كتاب يتهم كوشنير بالخلط بين مصالحه الخاصة ومصالح الدولة الفرنسية

وزير الخارجية يهاجم الكاتب ويصف الهجوم عليه بـ«الرخيص والمقزز»

TT

يصل وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى واشنطن اليوم للقاء نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون تاركاً وراءه زوبعة سياسية وإعلامية أثارها كتاب الصحافي والكاتب المعروف بيار بيان وعنوانه: «العالم وفق ك» أي كوشنير، ونزل إلى الأسواق أمس.

وككل مرة يصدر فيها المؤلف المعروف برصانته وجديته في البحث كتاباً يقوى الضجيج خصوصاً أنه يتناول بالعادة رجالا سياسيين من الصف الأول. و«يستهدف» بيان في كتابه برنار كوشنير، وهو أحد أكبر السياسيين الفرنسيين شعبية، نظراً للدور الذي لعبه في الدفاع عن ملف حقوق الإنسان ومساعدة المهجرين وضحايا الحروب وأحد الذين لعبوا دوراً حاسماً في إقرار مبدأ حق التدخل الإنساني في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وصورة كوشنير الذي أسهم في تأسيس منظمة «أطباء بلا حدود» وبعدها «أطباء العالم» بنى صورته على الاهتمام بالعمل الإنساني منذ حرب فيتنام وما أفضت إليه من تشريد مَن كان يسمى وقتها بـ «بوت بيبيل» وضحايا الزلازل في أميركا اللاتينية وضحايا الجوع في الصومال والحرب الأهلية اللبنانية في أحياء النبعة والكرنتينا وغيرهم من الشعوب التي وجدت في برنار كوشنير نصيراً ومدافعاً عن قضاياها.

وخطورة الكتاب أنه يصيب الأساس الذي قامت عليه سمعة وشهرة كوشنير من حيث أنه يشكك بصدقيته ويقيم نوعاً من الطلاق بين ما يقوله ويروج له، وحقيقة ما يعتبره الكتاب ممارساته الفعلية.

ينصب المأخذ الأساسي على نشاطات برنار كوشنير في الفترة الممتدة ما بين 2002 و2007 بسبب أنها تتناول وظيفته الحالية وزيراً للخارجية التي عين فيها في شهر مايو (أيار) من العام 2007. ويؤكد بيار بيان أن كوشنير كان طيلة هذه الفترة وعبر شركتين إحداهما تحمل اسم «أفريكا ستبس» والأخرى اسم «إيميدا»، على علاقة عمل مع دول أفريقية، وخصوصاً الغابون والكونغو، وأن هذه العلاقة استمرت إلى ما بعد وصول كوشنير إلى وزارة الخارجية، ما أوجد نوعاً من الخلط بين مصالحه الخاصة وبين مصالح الدولة الفرنسية.

ويذكّر بيار بيان بملف سابق لوزير الخارجية الحالي على علاقة بالتقرير الذي قدمته شركة أخرى عائدة له بناء على طلب شركة توتال النفطية التي كانت موضع نقد من منظمات حقوق الإنسان بسبب ممارساتها في بورما. ويسوق الكاتب اتهامات محددة ضد كوشنير، منها أنه عين أحد المقربين منه الذي كان يدير شركة «إيميدا» سفيراً لفرنسا في إمارة موناكو، ومنها أيضاً أنه تدخل لدى رئيس غابون عمر بونغو في 25 مايو (أيار)، أي بعد أسبوع من تعيينه في منصبه الجديد، لمطالبته بدفع فواتير للشركتين قيمتها 800 ألف يورو. ويؤكد بيان أيضاً أن الرئيس نيكولا ساركوزي لم يكن على علم بهذه الخفايا عند تعيين كوشنير وزيراً لكنه اطلع عليها خلال العام 2008. وبيان كان أول من كشف في كتاب عن الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران قربه من المارشال بيتان الذي تعاون مع هتلر والنازيين إبان احتلالهم للأراضي الفرنسية. ورد كوشنير أمس على هذه الاتهامات عبر تصريحات صحافية وقال إنه «لم يوقع أبداً أي عقد مع أي بلد أفريقي» وأنه عمل مستشاراً لدى شركة فرنسية «إيميدا» في حقل يعرفه جيداً هو «الصحة العامة»، في إشارة إلى أنه شغل في الماضي منصب وزير صحة كما شغل منصب وزير دولة لحقوق الإنسان في حكومات اشتراكية قبل أن يسلمه الرئيس ساركوزي اليميني وزارة الخارجية. ويعتبر كوشنير أن لا شيء في طريقة عمله يمكن أن يكون موضع إدانة، إذ إنه عمل «بشفافية كاملة» وأعلن عن عائداته لمصلحة الضرائب وقام دوماً بدفع المترتب عليه منها. واعتبر كوشنير أنه يتعرض لهجمة «رخيصة ومقززة»، مما حمل محاميه، الوزير السابق جورج كيجمان، إلى القول إنه ينظر في تقديم دعوى ضد الكاتب بتهمة القدح والذم.

ويربط الكتاب بشكل غير مباشر بين إزاحة وزير التعاون الدولي السابق جان ماري بوكل من وزارته وتعيينه في منصب آخر وبين الانتقادات التي وجهها للممارسات السياسية الفرنسية في أفريقيا وهو ما أغاظ وقتها الرئيس بونغو وزعماء أفارقة آخرين. وكما هو منتظر، فقد تمحورت ردود الفعل على خطين: الأول جاء من الحكومة ومن اليمين الحاكم وهو يناصر كوشنير ويشهد لمناقبيته وأخلاقه ويهاجم الكاتب والكتاب، والآخر جاء من اليسار وهو يطالب الوزير الفرنسي بتوضيح موقفه وجلاء الحقيقة. ونقل سكرتير عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم كزافيه برتراند السجال إلى الحيز السياسي بتأكيده أن الاشتراكيين اغتنموا الكتاب مناسبة لتصفية حساباتهم السياسية مع كوشنير الذي قبل الانضمام إلى حكومة ساركوزي رغم انتمائه إلى الحزب الاشتراكي، مما أثار وقتها حفيظة ودهشة رفاقه القدامى. ومن اليسار جاءت الانتقادات من الحزب الاشتراكي والخضر، لكن سكرتيرة عام الحزب مارتين أوبري التزمت موقفاً متوازناً، إذ أكدت أنها تعتبر كوشنير رجلا شريفاً ولا تصدق الاتهامات التي سيقت ضده، لكن اشتراكيين آخرين لم يترددوا في انتقاد كوشنير بقوة ومطالبته بتوضيح مواقفه «إذا ما بقيت لديه ذرة شرف واحدة» على حد قول أحد النواب الاشتراكيين».

وإذا كان من المبكر معرفة ما إذا كانت هذه الموجة ستؤثر على مستقبل كوشنير السياسي، فمن الواضح أنها ستغذي الشائعات التي تقول إنه سيترك منصبه لدى التعديل الوزاري الذي سيجري عقب الانتخابات الأوروبية في شهر يونيو (حزيران) المقبل.