برنامج أميركي بعيد عن الضوء لكسب العقول والقلوب من خلال تعلم الإنجليزية

32 ألفا استفادوا منه على مستوى العالم.. وتلاميذ مصريون يؤكدون أنه شجعهم على احترام الاختلاف

TT

تنفق الولايات المتحدة قدرا كبيرا من الأموال في مصر، فهي تمنح مصر مساعدات نقدية سنوية قوامها نحو 1.7 مليار دولار، يوجه معظمها لشراء الأسلحة ودعم المؤسسة العسكرية. ويوجد في القاهرة أيضا سفارة كبيرة للولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر سفارة لها في العالم بعد تلك المنشأة حديثا في العراق، وتمتلئ هذه السفارة بالدبلوماسيين والضباط العسكريين وعملاء مكتب التحقيق الفيدرالي، ومسؤولين في مجال مكافحة المخدرات، وعملاء يتبعون وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وكثير غيرهم.

وعلى مدار عامين أنفقت الولايات المتحدة أيضا قرابة 2000 دولار لتعليم يسرا يوسف اللغة الإنجليزية، وهي صبية تبلغ من العمر 15 عاما من أسيوط، إحدى أكثر المحافظات تحفظا، فضلا عن أنها كانت في يوم من الأيام نبعا للتطرف الإسلامي. وأشار أحد المسؤولين المصريين إلى أن المسؤولين في واشنطن كانوا غاضبين قليلا من التكلفة التي تم استهلاكها لتعليم يسرا اللغة الإنجليزية، لأن نفس البرنامج يكلف 1000 دولار فقط للتلميذ في دول أخرى.

ولكن ما الذي جنته الولايات المتحدة من استثمارها؟

تقول يسرا بابتسامة كبيرة مشرقة: «أهم فكرة تعلمتها هي احترام الاختلاف». قالت يسرا هذه الجملة معربة عن فكرة تعتبر ثورية في مجتمع يجل ويشجع الامتثال بالعادات والتقاليد.

وتعلمت يسرا لغتها الجديدة ومهارات التفكير كجزء من برنامج يسمى «أكسيس»، وهو برنامج صغير لتعلم اللغة الإنجليزية يبدأ بعد انتهاء الفصل الدراسي، ويعد هذا البرنامج عنصرا غير ملحوظ تقريبا بالنسبة لميزانية الخارجية الأميركية متعددة المليارات.

ويعد هذا البرنامج واحدا من البرامج البعيدة عن دائرة الضوء، كما أن آثاره تظهر مستقبلا، ويهدف إلى الترويج للتغيير وتعزيز التفاهم من أسفل إلى أعلى. ومنذ استهلال هذا البرنامج عام 2004 استفاد منه 32 ألف تلميذ في 50 دولة.

بدأ برنامج «أكسيس» في مصر قبل عامين، وتخرج منه 182 من الشباب في مرحلة المراهقة، من البنين والبنات، مسلمين ومسيحيين. والشرط الوحيد للالتحاق بالبرنامج أن يكون الأطفال من أبناء الأسر الفقيرة.

ولم يكن هذا البرنامج أبدا جزءا من توجه إدارة بوش لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، بل وربما لم يتم النظر إليه قط من هذه الزاوية. وأوضح من التحقوا به من الشباب أنه غيّر حياتهم وحملهم على اعتناق مبادئ التنوع والتسامح والتفاهم، وهي المبادئ التي يُنظر إليها على أنها اللبنات الأساسية للمجتمع الديمقراطي التعددي.

وتقول منال عادل أحمد من محافظة أسيوط، والبالغة من العمر 16 عاما: «كل شيء في حياتي مختلف الآن، في الماضي كنت أخشى التعامل مع أي شخص مختلف، وكنت أعتقد أنه أمر سيئ، أما الآن فأعتقد أنه من المهم التحرك نحو التعرف على الأفراد والثقافات الأخرى».

تركز الدورة على تعليم اللغة الإنجليزية، لكنها تهدف أيضا إلى تحقيق تفهم أفضل للثقافة الأميركية، الغريبة تماما على الأفراد هنا. وقالت نورهان أحمد، 16 عاما: «إن عيد الشكر هو العطلة الأميركية المفضلة لدي، فكرة لم شمل العائلة والأكل بعضهما مع بعض مرة واحدة في العام تعد رائعة، خاصة أنه ليس عطلة دينية، كما أنه لا يخص جماعة بعينها. إنه للجميع».

وبعد إتمام الدورة الدراسية التي تستغرق عامين شاركت الفتيات في معسكر للخريجات على مدار 3 أيام، وكان المعسكر على مسافة ساعة ونصف بالسيارة جنوب القاهرة، وكان يهدف بصورة جزئية إلى أن يكون برنامجا ترفيهيا، بالإضافة إلى أنه كان بمثابة جهد للتواصل مع الشباب.

ورغم النجاح الظاهر الذي حققه البرنامج، أوضح المسؤولون الأميركيون أنه ليس هناك متابعة طبيعية فعلية للبرنامج، بل حتى إنه ليس من المؤكد أن البرنامج سيتواصل إلى ما بعد المجموعة الثانية، والتي تضم 192 تلميذا يدرسون حاليا في مجموعة متنوعة من المدن والمحافظات المصرية.

وفي هذا الصدد قال رزق مسعود، البالغ من العمر 16 عاما ومن أسيوط أيضا: «قد أشعر بالاكتئاب إذا لم يستمر برنامج أكسيس؛ لقد غير حياتي وتفكيري وخياراتي وأصدقائي، وفتح أمامي الأبواب، وليس هناك مجال واحد لم أستفد منه».

أقيم المعسكر في مركز البحر المتوسط للتنمية المستدامة جنوب القاهرة، في واحة تحيطها أشجار النخيل، كما أنها منطقة مصرية جافة وفقيرة، وغالبا ما يعيش سكانها في منازل مع الحيوانات التي يربونها من أجل الزراعة.

ويقول عدلي حسنين الذي يملك هذا المركز هو وزوجته جودي: «لا يمكنك أن تبني الديمقراطية بأن تقول: (إننا نتبنى الديمقراطية)، بل يتعين عليك أن تبني الديمقراطية في قلوب الشباب».

وقد تم دعوة خريجي برنامج «أكسيس» للمشاركة في واحد من أربعة برامج تستمر على مدار 3 أيام في المركز التابع لحسنين. وذكر أبنود ونيس، البالغ من العمر 16 عاما من محافظة المنيا: «لقد تعلمنا عن المساواة»، فيما قال فادي سمير البالغ من العمر 14 عاما، من محافظة المنيا أيضا: «لقد تعلمنا عن المذهب الفردي»، ثم نهض وقال: «أريد أن أضيف شيئا، لقد جعلونا نفكر».

وفي يوم الإثنين تمت دعوة التلاميذ إلى حلقة دراسية يديرها 3 أميركيين يقطنون في القاهرة، وهم: جيف هاردنغ، وإيدن أونغر، ونيت بوديتش. وأطلق على تلك المجموعة اسم «فولز»، في إشارة إلى الاسم الحقيقي لدرس تلقاه الطلاب بروح الفكاهة، بواسطة التلاعب بالمعنى الإنجليزي والعربي للكلمة.

* خدمة نيويورك تايمز