ملف الدبلوماسيين الإيرانيين المفقودين في لبنان: السفير الإيراني ينشط بعد تصريحات نصر الله

مخيبر: الموضوع مسؤولية القضاء ولا لزوم للجنة إيرانية ـ لبنانية مشتركة

TT

عاد ملف الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين اختطفوا في لبنان في الرابع من يوليو (تموز) 1982 على حاجز البربارة شمال بيروت، إلى التداول السياسي والدبلوماسي ودخل بقوة على خط السجال الانتخابي. ويبدو واضحا أن الهدف من إثارة قوى المعارضة هذا الموضوع هو النيل من «القوات اللبنانية» في الساحة المسيحية. وإلى جانب تصريحات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في هذا الخصوص، نشط السفير الإيراني لدى لبنان محمد رضا شيباني في جولات على المسؤولين اللبنانيين لإعادة إحياء هذا الملف. ولهذه الغاية زار الأربعاء الماضي وزير العدل اللبناني إبراهيم نجار واقترح عليه تشكيل لجنة مشتركة لبنانية - إيرانية لمتابعة قضية الدبلوماسيين الأربعة. الوزير نجار تجاوب مع الاقتراح، على أن يكون المسعى إنسانيا وسياسيا في إطار ما شهده لبنان من حوادث مفجعة عندما كانت الدولة غائبة، وعندما تم اغتيال سفراء وأبرياء. وقال: «إذا اضطر الأمر لفتح ملف قضائي، فسيكون بالطبع لكل موضوع عنوانه ولكل ملف من ملفات الحرب الشائنة متابعة لنتلمس الحقيقة كلنا معا».

إلا أن النائب غسان مخيبر قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التحقيق في اختفاء الدبلوماسيين الأربعة هو مسؤولية القضاء اللبناني، لأنه يقع في خانة الاختفاء القسري. وهذه جريمة متمادية لا يقطعها مرور الزمن ولا يسقطها العفو العام». وأضاف: «إن مثل هذه الجرائم لم تقتصر على الدبلوماسيين الأربعة، إنما طاولت عددا كبيرا من اللبنانيين. وعلى القضاء أن يتحرك ليقوم بما يجب. كما أن بإمكان الحكومة اللبنانية ، إذا أرادت، أن تطلب من وزارة العدل الإيعاز إلى النيابات العامة بالتحرك والقيام بالإجراءات القضائية المطلوبة».

ونفى الحاجة إلى لجنة مشتركة لبنانية - إيرانية لمتابعة هذه القضية «لا سيما أن الموضوع يقع ضمن مسؤولية القضاء اللبناني». وأوضح أن «ما يحتاج إلى لجنة هو ملف اختفاء اللبنانيين في السجون السورية الذين يتجاوز عددهم الستمائة. كذلك اختفاء اللبنانيين على الأراضي اللبنانية. والعدد يتجاوز الآلاف. وقد يستمر عمل مثل هذه اللجنة سنوات. أما الحالة الخاصة المرتبطة بالدبلوماسيين الإيرانيين فهي محدودة المعالم. ويمكن لوزارة العدل أن تقوم بهذه المهمة». وأشار إلى أن النيابة العامة تستطيع أن تصدر استنابات قضائية للاستحصال على معلومات إضافية من الذين عايشوا تلك المرحلة وتحدثوا عن الموضوع في وسائل الإعلام.

وكان قد ورد في تقرير لقوى الأمن الداخلي بتاريخ 4 يوليو (تموز) 1982 أن «مسلحين حزبيين أوقفوا على حاجز البربارة المستشار الأول في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد محسن الموسوي الذي كان عائدا من البقاع إلى بيروت، مع ثلاثة من موظفي السفارة، تواكبه قوة من جهاز أمن السفارات. المسلحون أطلقوا القوة المواكبة واحتفظوا بالدبلوماسيين الأربعة ونقلوهم إلى أحد المراكز الحزبية. والدبلوماسيون هم، إضافة إلى الموسوي، الملحق العسكري أحمد متوسليان، والمصور والمراسل الحربي كاظم إخوان، والسائق تقي رستكار». وكانت قضية الدبلوماسيين الإيرانيين أثيرت على هامش المفاوضات الأخيرة لتبادل الأسرى بين «حزب الله» وإسرائيل، فأوردت صحف المعارضة أن مصادر دبلوماسية غربية كشفت أن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المختطفين في لبنان منذ عام 1982 سلموا فيما بعد إلى إسرائيل. وأشارت في حينه إلى أن كلا من طهران وتل أبيب تسعيان إلى بت موضوع مصير الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المختطفين في لبنان والطيار الإسرائيلي رون اراد المفقود في لبنان. إلا أن الصفقة انتهت وعاد من عاد ليبقى مصير الدبلوماسيين الإيرانيين والطيار الإسرائيلي مجهولا. وكان رئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع ذكر عقب خروجه من السجن في يوليو (تموز) 2005، أن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة قتلوا على أيدي مسلحين. كذلك كان روبير حاتم مساعد الوزير الراحل إيلي حبيقة، والملقب بـ«كوبرا»، أحدث ضجة إعلامية كبيرة عام 1999 عندما نشر مذكراته، وأورد فيها أن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة قتلوا جميعا بالرصاص ودفنوا في منطقة الكرنتينا شرق بيروت، في سراديب مبنى الأمن التابع لـ «القوات اللبنانية» بقيادة إيلي حبيقة، وأن جثثهم أحرقت بالكلس - كما كان الأمر يجري آنذاك ـ ثم، عندما امتلأت السراديب بالجثث المتعددة الجنسيات، تم نقل ما تبقى منها وألقي في «وادي الجماجم» في أعالي جبل صنين، وفي المناطق الوعرة في ضهور عشقوت في كسروان.

وزعم كوبرا آنذاك في مقابلة لـ«الشرق الأوسط» أنه كان شاهدا على ما حصل، لأنه كان أقرب المقربين من حبيقة «وذات يوم من أيام 1983 أصدر مدير سجن الكرنتينا واسمه بول عريس أمرا إلى مسؤول الصيانة والتنظيفات في السجن بتنظيف سرداب للتخلص من كل ما فيه، لأن الصرخة قد علت بالمطالبة بالإيرانيين الأربعة فلا بد من التخلص من الجثث وإخفائها».

وردا على سؤال آخر ادعى حاتم، أن الأمر بتصفية الدبلوماسيين الإيرانيين «صدر من إيلي حبيقة مباشرة لنائبه أسعد شفتري الذي تولى بدوره نقل الأمر إلى الشباب». إلا أن تأكيد جعجع ورواية حاتم يتناقضان مع الرواية التي كان حبيقة أبلغها في عام 2000 إلى ذوي الإيرانيين الأربعة، حيث قال إنهم لا يزالون في السجن عندما حدثت الانتفاضة الشهيرة ضده في الخامس عشر من يناير (كانون الثاني) 1986. ومعلوم أن اختطاف الدبلوماسيين الإيرانيين فتح ملف آخر هو اختطاف الرهائن الأجانب في لبنان، إضافة إلى حوادث اختطاف متتالية طاولت عددا كبيرا من المسيحيين الذين لا يزال مصير معظمهم مجهولا، ليزيد بذلك عدد المفقودين اللبنانيين الذين تكاثر عددهم بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

وكان الحادث الأول المرتبط بملف الإيرانيين قد سجل بعد 14 يوما من اختطافهم، أي في 19 يوليو (تموز) 1982، عندما اختطف رئيس الجامعة الأميركية في بيروت ديفيد دودج. وأشارت معلومات صحافية آنذاك إلى أن تنظيم «أمل الإسلامية» بقيادة حسين الموسوي، هو الذي نفذ العملية لحساب الحرس الثوري الإيراني، الذي كان أحد مسؤولي معسكره في البقاع، أحمد متوسليان، من ضمن الإيرانيين الأربعة الذين فقدوا على حاجز البربارة. دودج أطلق سراحه في 21 يوليو (تموز) 1983 من سجن نيفين الإيراني. ونقل جوا من طهران إلى مطار دمشق. وسلم في اليوم التالي إلى السفارة الأميركية هناك بعد تدخل مباشر من قبل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. وبعد اختطاف القس البريطاني في الكنيسة الأنجليكانية تيري ويت، حاولت الحكومة البريطانية التوسط لدى «القوات اللبنانية» لمبادلته بالإيرانيين الأربعة، ولكن أيضا من دون نتيجة. وكان الوزير السابق كريم بقرادوني قد صرح في برنامج «مهمة خاصة» مع الإعلامية جيزال خوري، في 23/9/2004، أنه في أواخر عام 1987 اجتمع بالسفيرين البريطانيين في بيروت وقبرص اللذين أبلغاه بأن دولتهما مستعدة لتقديم كل ما تطلبه «القوات اللبنانية»، مقابل الإفراج عن الدبلوماسيين الإيرانيين أو تقديم معلومات عنهم ليتمكنوا من إطلاق سراح تيري ويت. وشرحا له بشكل واضح أن الحكومة البريطانية ترضى بأي صيغة لحل هذه القضية مقابل الوصول إلى نتيجة. وذكر بقرادوني في تلك المقابلة أن «سمير جعجع اجتمع بالسفيرين في اليوم التالي، وأبلغهما عجزه عن إعطائهما أي معلومات لأن هؤلاء الإيرانيين قُتلوا عقب توقيفهم».