خاتمي يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية.. ليشعل السباق أمام أحمدي نجاد

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: أخذ موافقة ضمنية من خامنئي.. وأمله معلق على نسبة مشاركة عالية

محمد خاتمي محاطا بالمصورين أثناء مؤتمر صحافي أمس أعلن فيه مشاركته في الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)
TT

فيما يتوقع أن تكون واحدة من أسخن الانتخابات في السنوات الأخيرة في إيران، أعلن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في 12 يونيو (حزيران) لينافس الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد الذي يسعى لولاية ثانية بالرغم من أنه لم يعلن ذلك رسمياً بنفسه. وقال خاتمي في مؤتمر صحافي أمس، كان مترقباً فيه إعلان ترشحه: «أعلن من هنا، وبعزم، ترشحي للانتخابات» الرئاسية، وذلك في ختام اجتماع لرابطة «علماء الدين المناضلين» التي تضم رجال دين معتدلين وإصلاحيين، ويعتبر خاتمي أحد أبرز قادتها.

وتابع خاتمي وسط تصفيق الحاضرين: «يجب أن نركز اهتمامنا على أن يكون لدينا انتخابات حرة وقانونية، وأن نضمن أيضاً معدلات تصويت عالية من قبل الشعب». وبذلك يصبح خاتمي ثاني شخصية بعد رئيس البرلمان السابق الإصلاحي مهدي كروبي، تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية رسمياً. وتولى خاتمي، 65 عاما،ً الرئاسة بين 1997 و2005.

وقال مسؤول إيراني من التيار الإصلاحي لـ«الشرق الأوسط»: إن خاتمي تشاور مع المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي في شأن ترشحه للرئاسة، موضحاً أن خاتمي أخذ موافقة ضمنية من خامنئي على المشاركة في السباق الرئاسي الذي يتوقع أن يشهد منافسة حامية، إذ فيما سيقف الشباب والنساء مع خاتمي، ستدعم المؤسسات العسكرية والمحافظون أحمدي نجاد. وقال المسؤول الإيراني، الذي لا يريد الكشف عن هويته: «نعرف أنها ستكون انتخابات متقاربة، فقد عزز أحمدي نجاد نفوذه وسط المؤسسات العسكرية وبنى شبكة قوية حوله. العامل الحاسم سيكون في نسبة المشاركة. فكلما خرجت أعداد كبيرة للتصويت في الانتخابات، زادت حظوظنا». يذكر أن نحو 70% من الشعب الإيراني تحت سن الثلاثين، وغالبية هؤلاء يفترض أن تكون أصواتهم لخاتمي، إلا أن سنوات حكم خاتمي الثماني والتي لم يستطع فيها أن يحقق الكثير من برنامجه، وصمته إزاء إغلاق عشرات الصحف الإصلاحية واغتيال معارضين إصلاحيين سبّب الكثير من الإحباط منه وسط أنصاره. وتقول جيزو ميشا أحمدي من قناة «برس تي في» في طهران إنه من الخطأ افتراض أن مجرد ترشح خاتمي «سيعيد الشارع الإصلاحي إلى تأييده بدون شروط»، موضحة في اتصال مع «الشرق الأوسط» من لندن: «هذه الانتخابات ستكون متقاربة جداً»، موضحة أنه فيما لا تزال لخاتمي شعبية بين الكثير من الإيرانيين، إلا أن أحمدي نجاد ما زالت لديه شعبية أيضاً. وتضيف جيزو: «تاريخياً مال الشعب الإيراني إلى أن يعطى رئيسه ولايتين كي ينفذ برنامجه.. ولهذا يعتقد الجميع أن هذه الانتخابات ستكون متقاربة جداً في نتيجتها». وإذا ما فاز خاتمي في الانتخابات الرئاسية وعاد للسلطة مجدداً، فإنه سيكون أول رئيس إيراني ينتخب لثلاث ولايات رئاسية، فيما سيكون أحمدي نجاد أول رئيس إيراني منذ الثورة يفشل في الفوز بولايتين رئاسيتين. وكان الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني، الذي يرأس حالياً مجلس الخبراء قد ترشح للرئاسة أمام أحمدي نجاد ومهدي كروبي عام 2005، إلا أنه خسر في الدورة الثانية من الانتخابات أمام أحمدي نجاد. ويقول جاري سيك، الذي عمل مستشاراً في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال ولاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، ويعمل الآن أستاذاً في جامعة كولومبيا الأميركية، لـ «الشرق الأوسط» إنه من المبكر معرفة كيف سيؤثر ترشح خاتمي واحتمال فوزه على الداخل الإيراني وعلى العلاقات مع أميركا، مشيراً إلى أن هناك أسماء مهمة بين التيار المحافظ قد تعلن ترشحها مثل عمدة طهران محمد قاليباف. وتابع سيك: «لا يمكن التنبؤ بشيء.. لم يتوقع أحد أن يفوز خاتمي عندما ترشح عام 1997، ولم يتوقع أحد أن يفوز أحمدي نجاد 2005.. هذه الانتخابات سيكون من الصعب جداً التنبؤ بنتيجتها». من ناحيته، أوضح المسؤول الإصلاحي الإيراني أن: «ترشح خاتمي للانتخابات لم يكن أمراً سهلا، وإقناعه أخذ وقتاً. فخاتمي فعلا لم يكن يريد خوض سباق الرئاسة مجدداً، فالكثير من الأمور تغيرت وأصبحت أصعب. غير أننا في النهاية وصلنا إلى النقطة التي بات فيها ترشيحه مسألة لا تتعلق به وحده، بل بكل التيار الإصلاحي. خاصة أن كثيرين وسط الإصلاحيين لم يحبذوا ترشيح أنفسهم ومن بينهم مير حسين موسوى»، أول رئيس وزراء بعد نجاح الثورة الإيرانية. ولا يعتقد أن خاتمي إذا ما عاد للسلطة فسيتصرف بالطريقة نفسها التي تصرف بها عندما كان في السلطة عام 1997، ويقول مقربون منه إنه سيكون أكثر صرامة في تنفيذ خططه. فبينما كان ميراث خاتمي خلال 8 سنوات في السلطة هو تعزيز الحريات الاجتماعية والثقافية، إلا أنه أخفق في الحفاظ على هذه الإنجازات خلال ولايته الثانية فتعرضت التنظيمات الطلابية للتضييق، كما تعرضت الصحف والمجلات الإصلاحية للإغلاق. وتقول جيزو إن على خاتمي أن يعمل على كسب أصوات الإيرانيين «كأنه لم يكن في هذا الموقع من قبل». وتشير الدلائل إلى أن هذه الانتخابات ستكون أصعب على خاتمي مما كانت عليه أول انتخابات خاضها عام 1997، والتي عندما خاضها استفاد من أنه لم يكن وجهاً معروفاً، كما استفاد من خطابه الإصلاحي المعتدل، أما اليوم فإن هناك الكثير من الشكوك حول ما إذا كان قادراً على تنفيذ ما أخفق فيه خلال 8 سنوات من حكمه.

ويأتي إعلان خاتمي الترشح ليضع علامات استفهام حول ما إذا كان هناك توجه من قبل المرشد الأعلى والمحيطين به للتخفيف من حدة توتر العلاقات بين إيران والغرب، بالسماح لرئيس إصلاحي ووجه معروف، مثل خاتمي، بالعودة لسدة الرئاسة من جديد، وذلك بعد تكرار مصادر أميركية القول إنه من الصعب رؤية لقاء بين رئيس أميركي ومحمود أحمدي نجاد في ضوء كل ما قاله حول إزالة إسرائيل من على الخريطة. وعرض الرئيس الأميركي باراك أوباما سياسة أميركية جديدة للتعامل مع إيران، قائلا إنه سيمد يد السلام إذا «أرخت طهران قبضتها». ويقول بعض المحللين إن واشنطن ربما تنتظر حتى تظهر نتائج الانتخابات الرئاسية قبل أن تعلن تفاصيل أي عرض، وفي هذه الحالة فإن انتخاب خاتمي قد يساعد، خصوصاً بعد الشروط التي وضعها أحمدي نجاد للحوار مع أميركا ومن بينها اعتذار واشنطن عن كل «جرائمها بحق إيران». كما يأتي إعلان خاتمي الترشح بينما يواجه أحمدي نجاد انتقادات متزايدة بشأن إدارته للاقتصاد وتصاعد التضخم الذي وصل معدله إلى 30 في المائة في العام الماضي. ولم يعلن أحمدي نجاد حتى الساعة ما إذا كان سيترشح لولاية رئاسية ثانية أم لا، غير أن أحد مستشاريه المقربين أكد أن الرئيس الحالي هو «بشكل بديهي مرشح للرئاسة». ووسط التيار المحافظ، وحده أعلن وزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي، الذي أقاله أحمدي نجاد العام الفائت، في يناير (كانون الثاني) استعداده للترشح للرئاسة في حال اختاره المحافظون لهذا المنصب.

ومن المفترض أن يصادق مجلس صيانة الدستور على الترشيحات النهائية، ولكن وزارة الداخلية لم تحدد حتى الساعة الموعد النهائي لبت المجلس بهذه الترشيحات. وكان رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الجنرال حسن فيروز أبادي أعلن دعمه لإعادة انتخاب نجاد، في خطوة قلما يقدم عليها علانية مسؤول عسكري كبير.

وخلال المؤتمر الصحافي أمس تطرق محمد علي أبطحي، أحد مستشاري خاتمي، إلى الشائعات التي ترددت عن حدوث مخالفات في انتخابات 2005، مؤكداً أنه «إذا كانت نسبة المشاركة مرتفعة فسنتمكن بسهولة من الفوز فيها». وكان كروبي شكك علانية في 2005 بنتائج الانتخابات التي حرمته من التأهل إلى الدورة الثانية. كما صبت المشاركة الضعيفة للناخبين الإصلاحيين في صالح أحمدي نجاد. وفي المؤتمر الصحافي أكد وزير الداخلية السابق الإصلاحي عبد الواحد موسوي لاري أنه «بحسب الاستطلاعات» فإن خاتمي لديه «الحظ الأوفر» للفوز، فيما قال خاتمي «آمل أن أتمكن من أخذ الإجراءات الكفيلة بحل مشاكل الناس وتحسين وضعهم في العالم».

وفي حال فوز خاتمي سيكون عليه التعايش مع برلمان يهيمن عليه المحافظون ومع المرشد الأعلى للثورة المعروف بعلاقته المتوترة مع الإصلاحيين.

وكان لافتا أن وكالة «ارنا» الرسمية للأنباء أعطت مساحة صغيرة لخبر ترشح خاتمي للرئاسة، إذ ذكرت في سطرين أن الرئيس السابق قرر الترشح للرئاسة في اجتماع لمنظمة رجال الدين المناضلين، من دون أن تذكر أي تفاصيل أخرى. يذكر أن المدير الحالي لوكالة «ارنا» من المقربين من أحمدي نجاد.