موسكو ترحب بمبادرة أوباما وتطرح رؤيتها للتعاون من أجل نظام عالمي جديد

فيما تواصل تقدمها في الفضاء السوفياتي السابق

TT

إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما حول استعداد بلاده لتخفيض ترسانتها النووية بنسبة 80% في إطار اتفاقية مشتركة مع روسيا تقضي بتخفيض ترسانة البلدين من الرؤوس النووية إلى ألف رأس لكل منهما بديلا للاتفاقية التي تنتهي في عام 2009، لقي ترحيب موسكو التي اعتبرته «رسالة جديدة تمهد السير في الاتجاه الصحيح». وقد جاءت المبادرة الأميركية في توقيت بالغ الحرج مواكب لتكثيف موسكو لجهودها الرامية إلى احتواء الأنظمة الحاكمة في بلدان آسيا الوسطى واستقطابها بعيدا عن الدوران في فلك الولايات المتحدة التي لم تتوقف عن محاولات تعزيز مواقعها التي اكتسبتها في هذه المنطقة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 تحت ستار التعاون في مكافحة الإرهاب الدولي. وكانت موسكو قد نجحت نسبيا في استعادة بعض مواقعها في أوزبكستان التي زارها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في رحلة قالوا إنها كانت محاولة لاسترضائها، وانعكست نتائجها في حضور قمة موسكو بلدان معاهدة الأمن الجماعي التي سبق وغابت طشقند عن اجتماعها السابق في قرغيزستان. كما حصلت موسكو على توقيع الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف على اتفاقية إنشاء قوات الانتشار السريع لبلدان معاهدة الأمن الجماعي، وإن أرفقه بتحفظات اعتبرتها موسكو غير مؤثرة على الاستراتيجية العامة، في الوقت الذي حققت فيه انتصارها الكبير بإقناع كرمان بك باقييف رئيس قرغيزستان بإعلان قراره من داخل الكرملين حول إغلاق القاعدة الجوية الأميركية «ماناس» في أراضي بلاده مقابل إغداق الدعم المالي وهو ما استثار واشنطن التي تواصل محاولاتها لاقناع باقييف بالتراجع عن قراره. وكانت المصادر الأميركية سارعت بإعلان أن واشنطن قد تفتح حوارا مع موسكو حول هذه القضية. وإذا كان هناك من انتقد الكرملين بسبب ما يصفونه بسوء اختيار توقيت تصعيد موسكو لنشاطها في آسيا الوسطى وتدخلها في قرغيزستان التي اتخذت قرار إغلاق القاعدة الأميركية، فإن ثمة من يرد على ذلك بالإشارة إلى ما صدر عن الكرملين من تصريحات يؤكد فيها رغبته في استمرار التعاون مع واشنطن وعدم تخليها عما سبق والتزمت به معها في إطار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتقديمها لكل أشكال الدعم اللوجيستي بما في ذلك السماح باستخدام أجوائها لدعم قوات التحالف في أفغانستان. غير أن ذلك لم يمنع أيضا انتقادات الكرملين لما يصدر عن واشنطن من إيحاءات وإيماءات حول دعم توجهات جورجيا وأوكرانيا نحو الانضمام إلى الناتو والتمسك بمواقعها التي كسبتها بموافقة موسكو في آسيا الوسطى تحت ستار التصدي للإرهاب الدولي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001. ويشيرون أيضا بهذا الصدد إلى ما نقلته وكالة «قوقاز - برس» الجورجية عن مصادر رفيعة المستوى في تبليسي حول أن جورجيا بدأت مفاوضاتها مع واشنطن حول إنشاء قاعدة أميركية في ميناء بوتي على ساحل البحر الأسود قريبا من أبخازيا إلى جانب قاعدة أخرى في مارنيولي على مسافة 40 كم من العاصمة تبليسي، تحسبا لاحتمالات إنشاء القواعد الروسية في أبخازيا المحتلة على حد تعبيرها.

وفي ذات السياق يمكن اعتبار ما قاله سيرغي إيفانوف نائب رئيس الحكومة الروسية ووزير الدفاع السابق في مؤتمر الأمن في ميونيخ ردا غير مباشر على مبادرة أوباما حول تقليص الترسانتين الصاروخيتين الأميركية والروسية. فقد ذكر إيفانوف، وهو المسؤول عن ملف الصناعات العسكرية، أن «تحمل موسكو وواشنطن ومنذ زمن طويل مسؤولية خاصة عن مصائر العالم من شأنه أن يصبح عاملا موحدا للبلدين»، وإن أشار أيضا إلى «أن التعددية القطبية المتزايدة يوما بعد يوم، وكذلك تنوع المخاطر يدفع إلى استنتاج مفاده أن حل قضايا الاستقرار الاستراتيجي لا يمكن أن يبقى بعد الآن محصورا ضمن علاقات البلدين»، وهو ما يعتبر دعوة مفتوحة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي والصين والهند وغيرها إلى المشاركة في بناء النظام العالمي الجديد بعيدا عن هيمنة القطب الواحد. وكشف إيفانوف عن رغبة موسكو في إشراك كل الدول وليس الولايات المتحدة وروسيا وحسب في بحث قضايا منظومة الدرع الصاروخية من أجل ضمان الأمن الشامل مع ضرورة مراعاة اقتراحات موسكو المتعلقة بمجال الدفاع المضاد للصواريخ والصواريخ المتوسطة والقريبة المدى. وكانت بعض الدوائر الروسية أبدت تحفظها على مبادرة أوباما التي قالت إنها محاولة لتجريد روسيا من قدراتها النووية الرادعة. ونقلت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» عن الكسندر خرامتشيخين الخبير العسكري السياسي الروسي قوله بأن تقليص الأسلحة الاستراتيجية لروسيا إلى ألف رأس نووية سيفقدها القدرة على ردع الولايات المتحدة في حال شن هجوم نووي ضدها إلى جانب أنها ستصبح عاجزة عن حماية أمنها من أي صواريخ صينية ذات رؤوس نووية. وأشار إلى أن تقليص الأسلحة النووية الروسية حسب الاقتراح الأميركي قد يغري الصين باللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية ما تواجهه من مشاكل حول الحدود مع روسيا على حد قوله. وفي هذا الصدد أيضا أشار ديمتري روغوزين المندوب الروسي الدائم لدى حلف شمال الأطلسي إلى ضرورة ربط تقليص الترسانة النووية الروسية بتراجع الإدارة الأميركية عن قرار نصب أية منظومة صاروخية في شرق أوروبا قادرة على تدمير الصواريخ الروسية.