معتقلو غوانتانامو يمثلون تحديا لأوروبا

تساؤلات شائكة حول استضافة 60 معتقلا

TT

كان إغلاق معتقل غوانتانامو حلما وسيصبح واقعا بالنسبة للكثير من الأوروبيين، ومن بينهم مسؤولو مكافحة الإرهاب الذين أعربوا كثيرا عن رفضهم لهذا السجن. لكن، يقول المسؤولون الأوروبيون إن إغلاق المعتقل يمكن أن يشكل كابوسا مريعا.

تعهد وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أخيرا بمساعدة الرئيس أوباما على تنفيذ تعهده بإغلاق السجن، الذي يقع على ساحل كوبا، خلال عام. وقد عرض وزراء الخارجية تقديم استضافة ما يقرب من 60 معتقلا يمكن أن يواجهوا اضطهادا في بلادهم. وكانت إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال من بين الدول التي عرضت قبول المعتقلين السابقين، أما ألمانيا وبريطانيا والدول الأخرى فقد أبدت ترددها. ويواجه الاتحاد الأوروبي الآن العديد من التساؤلات الشائكة: فأي المعتقلين سيتوجهون إلى الدول الأوروبية؟ وهل تجب محاكمة البعض منهم أو سجنهم، إذا ما كان ذلك ممكنا؟ ومن الذي سيدفع ثمن الرعاية الصحية والإسكان والمراقبة؟ ومن الذي سيتحمل اللوم إذا قاموا بشيء مريع؟ يواجه تلك التساؤلات مجموعة من المحققين الأوروبيين والدبلوماسيين والجواسيس الذين يعرفون غوانتانامو عن قرب من خلال الزيارات التي قاموا بها لاستجواب معتقلين أو إعادتهم إلى بلادهم. ويعتقد هؤلاء المسؤولون أن إنشاء السجن كان خطأ حيث أدى إلى ازدياد الراديكالية في بلادهم، لكنهم اعترفوا في الوقت نفسه بأن المعلومات الاستخبارية التي حصلوا عليها من غوانتانامو ساعدتهم في تفكيك الشبكات الإرهابية واكتشاف تهديدات بصورة مبكرة.

وسوف يلعب هؤلاء المسؤولون دورا بارزا في تقييم التهديدات والمخاطر التي يمكن أن تواجهها أوروبا الغربية، حيث يتسبب عدم وجود حدود داخلية بينها في تنامي هواجس أمنية إقليمية.

وصرح بعض المسؤولين في مقابلات أجريت في وقت لاحق أن بعض هؤلاء المعتقلين لا يشكلون تهديدا كبيرا، لكنهم وصفوا آخرين بأنهم محاربون متمرسون يمثلون تهديدا محتملا. وأشاروا إلى إرث آخر من غوانتانامو وهو أن الرجال الذين وجهت إليهم اتهامات وسجنوا بطريق الخطأ قد أصبحوا راديكاليين بسبب الاعتقال.

وتساءل آليان غيرغنارد، قائد في الشرطة الفيدرالية البلجيكية قام بست زيارات إلى غوانتانامو، «ما الذي كان يدور برؤوسهم خلال السنوات الماضية؟ من الممكن أن يكونوا أكثر عنفا بسبب المعاملة، أو أن هناك أيضا من سيشعرون بضغوط كبيرة بسبب وجودهم في غوانتانامو لفترة طويلة. سيطلب منهم متطرفون آخرون إصدار فتاوى ومناقشة خبراتهم، سوف ينظرون إليهم على أنهم قادة».

ونتيجة لتلك المخاوف يتوقع المسؤولون أن تقوم دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون بمحاولة البحث عن مأوى بديل لبعض المعتقلين القدامى في غوانتانامو، وساقوا على سبيل المثال اتفاق تقوم بموجبه ألبانيا باستضافة خمسة من المسلمين الأويغور الصينين أفرج عنهم في عام 2006 دون توجيه تهم لهم. ويقول بالتازار غارزون، قاضي التحقيقات الإسباني، وهو من أشهر المنتقدين لمعتقل غوانتانامو: «ستضطر الحكومات الغربية إلى مواجهة قضايا العدالة الدولية المعقدة وحقوق الإنسان في الوقت الذي يقررون فيه مصير 250 معتقلا. أقترح تشكيل لجنة دولية من محلفين بارزين من الولايات المتحدة، وأوروبا، والدول التي تضررت، وهم الذين بإمكانهم تقرير مصير كل حالة على حدة، وما إذا كانت هناك حاجة إلى محاكمة أم لا. وبإمكانهم تقديم توصيات لتوزيع الأشخاص الذين لن يوجه إليهم اتهام. وتكون قرارات تلك اللجنة غير ملزمة لكنها ستتمتع بالموضوعية والخبرة». ويرى آخرون إقامة محاكمات دولية على غرار المحاكمات التي عقدت لمحاكمة المشتبه في ضلوعهم في جرائم حرب في أفريقيا والبلقان.

ويتضمن السجناء السابقين، الذين يحملون جنسية أوروبية أو تصريح إقامة أوروبيا، والذين أعيدوا إلى بلادهم، 13 شخصا أعيدوا إلى بريطانيا وسبعة إلى فرنسا، واثنان إلى إسبانيا. ويقول المسؤولون إن البعض منهم قدموا للمحاكمة، ولكن أطلق سراح غالبيتهم ولم يتسببوا في إثارة أي مشكلات.

غير أن الإعلان الأخير عن أن أحد معتقلي غوانتانامو الذين أفرج عنهم في الآونة الأخيرة صار قائدا للقاعدة في اليمن وظهر على شريط فيديو، قد أحدث صدى كبيرا داخل الأوساط القانونية. ويقول مسؤولو مكافحة الإرهاب إن الظروف الصعبة التي يعانيها المعتقلون وشعورهم بفقدان الأمل ولد شعورا بالغضب وأدى إلى مزيد من التطرف.

وقال أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الأوروبيين «خلال زيارتي الأولى للمعتقل، تحدث المعتقلون الذين تقابلت كل بأفكاره الخاصة، غير أنه خلال زيارتي الثانية كانوا يبدون رؤية جماعية، وكان بإمكاني ملاحظة سيطرة الآيديولوجيات المتطرفة، فهذه عملية نفسية تحدث في أماكن كهذه».

ويتوقع الأوروبيون أن تطلب واشنطن منهم استضافة عدد من المعتقلين من دول مثل الصين وأوزباكستان وليبيا وتونس والجزائر التي تحمل سجلا سيئا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وكان هؤلاء المعتقلون قد تمت تبرئتهم لكنهم لم تتم إعادتهم إلى بلادهم خشية تعرضهم للمحاكمة أو السجن أو التعذيب.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»