الأمطار الغزيرة بالمغرب قد تكون لها نفس نتائج سنوات الجفاف

أراض تخمرت بالماء وضحايا بالعشرات.. وغلاء الأسعار

الأمطار تسببت في خسائر مادية كبيرة في المغرب («الشرق الأوسط»)
TT

يوما بعد آخر تتحول الأمطار في المغرب إلى مشكلة، والناس الذين انتظروا سنوات الغيث لمدة طويلة أصبحوا الآن ينتظرون أيام القيظ بلهفة، فهذه الأمطار التي تتساقط بغزارة على البلاد، مرشحة لأن تلعب دورا لا يقل كثيرا عن الدور الذي يلعبه الجفاف. ومنذ أن انتهى الصيف الماضي، فإن ضحايا الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على المغرب يعدون بالعشرات، ثمانية منهم لقوا حتفهم منذ يومين فقط بعد موجة أخرى من الأمطار المتواصلة والعواصف الهوجاء التي هبت على مختلف مناطق البلاد.

وبعدما كان المغاربة في السابق يبتهجون عندما تتجهم السماء ويقترب لون السحاب من السواد، إلا أن مشاعرهم اليوم أصبحت مختلفة تماما، حيث بمجرد أن تبدأ القطرات الأولى من المطر، حتى يتحسس الناس نبضات قلوبهم التي تتسارع مخافة موجة جديدة من الأمطار قد تسقط في طريقها ضحايا جددا، وخسائر كبيرة في الممتلكات.

وتختلف الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة بسبب الأمطار. وخلال الأيام القليلة الماضية لقي رجل في الخامسة والسبعين من العمر وابنته البالغة 12 سنة مصرعهما بعد أن سقط عليهما سقف بيتهما المتواضع في الجزء العتيق من مدينة مراكش (جنوب).

وفي مدينة الحسيمة (شمال)، لقي أربعة أشخاص مصرعهم بنفس الطريقة حين انهار عليهم سقف البيت بسبب الأمطار الغزيرة. وفي مدينة تارودانت، توفيت امرأة وابنها بعدما انهار سقف بيتهما، فيما نجا ابنها الثاني من موت محقق.

ولم تعد الأمطار تفرق بين بيوت اسمنتية صلبة وبيوت الطين، حيث أن مئات الآلاف من المنازل في مختلف مناطق المغرب تضررت بشكل كبير من موجة الأمطار التي لم يشهد المغرب لها مثيلا منذ عقود، وهناك عائلات كثيرة هجرت منازلها بعد أن تسربت إليها مياه الأمطار من السقف ومن تحت الأرض، وهناك أسر كثيرة أخرى اضطرت إلى إدخال إصلاحات عميقة على منازلها من أجل تجنب تسرب المياه.

ويبدو في كل هذه الحالات أن المغاربة فوجئوا بهذه الموجة غير المسبوقة من الأمطار. وبعد سنوات طويلة من الجفاف، فإن الواقع اليوم أصبح صعبا وصار الناس يتمنون أن تتوقف الأمطار قليلا لتفسح المكان لبعض أشعة الشمس لتعيد الدفء إلى الناس، وبعض الأمل بألا تنهار على رؤوسهم سقوف منازلهم في لحظة ما.

ومنذ أوائل عقد الثمانينات من القرن الماضي، عاش المغرب فترات جفاف صعبة حولت الكثير من حقوله إلى قفار، وجعلت ملايين من سكان القرى والأرياف يزحفون نحو المدن بحثا عن لقمة عيش بعد أن ضنت عليهم السماء ببضع قطرات تعيد الحياة إلى حقولهم الصغيرة، وتوسع هامش الفقر في ضواحي المدن التي أحيطت بأحزمة من منازل الصفيح، والتي ساهمت بدورها في انتعاش الانحراف الاجتماعي مثل تفشي الجريمة والإدمان والدعارة والبطالة.

وعلى الرغم من أن موجة الجفاف، التي كانت تستمر في بعض الأحيان خمس سنوات أو أكثر، كانت تُقطع بين سنة وأخرى ببعض الغيث، فإن الجفاف سرعان ما يعود متشحا بسواده المعهود ويطرق من جديد أبواب الحقول، ويرتعب المزارعون، وترتفع الأسعار، وينظم الناس صلاة الاستسقاء، طلبا للماء من السماء.

غير أن عواقب الجفاف كما تعود عليها المغاربة، والتي تعمل أساسا على زرع القلق في النفوس، وتخلق شحا في المواد الغذائية المعروضة في الأسواق، وارتفاعا في أسعارها، هي النتائج نفسها التي يمكن أن يصل إليها موسم الأمطار الحالي بعد أن بدأت الأسواق تعرف شحا ملحوظا في المواد الغذائية، وارتفاعا في أسعارها.

وتسببت الأمطار الغزيرة، حسب بيانات رسمية، في حرمان المزارعين من زراعة حوالي 10 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة، والتي إما غمرتها المياه، أو أنها حصلت على أكثر من حاجتها من الأمطار ما جعلها تفقد صلاحيتها للزراعة.

ويتحدث مزارعون مغاربة عن خسارتهم لأموال باهظة جراء الأمطار الحالية، وآخرون استغنوا عن زراعة مساحات واسعة من الأراضي.

وبين الضحايا الذين يسقطون تحت سقف بيوتهم أو الذين تجرفهم السيول أو الذين يتخوفون كل يوم من أمطار جديدة تقطع الطرق وتغمر منازلهم بالمياه، فإن الموسم الحالي مرشح لأن يكون واحدا من أسوأ المواسم الممطرة في المغرب، وهذا شيء كان قبل سنوات فقط من قبيل الخيال، لكنه اليوم واقع يصعب هضمه.