غل منتقدا وجود دولتين فلسطينيتين: لو التزمتم باتفاق مكة لما كان هذا حالكم

أكد تطابق الرؤى بين الرياض وأنقرة.. وسعيهما لإرساء سبل الاستقرار والأمن في المنطقة

مسؤولون في جامعة الملك سعود يقلدون الرئيس التركي عبد الله غل وشاحا فخريا خلال زيارته للجامعة أمس (أ.ف.ب)
TT

حمل خطاب الرئيس التركي عبد الله غل، الذي ألقاه أمام مجلس الشورى أمس، إشارات واضحة إلى استياء أنقرة لوجود ما وصفه بدولتين فلسطينيتين، في إشارة إلى الانقسام الفلسطيني، وسيطرة حماس على غزة وإدارتها لأمور القطاع عبر حكومتها المقالة في ظل وجود سلطة شرعية، واصفا هذا بـ«الأمر المؤلم».

وعاتب الرئيس غل كافة الفرقاء الفلسطينيين على تفرقهم عن اتفاق مكة المكرمة، وقال موجها خطابه إليهم: «لو كانت هذه الوعود التي قطعت في ذلك المنبر الشريف قد لبيت وطبقت فإنني واثق أن القضية الفلسطينية ستكون في موقع القوة حاليا، ولم نكن لنعيش تلك المآسي التي حدثت في الفترة الأخيرة. وإنني آمل ألا يتحقق ذلك وألا نرى هذه الجراح مرة ثانية، لأن الفرقة الفلسطينية هي تخريب لأسس الدولة الفلسطينية المستقلة».

وأكد الرئيس التركي على تطابق وجهات نظره مع السعودية إزاء قضايا المنطقة، وقال: «إن السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين قد أبدت توجهات معينة لإرساء سياسة خارجية جديدة أضاءت في المنطقة، ولذلك فإن تركيا والمملكة متطابقتان في الرؤية والنظرة إلى هذه الأمور وعلى أمور المنطقة. إننا بلدان هامان في هذه المنطقة».

وأشار إلى أن الرياض وأنقرة تسعيان للعمل على إرساء سبل الاستقرار والأمن في المنطقة، وقال إن هناك اهتماما مشتركا بالقضايا الإقليمية والدولية، وإن الأفكار والرؤى بين البلدين متطابقة في الفهم لجميع القضايا، ويوليانها أهمية كبيرة، لافتا إلى استمرارية المشاورات السياسية بين بلده والسعودية لإرساء الأمن والاستقرار والسلام الدائمين.

ونوه غل بالجهود التي تبذلها السعودية من أجل لم الشمل وحل مشكلات المنطقة، وأضاف: «إننا نرى ونقدر ونثمن عاليا مبادرات المملكة في هذا المجال. المملكة بلد يسعى إلى إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، وهي تبذل جهودا بناءة بسياستها الخارجية الهامة والمتطورة والهادفة».

وشدد عبد الله غل على التعاون المشترك والتشاور المستمر بين السعودية وتركيا في جميع القضايا التي تهم المنطقة والعلاقات الثنائية، وأشار إلى مساندة البلدين بعضهما لبعض في المحافل الدولية، وهو ما عده إشارة واضحة لتنامي العلاقات السياسية.

وجدد غل دعم بلاده لمبادرة السلام العربية الخاصة بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وقال إن تركيا تقدر هذه المبادرة وغيرها من المبادرات التي تبناها الملك عبد الله لمعالجة الجراح النازفة في المنطقة، وأكد على الفرقاء الفلسطينيين أهمية العودة إلى الالتفاف على اتفاق مكة، والذي قال إن بلاده تسانده بكل قوة.

وأشار إلى أن من أولويات بلاده خلال المرحلة المقبلة لم الشمل الفلسطيني، ولم الشملين العربي والإسلامي، وتوحيد كافة الجهود لما فيه خير المنطقة وشعوبها، واصفا هذه الخطوة بالمسؤولية الهامة التي تقع على عاتق جميع دول المنطقة.

وأبدى الرئيس غل ثقته بأنه سيتم التوصل إلى حلول لمشكلات المنطقة، ودعا إلى عدم الوقوف موقف المتفرج. وقال: «يجب أن نبادر إلى ما في وسعنا للم الشمل ووقف نزف الدم، وإنهاء المأساة الإنسانية التي تحدث في هذه المناطق».

ووصف الرئيس التركي، الذي يختتم اليوم زيارة رسمية إلى السعودية، يرافقه فيها وزراء الدفاع والتجارة والمواصلات، مبادرات خادم الحرمين الشريفين في تعزيز العلاقات بين الرياض وأنقرة، بالنادرة والمهمة، وذلك خلال الزيارتين اللتين قام بهما إلى تركيا في عامي 2006 و2007، والتي قال إنه كان لها الأثر الإيجابي في تطوير العلاقات بين البلدين.

وأشار غل إلى أنه وخادم الحرمين الشريفين سعيا خلال القمة السعودية التركية على اتخاذ قرارات مهمة لصالح تعزيز العلاقات الثنائية.

وأكد على ريادة تركيا والسعودية في العالم الإسلامي، واللتين تتألمان لما يقوم به بعض المتطرفين من أعمال تلقي بظلالها على الدين الإسلامي،، وتقديمه للعالم بأنه دين إرهاب وهو خلاف ذلك، فهو دين التسامح والسلام ومحبة الناس، وهو دين يهدف إلى المحبة والإخاء، ولا علاقة له بالإرهاب. وقال إن التطرف يمكن أن يخرج في أي مجتمع من المجتمعات وليس حكرا على دين معين.

وأوضح أن محاولات إلصاق الإرهاب بالإسلام أدى إلى ما يسمى بـ«الإسلامفوبيا»، وهو الأمر الذي يدعو كلا من تركيا والسعودية للتصدي للإرهاب بكل قوتهما. وأشاد بمبادرة حوار الأديان التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين.

بدوره شدد الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودي على أهمية الزيارة التي يقوم بها الرئيس غل إلى السعودية، معيدا إياها إلى «خصوصية العلاقة التي تربط بين البلدين والقيادتين والشعبين، سواء في إطارها الثنائي أو في إطارها الإقليمي والإسلامي. فتاريخ العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والجمهورية التركية يعود إلى عام 1349هـ (1929م)، وذلك إثر توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين».

وأضاف: «للبلدين تاريخ مشترك، ربط الإسلام بينهما بأقوى العلاقات وأثمرها، كما تمثل المنطقة الجغرافية والثقافية والتاريخ المشترك تميزا في هذه العلاقات، ولعل تطويرها بمقتضيات العصر الراهن ومستجداته هو الطريق لمزيد من الفهم والفاعلية، والتي نعلم أن البلدين يسعيان إليها ويبذلان جهودا كبيرة في سبيل توظيف إمكاناتهما ومقدراتهما لصالح شعبيهما والمنطقة».

ونبه بن حميد إلى استمرارية مشكلات الشرق الأوسط إذا لم تحل القضية الفلسطينية، وطلب من الرئيس التركي أن يضع يده في يد السعودية للوصول إلى هدف تحقيق مبادرة السلام العربية، وسط قناعة خادم الحرمين الشريفين بأنها لن تبقى مطروحة على الطاولة إلى الأبد.

وأكد بن حميد مشاركة السعودية لتركيا في مكافحة الإرهاب، مشددا على ضرورة التعاون للقضاء على الإرهاب الدولي، والذي أبدى رفض بلاده له، ولا يجوز ربطه بدين أو جنس أو بلد.

من جهة أخرى دعا رئيس جمهورية تركيا إلى تعزيز الاستثمارات التركية في السعودية، خاصة في مجالات المقاولات والسكك الحديدية والمطارات، وسط ما تتمتع به الشركات التركية من قدرة وتجربة محترفة في هذه القطاعات الاقتصادية. كما طالب رجالَ الأعمال السعوديين بتعزيز استثماراتهم في تركيا، خاصة في المجال السياحي؛ لما تتميز به تركيا من مقومات سياحية تجعل الاستثمار في هذا المجال من أنجح الاستثمارات.

ولفت غل خلال لقائه مئات من رجال الأعمال السعوديين ضمن ملتقى الأعمال السعودي التركي، الذي يتزامن مع زيارته، إلى أن قيادات البلدين لا يألون جهدا في تسخير كافة الإمكانات الاستثمارية وتسهيل كل المعوقات للمستثمرين في كلا البلدين. وأشار إلى أن العلاقات التي تربط تركيا والسعودية قوية ومتينة في شتى المجالات، وتمضي في تطور مستمر مع مرور الوقت، في مقدمتها العلاقات الاقتصادية التي تعد من أقوى العلاقات، مبديا في الوقت ذاته انبهاره بالتطورات التنموية التي تشهدها السعودية في جميع المجالات. وقال إن السعودية شريك اقتصادي مهم لجمهورية تركيا.

ووصل حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا خلال عام 2007 إلى نحو 3.6 مليار دولار، في حين يبلغ حجم الاستثمارات المشتركة نحو 75.3 مليار دولار، حيث توجد 165 شركة ومشروعا سعوديا تركيّا تقوم بالاستثمار في تركيا، في وقت يوجد 17 مجلس عمل اقتصاديا يربط بين تركيا والدول العربية.

من ناحيته كشف عبد الله أحمد زينل وزير التجارة والصناعة السعودي، أن تركيا أصبحت إحدى الدول المستهدفة للاستثمار الزراعي في إطار مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج، نظرا إلى ما تتميز به تركيا من مزايا نسبية، وتوفر البيئة الزراعية المميزة من مياه وأراض خصبة شاسعة، علاوة على البيئة الاستثمارية الجاذبة.

وكشف زينل أن الحكومة التركية أبدت اهتماما بهذه المبادرة التي تأتي بمثابة المحفّز الرئيسي للاستثمارات الزراعية السعودية في تركيا، مفصحا أن الرئيس التركي وجّه الجهات المعنية في تركيا إلى تقديم كل التسهيلات لتلك الاستثمارات وإعطائها الأولوية والأفضلية.

وترتبط السعودية مع تركيا بعدد من الاتفاقيات، ومنها اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات، واتفاقية التعاون التجاري بين البلدين، واتفاقية التعاون الفني والاقتصادي، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية تنظيم عمليات نقل الركاب والبضائع. مشيرا إلى أن تلك الاتفاقيات تأتي في إطار دعم العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين.

وأشار وزير التجارة والصناعة إلى أن التعاون بين البلدين امتد إلى التنسيق المشترك في تعزيز التبادل التجاري على مستوى الدول الإسلامية، من خلال اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري بمنظمة المؤتمر الإسلامي «الكومسيك» التي تحظى برئاسة الرئيس التركي.

من ناحيته لفت رفعت هيزار شيكل أوغلو، رئيس اتحاد الغرف التجارية التركية، إلى رغبة رجال الأعمال الأتراك في تعزيز استثماراتهم بالمملكة، حاثا على العمل على تسهيل إجراءات تأشيرات الدخول لرجال الأعمال في البلدين، وتذليل أي معوقات قد يواجهونها فتحول دون إنجاح التعاون الاقتصادي المشترك. ودعا رجالَ الأعمال السعوديين إلى الاستثمار في مجال السياحة في تركيا التي تتمتع بمقومات سياحية عديدة، وذلك في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مبينا أن اللقاءات المتواصلة والمتتالية بين المسؤولين ورجال الأعمال في البلدين أثمرت إنجازات طيبة، تصب في مسيرة تفعيل التعاون بين رجال الأعمال السعوديين والأتراك، وتنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.