موريتانيا: العقوبات الأفريقية تشمل 60 غالبيتهم مدنيون.. واجتماع دولي سيبحث آليات التنفيذ

مسؤول أفريقي لـ «الشرق الأوسط» نريد جعل موريتانيا عبرة لمن تسول له نفسه الانقلاب على الديمقراطية

TT

أفادت مصادر في الاتحاد الأفريقي قريبة من الملف الموريتاني، أن العقوبات التي أقرها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي مؤخرا على موريتانيا شملت حوالي 60 شخصا غالبيتهم من المدنيين، وفي مقدمتهم رجال أعمال ونواب برلمانيون وقادة سياسيون. وأضافت المصادر، لـ«الشرق الأوسط» في نواكشوط، أن اللوائح المشمولة بالعقوبات تضم 5 من عناصر المجلس الأعلى للدولة الحاكم، و7 وزراء و19 رجل أعمال و10 برلمانيين و5 قادة أحزاب سياسية على الأقل، إضافة إلى ناشطين سياسيين ينظر إليهم على أنهم من مؤيدي انقلاب 6 أغسطس (آب) الماضي.

وسربت مصادر مطلعة قائمة المشمولين بالعقوبات إلى «الشرق الأوسط»، التي تتحفظ على نشر الهويات بسبب عدم إعلانها رسميا من قبل الاتحاد الأفريقي.

وذكرت مصادر مطلعة أن الإجراءات الفنية لتطبيق قرار العقوبات سيتم تحديدها في اجتماع ستعقده ست منظمات دولية في باريس في العشرين من الشهر الجاري. وسيشارك في الاجتماع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والمنظمة الفرانكفونية والأمم المتحدة إضافة إلى الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وسيخصص لبحث الصيغة التي سيتم بها تطبيق هذه العقوبات التي اتخذها الاتحاد الإفريقي للمرة الأولى لمواجهة الانقلابات في أفريقيا، حيث كانت تقتصر إجراءات المنظمة الإفريقية على تجميد عضوية الدول التي يتم فيها الاستيلاء على السلطة عن طريق القوة.

وفيما يبقى قرار الاتحاد الأفريقي ملزما للدول الأعضاء في هذه المنظمة، توقعت مصادر قريبة من الملف، أن يحذو الاتحاد الأوروبي حذو أفريقيا في اتخاذ خطوات مماثلة، خاصة أنه سبق أن تعهد بذلك للزعماء الأفارقة، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية في وقت سابق نيتها مواكبة الاتحاد الأفريقي في أي إجراء من شأنه أن يضع حدا للانقلابات في أفريقيا.

ولم يتحدد بعد شكل الموقف الذي ستتخذه الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي حيال الملف، باعتبار أنهما تنتميان إلى «مجموعة الاتصال» التي كانت تسعى لمعالجة هذا الوضع، وقد عارضتا بشدة فرض هذه العقوبات خلال الاجتماعات التنسيقية في كل من بروكسل وفرنسا وأديس أبابا.

وتتضمن العقوبات الأفريقية ضد موريتانيا، حظر السفر، ومنع إصدار تأشيرات الدخول، وتجميد الأرصدة المصرفية، إضافة إلى إمكانية الملاحقة القضائية. وأعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي بدء إجراءات إحالة الملف الموريتاني إلى مجلس الأمن الدولي ليأخذ طابعا دوليا.

وقال مسؤول في الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، لـ«الشرق الأوسط» في القاهرة، إن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد، راعى في قرار فرض العقوبات ألا تمس العقوبات المواطن الموريتاني العادي ولا تؤثر سلبا في حياته اليومية. وأضاف: «لا يمكن أن نتراخى في مواجهة من يهددون مسيرة الديمقراطية، ولو لم نجعل مما حدث في موريتانيا مؤخرا عبرة لكل من تسول له نفسه الانقلاب على الديمقراطية، لانفرط عقد كثير من الأنظمة الحاكمة ولعمت الفوضى».

وشدد على أن الاتحاد الأفريقي، عبر هذه العقوبات، يرسل رسالة قوية للجميع، بأنه لن يتسامح بعد اليوم مع أي انقلاب عسكري مماثل، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يناصر موقف الاتحاد الأفريقي ويتفهمه.

من جانبه، وصف محمد محمود ودادي، نائب رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي يترأسه الرئيس الأسبق أحمد ولد داداه، قرار المجلس الأفريقي بأنه مقلق للغاية، حتى لو كانت أضراره لن تمس في الوقت الحاضر إلا مجموعة من الناس خاصة القادة العسكريين الموجودين وأعوانهم. وقال ودادي لـ«الشرق الأوسط»: «عادة هذه الأمور عندما تبدأ مع بلد تدخله في مأزق حقيقي والعزلة تجر إلى الحصار والمقاطعة الاقتصادية الشاملة كما رأينا في أمثلة سابقة، ولهذا نحن قلقون، لأنه يمكن للقرار أن يجر إلى ما هو أكبر من تأثيره الحالي». ورأى أن المخرج من الأزمة الحالية يجب أن يكون على أيدي الموريتانيين أنفسهم وبين جميع الأطراف. ونفى ودادي أن يكون الرئيس الأسبق ولد داداه قد حذر رئيس المجلس العسكري الحاكم من قطع العلاقات مع إسرائيل وفقا لما تردد مؤخرا في اجتماع للجنرال عبد العزيز مع مسؤولي حكومته. وأضاف: «هذا غير صحيح مطلقا، وليس له أي أساس من الصحة، وموقف ولد داداه هو قطع العلاقات مع إسرائيل»، مشيرا إلى أنه هو الزعيم الوحيد الذي اعتقل وتوبع قضائيا بسبب هذا، لأنه يمكن أن يجر موريتانيا لمشكلات سياسة وأمنية تمس مواطنيها.

كما نفى ما نسب إلى ولد عبد العزيز من أن ولد داداه قد حرضه على الإطاحة بنظام الرئيس المقال سيدي ولد الشيخ عبد الله، معلنا أن ولد داده لم يحسم بعد موقفه من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأضاف: «نريد للانتخابات أن تخرج موريتانيا من هذه الأزمة، وتكون ناتجة عن وفاق وطني، وألا يترشح لها أي عسكري قبل تاريخ الانقلاب العسكري الأخير»، محذرا من أن عكس ذلك سيؤدى إلى تعميق الأزمة ويزيد من غوص في موريتانيا في الوحل، على حد تعبيره.

وتباينت ردود الفعل داخل موريتانيا إزاء العقوبات الأفريقية. ففيما أبدت الأغلبية البرلمانية الحاكمة دهشتها للقرار ووصفته بأنه مبني على تقييم خاطئ ويتجاهل رغبة الشعب الموريتاني وخياره، وصفت جبهة الدفاع عن الديمقراطية المناوئة للانقلاب الخطوة بأنها نتيجة «تعنت صبياني وإمعان القادة الجدد في تحدي توجيهات المجتمع الدولي». واتهمت الجبهة في بيان وزعته الليلة قبل البارحة المجلس الحاكم العسكري بالإصرار على تجاهل العواقب الوخيمة للعقوبات على البلد، ويواصل «الهروب إلى الأمام بفرض الأمر الواقع».

وذكر مصدر حكومي فضل عدم الكشف عن اسمه أن القرار لن يكون له تأثير على مشروع الحركة «التصحيحية» الذي تبناه المجلس الحاكم، الذي يسعى لإعادة البلاد إلى الحياة الدستورية عبر انتخابات رئاسية حدد لها موعد 6 يونيو (حزيران) المقبل، مشيرا إلى تجاهل المجتمع الدولي للخطوات التي قدمها المجلس الحاكم في هذا الصدد، وفي مقدمتها تنظيم المنتديات العامة للديمقراطية، وتحديد موعد للانتخابات، إضافة إلى حفاظه على معظم المكتسبات الديمقراطية.

كذلك، أعرب رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني، صالح ولد حنن، عن استغرابه الشديد لقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي القاضي بفرض عقوبات على موريتانيا، وأكد تمسكه بخيار الحل الوطني المنبثق عن المنتديات العامة للديمقراطية.