باريس تدعو واشنطن إلى احترام القرارات الدولية والتفاهمات السابقة بشأن إيران

توجسات أوروبية من حوار أميركي - إيراني مباشر

TT

عاد الملف النووي الإيراني بقوة على جدول المشاورات الدبلوماسية الدولية التي كانت «مجمدة» بخصوصه؛ في انتظار أن تقوم الإدارة الأميركية الجديدة وتكشف خطتها للتعاطي مع طهران.

وقالت مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية إن واشنطن «ما زالت حتى الآن تعمل ضمن الخطوط العريضة»، ولم تصل بعد إلى «رسم خطة محددة للتعاطي مع إيران، يمكن طرحها على الدول الأوروبية الثلاث» المعنية بشكل رئيسي بالملف النووي الإيراني، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتجهد الدول المذكورة، التي يتعين إضافة إيطاليا إليها بسبب رغبتها في الانضمام إلى مجموعة الثلاث الأوروبية، إلى بلورة موقف أوروبي «موحد» يتم التعاطي على أساسه مع إدارة الرئيس أوباما. وكان الملف الإيراني على رأس جدول المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون في واشنطن أول من أمس. وقالت مصادر فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن الإدارة الأميركية الجديدة تستخدم في الوقت نفسه خطابين مختلفين، مما يدل على أنها «ما زالت تبحث عن طريقها». فمن جهة لا تتواني عن استخدام تعابير إدارة الرئيس بوش مثلما فعلت كلينتون عقب لقائها وزير خارجية ألمانيا شتاينماير قبل أيام، إذ أعلنت أن على إيران «أن تحذر العواقب في حال استمرت في تجاهل قرارات مجلس الأمن الدولي».

وذهب الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس إلى أبعد من ذلك، عندما أعلن عقب نجاح طهران في إطلاق قمر صناعي أن الولايات المتحدة «سوف تستخدم الوسائل المتاحة لها لمواجهة التحديات التي تطرحها إيران»، في إشارة إلى إمكانية اللجوء إلى السلاح ضد إيران.

ومن جهة أخرى تشدد واشنطن على استعدادها للحوار مع طهران، وهو ما أعاد الرئيس أوباما وكذلك وزيرة خارجيته تأكيده أكثر من مرة.ورغم أن هذا التأرجح يندرج تحت باب «المقاربة المزدوجة»، أي الاستعداد للحوار والتعامل بحزم مع إيران عبر تشديد العقوبات المفروضة عليها، فإن الجانب الأوروبي ما زال «غير مطمئن تماما»؛ لما يمكن أن تقرره واشنطن، وعلى رأس ذلك قد تكون رغبتها في إقامة حوار «منفرد» مع طهران وبمعزل عن الأوروبيين أو عن الدول الخمس الأخرى الفاعلة في إطار مجموعة 5 زائد 1، أي الدول الخمس الدائمة العضوية وألمانيا. وأمس قال الناطق باسم الخارجية الفرنسية في معرض حديثه عن لقاء كلينتون - كوشنير، إن باريس «تحبذ حوارا مباشرا» بين واشنطن وطهران، وإنه «سيكون من العجيب» أن تعبر باريس عن تحفظ ما إزاءه، خصوصا أن لديها حوارها الخاص مع إيران. غير أن أريك شوفالييه أضاف أمرين أساسيين يعكسان «التوجسات» الفرنسية من احتمال أن تسلك واشنطن مسارا «انفراديا»، وهما: الأول هو ضرورة أن يأخذ حوار واشنطن - طهران بعين الاعتبار «مشاغل وآمال» هؤلاء وأولئك، أي ضمنا «المشاغل» الأوروبية. والثاني «ألا يحصل بمعزل عن التفاهمات السابقة وعن القرارات الدولية» الخاصة بإيران.

ويعكس هذا الكلام «قلقا» أوروبيا، خصوصا من الدول التي لديها مواقف «متشددة» من طهران، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، من أن «تفرط» واشنطن بحوارها المباشر مع إيران ومن غير شروط بالخط «الحازم» المتبع حتى الآن إزاءها. غير أن مصادر فرنسية أخرى قالت لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المخاوف «ليست في محلها» لثلاثة أسباب مختلفة: الأول أن القوى الفاعلة في واشنطن «لن تترك الرئيس الأميركي يسلك نهجا معتدلا من إيران؛ بسبب دخول العامل الإسرائيلي على الخط»، والثاني توافر قناعة مفادها أن طهران «لم تدخل حتى الآن في مفاوضات حقيقية حول برنامجها النووي بسبب عدم رغبتها في التفاوض حوله». أما السبب الثالث فهو أن إيران «ستطلب ثمنا مرتفعا للغاية» من أجل التخلي عن طموحاتها النووية، استراتيجيا وسياسيا واقتصاديا، مما سيكون من الصعب على واشنطن القبول به.

وتتساءل المصادر الفرنسية عما إذا كانت واشنطن، في حال خطت خطوة الحوار المباشر، ستضع سقفا زمنيا له أو أنه سيكون حوارا مفتوحا ودون ضوابط زمنية، وهو ما تتخوف منه بعض الدول الأوروبية.