الآلات والإنسان في اليابان.. تواصل يومي يدهش الزوار

آلات القهوة تتحدث إلى مستعمليها.. والمراحيض تضم لوحة تحكم تشبه تلك الموجودة في قمرة الطائرات الحربية

TT

ليس من الغريب أن يفاجأ ياباني بصوت أنثوي يهمس إليه مرحّبا به في رقة، قائلا له على سبيل المثال: «مرحباً، ما رأيك في تناول شراب دافئ اليوم».

وجاء في تقرير لوكالة الانباء الالمانية, ان هذا الصوت الرقيق، أثار دهشة أحد الغربيين الذي يستغرب تحدث جهاز إليه. وقد صدر الصوت الرقيق بعد أن ضغط هذا الغربي على زر خاص بالقهوة الطازجة التي تكاد تغلي في جهاز المشروبات الآلي من بين نحو عشرة مشروبات أخرى. ومن القهوة ما هو بسكر زيادة أو سكر مضبوط أو بالحليب أو ما هو سادة وقاتم اللون. ويبادر الجهاز بتوجيه الشكر بصوت امرأة بمجرد أن يلقي الغربي النقود المطلوبة في الجهاز قائلا له بأدب ياباني جم: «شكراً جزيلا، طاب يومكم».

أهلا بكم إذن في بلد التقنية شديدة التقدم حيث يضطر الناس للعيش في أضيق المساحات محاطين بتنوع فريد في الاختراعات الكبيرة والصغيرة التي تسهل عليهم حياتهم اليومية بشكل لا يكاد يتكرر في أي بلد آخر من العالم، فاليابان لا تطور فقط الأجهزة ذاتية العمل (الإنسان الآلي) التي تقف مستقبلا إلى جانب الإنسان وتساعد في رعاية المسنين وفي إخلاء المساكن، ولكن الكثير من الاختراعات في اليابان أكثر بساطة من ذلك وعملية في الوقت نفسه.

ويبدأ التعامل مع مثل هذه الاختراعات منذ الاستيقاظ من النوم والذهاب للحمام في الساعات الأولى من اليوم حيث مقعد المرحاض المدفأ كهربائياً لتخفيف وطأة الشتاء القارس، وكذلك مياه الشطف التي تتم تدفئتها ذاتياً. هذا بالنسبة للمراحيض الـ«عادية»، أما المراحيض المتطورة في اليابان فتشبه لوحة التحكم التي تواجه مستخدم المرحاض لوحة التحكم الموجودة في قمرة الطائرات الحربية. وعن ذلك تقول سيدة تعمل في معرض إحدى شركات تصنيع دورات المياه: «دورة المياه هي المكان الوحيد في اليابان الذي يختلي فيه المرء بنفسه حيث يريد الكثيرون الاسترخاء».

وبمجرد دخول المستخدم الحمام واقترابه من المرحاض، يرتفع غطاؤه وكأنه يرحب بضيفه الجديد ثم يتردد صوت زقزقة العصافير الرقيق من داخل صحن صغير في المرحاض يصاحبه عطر «الوردة البرية» الجذاب، وهناك في بعض المراحيض صوت موسيقي عذب ينطلق من حوض الشطف بالمرحاض.

ولا ينضب معين الأفكار الجديدة لدى الشركات اليابانية، ومن هذه الأفكار ما يجعل ظروف السكن التي غالباً ما تكون غير مريحة في الأصل أمراً محبباً وموضع ترحيب بقدر الإمكان. وحيث إن المساكن اليابانية صغيرة وليس بها قبو في العادة، فلابد من استغلال كل زاوية بالمسكن مما جعل أصحاب الإبداع يستحدثون على سبيل المثال غرف تدفئة من أكياس مطاطية يتم ملؤها بالهواء لتصبح غرفاً في أحد فراغات المسكن واستخدام هذه الـ«غرف» في التدفئة لتجفيف الغسيل ويستخدمون الأكياس البلاستيكية في الاحتفاظ بأغطية الشتاء خلال فصل الصيف وذلك لتوفير المكان. كما يستخدم مصممو المنازل في اليابان نفس الخراطيم المخصصة لتوصيل الماء الساخن إلى حوض الاستحمام في تزويد الغسالات بالماء البارد. ويحرص أصحاب المنتجات المتعلقة بتسهيل الحياة اليومية على الناس في اليابان على جعل حياة مواطنيهم أسهل خارج منازلهم أيضاً، فمن البديهي مثلاً أن يحصل الياباني على ما يريده من بضائع في المحلات الصغيرة التي تكاد تكون موجودة على رأس كل شارع وعلى مدى 24 ساعة. وتقدم هذه المحلات كل ما يمكن أن تهفو إليه النفس البشرية بدءًا من أمواس الحلاقة والأغذية ومروراً بالجوارب وانتهاء بالوجبات الجاهزة التي يمكن تسخينها في جهاز الميكروويف وتناولها مباشرة وغيرها مما يخطر أو لا يخطر على بال أحد.

وبداخل هذه المحلات، آلات الصرف الآلي وآلات لشراء بطاقات زيارة الحفلات الموسيقية وآلات لشحن الهاتف بالرصيد. وبمناسبة الحديث عن الهاتف، فإن الهواتف في اليابان لم تخصص للاتصال وإرسال الرسائل القصيرة فقط، بل لحجز الرحلات وقراءة المجلات الكوميدية والروايات ومشاهدة التلفاز ولدفع ثمن المشروبات التي يتم شراؤها من الآلات ذاتية العمل، وكذلك دفع ثمن تذاكر الحافلات والقطار، بل والتاكسي أيضاً.

إلى جانب كل ذلك، فإن رسائل سمعية ترافق سكان جزر اليابان أينما حلوا أو راحوا وكأن هناك من يحاول إراحتهم من عبء التفكير. من هذه الرسائل ما دأب متحدث عبر مكبر صوتي في ساحة إحدى محطات القطار: «احرص من فضلك على عدم نسيان أي متعلقات في مكان جلوسكم، اصطف خلف جارك في المقعد السابق لك عند مغادرة عربة القطار». وليس من الغريب أن يسمع أحد المارة صوتاً من شاحنة أمامه يقول صاحبه: «انتبه سأنعطف يساراً الآن».