مؤتمر ميونيخ: نائب الرئيس الأميركي يخير إيران بين «العزلة والضغط» أو «الحوافز الجيدة»

قال إن السياسة الأميركية ستتخذ نهجا جديدا ودعا إلى مراجعة العلاقة مع موسكو

نيكولا ساركوزي في حديث باسم مع جو بايدن خلال القمة أمس (أ.ف.ب)
TT

أكد الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أمس على الفرق الكبير بين الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما وسلفه جورج بوش إذ عرض على إيران الخيار بين العزلة أو الحوافز قائلا، إن واشنطن مستعدة للتحادث مع طهران ومشددا على أن السياسة الأميركية تجاه العالم ستتخذ نبرة جديدة.

وأمام مؤتمر الأمن في ميونيخ، قال نائب الرئيس الأميركي إن الولايات المتحدة مستعدة للتحدث مع إيران وأن تعرض عليها الخيار بين «الضغط والعزلة» أو «الحوافز الجيدة» مضيفا «سنكون على استعداد للحديث مع إيران وان نعرض عليها خيارا واضحا للغاية، أن تواصل مسارها الحالي مما يعني استمرار الضغط والعزلة، أو التخلي عن البرنامج النووي السري ودعم الإرهاب مما سيعني حوافز جيدة».

وقال بايدن أمام عدد من القادة والمسؤولين في كلمة مهمة عن السياسة الخارجية الأميركية إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما «تعيد النظر في سياسة إيران، الشعب الإيراني هو شعب عظيم والحضارة الفارسية هي حضارة عظيمة».

وأضاف «ولكن إيران تصرفت بطرق لا تفيد السلام في المنطقة أو ازدهار شعبها. وما برنامجها النووي السري سوى واحد من الأدلة على ذلك» كما نقلت وكالة «الصحافة الفرنسية».

في المقابل، دعا القادة الأوروبيون المشاركون في مؤتمر ميونيخ إلى اعتماد تحرك بشأن برنامج إيران النووي. ودعت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إلى فرض عقوبات أقسى ضد إيران إذا لم تفلح جهود الرئيس الأميركي الدبلوماسية الجديدة في إقناع طهران بتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم.

وقالت في مؤتمر الأمن في ميونيخ «علينا أن نكون مستعدين لفرض عقوبات أكثر صرامة. يجب منع إيران من امتلاك أسلحة نووية».

وأضافت «أعتقد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستوضح لنا نهجها تجاه إيران خلال الشهور المقبلة. نحن مستعدون للسير في هذا المسار معا. ولكننا مستعدون أيضا لتشديد العقوبات إذا لم يحرز تقدم».

وحث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان يجلس إلى جانب ميركل في المؤتمر، روسيا التي تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي الذي فرض عددا من العقوبات على إيران، المساعدة على التوسط مع إيران. وقال إن «إظهار روسيا للوجه الذي ترغب أن يراه العالم يعود إلى روسيا نفسها. إذا أرادت السلام، عليها أن تظهر ذلك، وإذا أرادت أن تكون لاعبا مهما في العالم، فعليها مساعدتنا على حل الأزمة مع إيران». ودعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليباند إيران إلى السعي لتحسين علاقاتها مع الغرب قائلا إن الظروف «لا يمكن أن تكون أفضل مما هي عليه» في الوقت الحالي.

وقال مليباند في مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ بألمانيا «لن تكون الظروف أفضل مما هي عليه الآن. ولن تصبح الظروف أفضل من أن تقول الإدارة الأميركية إنها تريد علاقات طبيعية مع إيران».

كذلك، أكد بايدن المسافة مع سياسة بوش في العالم إذ شدد على أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الجديدة سيكون لها نبرة جديدة فيما يتعلق بالعلاقات الأميركية في شتى أنحاء العالم ولكنها ستطلب المزيد من شركائها.

وقال، «حضرت إلى أوروبا نيابة عن إدارة جديدة مصرة على انتهاج نهج جديد في واشنطن وفي العلاقات الأميركية بشتى أنحاء العالم. ستقدم الولايات المتحدة المزيد ولكن أميركا ستطلب المزيد من شركائنا». بحسب وكالة «رويترز».

وندد بايدن بالسياسة الخارجية التي كان ينتهجها الرئيس السابق جورج بوش، التي تمثلت في أن «من ليس معنا فهو ضدنا». وحاولت كلمة بايدن أيضا طي صفحة الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق وشكوك بوش بشأن التغير المناخي التي أسفرت عن ابتعاد العديد من الأوروبيين.

لكن بايدن أوضح أن الولايات المتحدة ما زالت مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لحماية أمنها القومي. وقال، «لا يوجد تناقض بين أمننا ومثالياتنا. إنهما يدعمان بعضهما بعضا. قوة السلاح حققت لنا الاستقلال وعلى امتداد التاريخ كانت قوة السلاح تحمي حريتنا. وهذا لن يتغير».

من جانب آخر، قال بايدن إن الولايات المتحدة وروسيا في حاجة إلى «العودة إلى نقطة البداية» لمنع تدهور خطير في العلاقات بين موسكو وحلف شمال الأطلسي والبحث عن مجالات يمكن أن يعملا فيها معا.

ولكنه قال إن الولايات المتحدة لن تقبل أن يصبح إقليمان انفصاليان في جورجيا جزءا من «مجال النفوذ» لروسيا. وقال بايدن الذي كان يتحدث في مؤتمر أمني بميونيخ، «الولايات المتحدة ترفض فكرة أن مكاسب حلف الأطلسي خسارة لروسيا أو أن قوة روسيا ضعف لحلف الأطلسي».

وأضاف «شهدت السنوات القليلة الماضية تدهورا خطيرا في العلاقات بين روسيا وأعضاء في حلفنا (حلف شمال الأطلسي)».

وقال انه يتعين على روسيا والحلف أن يتعاونا للتغلب على تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان وأن يعملا معا لتمهيد الطريق أمام خفض المزيد من ترسانتيهما النوويتين. ولكنه أضاف أن الولايات المتحدة لن توافق روسيا على كل شيء.

وتابع «على سبيل المثال لن تعترف الولايات المتحدة بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية كدولتين مستقلتين. لن نعترف بأي مجال للنفوذ».

وقال بايدن إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مستعدة للتفكير في مطالب روسيا بإجراء مفاوضات لتجديد معاهدة «ستارت»، المعاهدة الرئيسية لتفكيك الأسلحة النووية التي أبرمت إبان الحرب الباردة وينتهي العمل بها في ديسمبر.

وتوقفت المحادثات بشأن تجديد معاهدة «ستارت» في ظل إدارة الرئيس السابق جورج بوش، بسبب الخلافات حول المطالب الروسية بصياغة معاهدة تكون ملزمة قانونيا مع إجراءات تحقق صارمة.

وتدعو معاهدة «ستارت» إلى خفض عدد الرؤوس الحربية الأميركية من 10 آلاف إلى 8500 والرؤوس الحربية الروسية من 10200 إلى 6450. وجرى التوقيع على المعاهدة في عام 1991 وقادت إلى خفض كبير في الترسانة النووية في البلدين.

وفي تصريحات أخرى أشار بايدن إلى أن إدارة أوباما قد تراجع مشروعا لنشر منشآت صواريخ دفاعية في شرق أوروبا مما أثار غضب موسكو.

وقال في مؤتمر الأمن في ميونيخ «سنواصل تطوير الدفاع الصاروخي لمواجهة القدرات الإيرانية المتزايدة بشرط أن تكون التكنولوجيا مؤكدة وان يكون (الدفاع الصاروخي) مجديا ماليا. وسنفعل ذلك بالتشاور معكم ومع حلفائنا في حلف الأطلسي ومع روسيا».

ويبدو ان هذه التصريحات تشير إلى أن المشروع البالغة كلفته مليارات الدولارات ستجري مراجعته، ويرجح ان ترحب موسكو بهذه الخطوة.

إلى ذلك، أكد بايدن أن الرئيس باراك أوباما يدعم مشاركة فرنسا الكاملة في حلف شمال الأطلسي. وقال بايدن إن «الرئيس أوباما شدد خلال محادثات أجراها مؤخرا مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على انه يدعم بقوة مشاركة فرنسا الكاملة في حلف شمال الأطلسي اذا كانت فرنسا تريد ذلك».

وأشار بايدن إلى أن فرنسا من «أكبر المساهمين» في عمليات الحلف الأطلسي. وقال «نترقب أن تكون مسؤوليات فرنسا الجديدة تعكس أهمية مساهماتها عبر التاريخ في حلف شمال الأطلسي وتعزيز دور أوروبا في الحلف».

وفيما يتعلق بالوضع في أفغانستان، قال بايدن إن الولايات المتحدة تسعى لوضع أهداف «واضحة ويمكن تحقيقها» بالنسبة لأفغانستان في استراتيجية شاملة يجب أن تتحمل مسؤوليتها كل من واشنطن وحلفائها. وهذه الاستراتيجية يجب أن تجمع الموارد المدنية والعسكرية الأميركية معا للحيلولة دون أن تصبح أفغانستان ملاذا آمنا للمتشددين الإسلاميين ولمساعدة الأفغان في تطوير قدراتهم لتأمين مستقبلهم».

وأضاف بايدن أنه «لا يمكن لأي استراتيجية تتعلق بأفغانستان أن تنجح دون باكستان. يجب أن نعزز كلنا تعاوننا مع الناس والحكومة في باكستان وأن نساعدهم في تحقيق الاستقرار في المناطق القبلية وتشجيع التنمية الاقتصادية والفرص في شتى أنحاء البلاد».

واعتبر أيضا أن الولايات المتحدة ستعمل من أجل تحقيق حل الدولتين بالنسبة لإسرائيل والفلسطينيين. وقال «تأخر الحل الآمن والعادل لإقامة دولتين، سنعمل على تحقيق ذلك والتغلب على المتطرفين الذين يعملون على استمرار الصراع».

وأعلن أن الولايات المتحدة ستطلب من دول أخرى استقبال معتقلين من غوانتانامو.

وقال «مع سعينا للتوصل الى اطار دائم لكفاحنا المشترك ضد الإرهاب، علينا ان نعمل بالتعاون مع دول أخرى حول العالم، وسنحتاج الى مساعدتكم». وأضاف «على سبيل المثال سنطلب من آخرين تولي مسؤولية بعض المعتقلين حاليا في غوانتانامو».

وكان وزير الدفاع الفرنسي ايرفيه موران قال لوكالة «الصحافة الفرنسية» إن أول وحدة ألمانية على الأراضي الفرنسية منذ 1945 ستتمركز في ايلكيرش قرب ستراسبورغ شرق فرنسا وستعد نحو ستمائة جندي.

وأوضح الوزير الفرنسي على هامش المؤتمر حول الأمن المنعقد في ميونيخ بجنوب ألمانيا «ستضم فرقة استطلاعية وعناصر مشاة وهيئة أركان ما يوازي قوة من 600 إلى 700 عنصر وسيكون لها طابع علماني».

وكان ساركوزي شدد في الكلمة التي القاها على ان روسيا لا تمثل تهديدا عسكريا للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وانه يجب استعادة الثقة بين الشركاء.

وفيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل «مبادرة مشتركة» حول الاقتصاد، دون مزيد من التوضيحات.

وقالت ميركل في إعلان مشترك للصحافيين مع الرئيس ساركوزي «سنتخذ على الصعيد الاقتصادي مبادرة مشتركة فرنسية ألمانية لجعل أوروبا أكثر قوة».

وأضاف ساركوزي من جهته «سنتخذ مبادرة مشتركة لكي تصبح أوروبا أكثر وحدة وأكثر إرادة وأكثر استعدادا للرد» في مواجهة الأزمة الاقتصادية.

وأعلن المسؤولان أنهما سيعرضان هذه المبادرة على الرئاسة التشيكية للاتحاد الأوروبي. وكان ساركوزي وميركل تناولا الغذاء معا في وقت سابق.

وكانت الخارجية الروسية أعلنت أمس أن موسكو على استعداد للمضي قدما على طريق تقليص ترسانة الأسلحة الاستراتيجية الهجومية شريطة إعادة أمن الدولة الروسية. وقال سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية في حديثه أمس إلى التلفزيون الروسي إن بلاده مستعدة للبدء في أي مفاوضات تكفل لها الحفاظ على نظام الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية معربا عن ارتياحه تجاه إدراج الإدارة الأميركية الجديدة القضية نفسها ضمن أولويات الولايات المتحدة في الفترة المقبلة. وكشف عن أن روسيا حاولت منذ عامين ونصف العام انتزاع موقف واضح من جانب الإدارة الأميركية السابقة تجاه ما قدمته موسكو من اقتراحات حول صياغة معاهدة جديدة بديلة لمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية التي تنتهي في عام 2009 إلا أنها لم تلق آذانا صاغية. إلى ذلك، أعلن جو بايدن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيشارك في قمة مجموعة العشرين للدول المتقدمة والنامية الذي سيعقد في لندن في الثاني من أبريل (نيسان) المقبل.

وقال بايدن «علينا أن نتعاون بأقصى الدرجات الممكنة، ونضمن أن تحركاتنا تكمل بعضها بعضا، وأن نفعل كل ما في وسعنا لمواجهة هذه الأزمة المالية العالمية». وأضاف أن «الولايات المتحدة تقوم بدورها، ويتطلع الرئيس أوباما إلى حمل هذه الرسالة إلى اجتماع مجموعة العشرين الذي يجري في لندن في أبريل (نيسان)».