه، أنكر المجلس الأعلى الإسلامي العراقي تورطه في أي من تلك الهجمات، وزعم أنه ألقى سلاحه منذ عودة زعمائه من الملاذ الآمن الذي كانوا يقيمون فيه بإيران عام 2003. هذا، ولم يتحدث العيساوي مع ابنه منذ أكثر من شهر، وذلك عندما تجاهل رغبة والده بعدم خوض انتخابات يوم السبت. وخاض عبد العال - الشخصية البارزة، هزيل الجسم - حملته الانتخابية بملصقات وصور له، تظهر جسده ملفوفًا بالضمادات الملطخة بالدماء إثر صراعاته الدائمة مع الموت. وصرح في حملته الانتخابية بأن القبائل أضرت بالدولة، وأقسم أنه إذا ما طلب منه والده تولي زعامة القبيلة، فإنه سيرفض بصورة مطلقة. ويتمنى العيساوي أن يتصرف المالكي أو أي عراقي آخر بشجاعة، وأن يفرض الأحكام العرفية ويضع نهاية للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي والأحزاب الأخرى التي يشعر أنها تدمر البلاد. وأردف قائلاً: «منذ انهيار نظام صدام، أملت في أن تتحسن الأوضاع، إلا أنها ازدادت سوءًا. إن العراق بحاجة إلى ثورة، وعندما تبدأ، فسوف تنتهي كل الأحزاب».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»