مجلس الأمن القومي في عهد أوباما.. هيئة مرنة متعددة المهام بصلاحيات جديدة

جونز سيكون الموجه الرئيسي في قضايا الأمن القومي لاغياً القنوات الخلفية

TT

يخطط الرئيس الأميركي باراك أوباما لإجراء إصلاحات شاملة لمجلس الأمن القومي عبر توسيع دائرة عضويته وزيادة سلطاته لوضع استراتيجيات لعدد كبير من القضايا الداخلية والدولية.

ستكون النتيجة مجلس أمن قومي «مختلفاً كلية» عن ذلك الذي شكلته إدارة بوش أو أي من سابقيه منذ أن أنشأ المنتدى في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتقديم المشورة للرئيس بشأن القضايا الدبلوماسية والعسكرية، وذلك بحسب ما صرح به جيمس جونز، مستشار الأمن القومي، الذي وصف تلك التغيرات في المقابلة التي أجريت معه بالقول: «لقد شهد هذا العقد تغير العالم الذي نعيش به بصورة دراماتيكية، لدرجة أن المؤسسات التي أنشأناها للاضطلاع بعدد معين من المعايير لم تعد مفيدة إلى حد بعيد».

وقد أوضح جونز، الجنرال البحري المتقاعد، أنه سيدير العملية وسيكون الناقل الرئيسي لنصائح الأمن القومي لأوباما، لاغياً بذلك كل القنوات الخلفية التي سمحت في بعض الأحيان للوزراء في إدارة بوش ومكتب نائب الرئيس بالتأثير الفردي وإعداد السياسة من وجهات نظر الآخرين.

ويضيف جونز «لن نوافق على الدوام على كل شيء، لذا فإن وظيفتي تتمثل في نقل رأي الأقلية للرئيس، ولكن إذا ما التفت في نهاية اليوم وقال لي (حسنًا ماذا تعتقد يا جونز؟) فسوف أعبر له عن رأيي».

وسوف تعمل التشكيلة الجديدة للمجلس التي سيتم الإعلان عنها في مرسوم رئاسي ووثيقة تطبيق مفصلة من قبل جونز، على توسيع سلطات المجلس خارج حدود قضايا شؤون السياسة الخارجية التقليدية، وتحويله إلى هيئة أكثر مرونة بإشراك عدد من الوزراء ورؤساء الإدارات - الذي لم يكن يضم في السابق سوى وزيري الخارجية والدفاع - ليتخذ الرأي بشأن كل قضية على حدة. وأشار جونز إلى احتمالية أن يصدر المرسوم خلال الأسبوع الحالي.

وأضاف «الفكرة كلها فيما تمثله عضوية مجتمع الأمن القومي - والتي كانت مقصورة بصورة تاريخية على وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ذاته بالإضافة إلى نذر يسير من وزارة الخارجية مع إقصاء وزارات الطاقة والتجارة والخزانة وهيئات تطبيق القانون وإدارة مكافحة المخدرات وكل هذه الأشياء - خاصة في الفترة الراهنة يجب أن تتم توسعته. وسوف تتعامل إدارات مجلس الأمن القومي الجديد مع قضايا القرن الحادي والعشرين المتمثلة في الطاقة وتغير المناخ وبناء الدولة والبنية التحتية. والكثير من مهام مجلس الأمن الداخلي الذي أنشئ كمؤسسة مستقلة تابعة للبيت الأبيض أنشأها الرئيس بوش في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، سيتم إدراجها ضمن سلطات مجلس الأمن القومي الموسع، على الرغم من أنه لم يتقرر بعد ما إذا كانت عناصر مجلس الأمن الداخلي ستظل هيئة مستقلة داخل البيت الأبيض.

وسيقوم جون أو بيرنان، عميل «سي آي إيه» الأسبق والذي عمل من قبل كمستشار رئاسي لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي ونائب جون، بمراجعة الخيارات لمجلس الأمن الداخلي والتي سيكون من بينها مسؤولية الإعداد والاستجابة للكوارث الداخلية الطبيعية أو المتعلقة بالإرهاب. وفي مقابلة منفصلة وصف بيرنان مهمته بأنها «تحدي هندسة الأنظمة» لتجنب تداخل المصالح مع مجلس الأمن القومي الجديد في الوقت الذي يضمن فيه، «حصول قضايا الأمن الداخلي على مزيد من العناية التي تستحقها من البيت الأبيض».

وقال جون إن الخرائط التنظيمية داخل الحكومة سيتم إعادة ترسيمها لضمان اتخاذ جميع الوزارات والوكالات النهج الإقليمي نفسه تجاه العالم، فوزارة الخارجية، على سبيل المثال، ستتعامل مع باكستان وأفغانستان والهند على أنها جنوب آسيا، بينما يقوم البنتاغون برسم خط على الحدود الباكستانية الهندية بالاشتراك مع القيادة المركزية وقيادة المحيط الهادي، أما باقي منطقة الشرق الأوسط فستقع تحت القيادة المركزية، وستضم وزارة الخارجية إسرائيل والدول العربية المحيطة بها إلى مكتب الشرق الأدنى.

وقال جونز: «سوف نعرض في مجلس الأمن القومي لكل أقاليم العالم مع بعض الخطوط العريضة التي يمكننا جميعًا الاتفاق عليها».

وأشار إلى أن عملية الأمن القومي ستكون «شفافة لعملائها داخل الإدارة مع أجندة اجتماعات ونتائج متاحة (لمجتمع الأمن القومي ككل) في الوقت المناسب. وستقوم كل وزارة من الوزارات بتعيين شخص ليراقب سير مجلس الأمن القومي بحيث يمكن للمسؤولين الكبار في الحكومة الاستعداد للتدخل في القضايا دون منحنيات معرفية كبيرة».

وأشار إلى أن الإدارات داخل مجلس الأمن القومي ستقوم بالإشراف على تطبيق القرارات وقال: «لا يعني ذلك تجزئة الإدارة أو الإشراف، لكن علينا التأكد، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بقرار الرئيس، وحرصه على متابعة سريان الأمور».

كان العديد من كبار التنفيذيين قد أصدروا قرارات تحدد هيكل إصدار قرارات مجلس الأمن القومي. على الرغم من قرار إنشاء مجلس الأمن القومي عام 1974 والذي أورد أسماء أعضائه - الرئيس ونائب الرئيس ووزيري الخارجية والدفاع - إلا أن كل رئيس كان يعيد تعريفه بما يتناسب مع حاجاته الشخصية وأسلوبه في الحكم. وخلال الإدارات اللاحقة كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية ورئيس هيئة الأركان المشتركة وفي بعض الأحيان وزير الخزانة، كانوا يحضرون هذه الاجتماعات بشكل أساسي. وفي الوقت ذاته يزيد دور وقوة مستشار الأمن القومي للرئيس وعدد معاونيه بصورة أكبر أو أقل اعتمادًا على رغبة الرئيس.

غير أن النوايا الأولية للرئيس غالباً ما تكون مثار انتقادات من الأشخاص أو الحوادث، فقد انتقد أسلوب مجلس الأمن القومي في عهد إدارة بوش بأنه كثير الكلام وغير حاسم، غير أنه خلال الأعوام الثماني الماضية - في الفترة الرئاسية الأولى كانت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي قد هزمت من قبل ديك تشيني نائب الرئيس ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وفي الفترة الرئاسية الثانية سقطوا في مستنقع حرب لا تحظى بتأييد وتدهور اقتصادي - كان اتخاذ القرارات يتم بصورة رد فعلية أكثر منه بصورة استراتيجية، وكانت المشاورات تتم بصورة سرية داخل الدوائر المقربة من الرئيس.

ويبدو أن إدارة أوباما - ذات الشخصيات القوية مثل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية وروبرت غيتس وزير الدفاع - مزدحمة على قمة رأس هرم الأمن القومي ومليئة بالمسؤولين العسكريين، من بينهم جونز نفسه والأدميرال البحري المتقاعد دنيس بلير مدير الاستخبارات الوطنية، - وكذلك المبعوث الخاص لمناطق الصراع ريتشارد هولبروك الدبلوماسي السابق والمبعوث إلى أفغانستان وباكستان - قد أعطوا سلطات رئاسية موسعة.

وعلى الرغم من إشارة جون إلى أنه يدعم زيادة الموارد لوزارة الخارجية التي تقزمت إلا أنه كان من بين المدافعين عن ضرورة القيام بعمل استباقي في الأقاليم غير المحاربة. وقد دافع عن التعاون العسكري مع صناعة النفط والغاز والمنظمات غير الحكومية في الخارج.

لكن جونز، الذي خدم كقائد بحري وقائد لقوات الناتو ومبعوث خاص للشرق الأوسط في عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش، قال إنه يرى أن الإدارة مكتظة بزملاء وليس منافسين، فمنذ العشرين من يناير (كانون ثاني) «عقدت المزيد من الاجتماعات مع وزيري الدفاع والخارجية أكثر من أي وقت مضى».

وقال جونز خلال المقابلة التي أجريت معه بعد ظهر الخميس الماضي إنه التقى روبرت غيتس وتبادل معه أربع مكالمات هاتفية وأنه قرر عقد اجتماع مع غيتس وهيلاري في مكتبه يوم الأربعاء.

وقال «أنا أؤمن بالمشاركة في السلطة، واختبار الأفراد وحثهم على المشاركة، وقد لاحظت أن الرئيس بارع في هذه النقطة، لكنه أوضح أنه يخطط لإضفاء قوانين شبه عسكرية على عمل مجلس الأمن القومي والأهم في ذلك أنك ستكون المنسق وأنك الشخص الذي تدور حوله الاجتماعات، وعندما نترأس اجتماع المديرين، أكون أنا رئيس الجلسة»، وهو الأمر الذي كان مثار نزاعات داخلية في إدارة الرئيس بوش عندما اقترح أن يترأس هو اجتماعات مجلس الأمن القومي بدلاً من رايس. وقد أكد جونز أنه أصر على أن يكون المسؤول ويتمتع بحرية الوصول إلى الرئيس والتحدث معه بصراحة تامة حول شؤون الأمن القومي، خلال المحادثات التمهيدية مع أوباما قبل تولي المهمة، فقال: «دخلنا في محادثة طويلة استغرقت ما يقرب من الساعة حول وجهة نظري بشأن مجلس الأمن القومي وقد كان الرئيس واضحًا بشأن دور مستشار الأمن القومي». وسوف يضطلع مجلس الأمن القومي بكل القضايا الأمنية التي تعد استراتيجية بطبيعتها «وحسب الأهمية التي يراها رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وأن مجموعات العمل سيتم تشكيلها من الوزارات والهيئات المختلفة حول قضايا محددة لحلها مهما تطلب الأمر. وسيكون عمل بعض تلك المجموعات قصير الأمد، وما إن تنتهي المشكلة يتم تفكيك المجموعة، في الوقت الذي يستمر فيه عمل البعض الآخر «مثل مراجعة الاستراتيجية في أفغانستان والتي ستستغرق وقتاً، والسياسة التي ستنتج من تلك المراجعة وتطبيقها سوف يستغرق وقتًا».

وسيكون بعض المديرين في مجلس الأمن القومي موجودين بصورة منتظمة «بقدر قوة القضايا، إذ لا يمكنك اختيار الحكومة بأسرها للتواجد في المجلس. لكن على الجميع أن يحاطوا علمًا بما يجري وأن يمنحوا الفرصة للقول «انتظر لحظة فلديّ ما أقوله».

* خدمة: «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»