بعد إعلان نتائج الانتخابات.. قبولها هو التحدي الأكبر

مرشح فائز في الأنبار يحتمي بالمنطقة الخضراء في بغداد

شيوخ عشائر متحالفون مع قائمة صالح المطلك يبحثون استراتيجية للتعامل مع نتائج انتخابات مجالس المحافظات («نيويورك تايمز»)
TT

شهد العراق رفع حظر التجول الذي تم فرضه قبل عقد الانتخابات وانحسار التهديدات بارتكاب أعمال عنف في أعقاب تدخل مندوبين من الجيش العراقي والحكومة المركزية وقوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز). والآن، عاد الضجيج إلى الشوارع المتهدمة داخل هذه العاصمة الإقليمية التي شكلت ذات يوم معقلاً لحركة التمرد السني. ورغم ذلك، ما زال فارس طه، أحد الفائزين في الانتخابات، طبقاً للنتائج الأولية، يشعر بخوف بالغ من العودة إلى المنطقة التي من المفترض أن يمثلها قريباً. ويقول فارس، الذي انتقل من مدينته الأصلية الواقعة شرق الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، إلى الإقامة بفندق داخل المنطقة الخضراء في بغداد: «لا يمكنني العودة. أشعر بالخوف».

وقد مضت البلاد في انتقالها من التمرد إلى ممارسة الحياة السياسية إلى الحكم ـ وهي مرحلة ذات أهمية جوهرية لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد ست سنوات من الحربـ بخطى واثقة وثابتة. أما الأمر الذي لم تشهده الأنبار بعد فهو التداول السلمي للسلطة، الذي يعد أساس أي نظام ديمقراطي. من ناحيتهم، يخشى المسؤولون العراقيون والأميركيون من أن ينطوي إقرار الحكومات المحلية الجديدة على قدر أكبر من المخاطر عن الانتخابات ذاتها. من البصرة بالجنوب وحتى الموصل في الشمال، تعرض أربعة مرشحين على الأقل لمحاولات اغتيال منذ يوم الانتخاب، بينما اختفى آخر وهو في طريقه لعمله بالقرب من مدينة كربلاء. وأسفرت نتائج الانتخابات في الأنبار، التي لم تفز فيها أي كتلة بأكثر من 17.6% من الأصوات، عن تبادل الاتهامات بالتهديد والتعدي والتزوير. وانهال على مفوضية الانتخابات طوفان من الشكاوى قد يستغرق النظر فيها ما لا يقل عن شهر.

علاوة على ذلك، تكشف الجهود الجارية، خلف الكواليس لتشكيل ائتلاف حاكم، النقاب عن عداوات قبلية وخصومات شخصية. جدير بالذكر أن معظم المسؤولين الحاليين رحلوا عن المنطقة التي يحكمونها منذ عام 2005. في هذا الصدد، أعرب الشيخ علي حاتم، الذي أيد قائمة العشائر العربية, التي تشكك في صحة نتائج الانتخابات التي حصلت بمقتضاها على 4.5% من الأصوات: «بالنسبة للحياة السياسية، فإننا نتحرك كأننا ولدنا بالأمس». وحملت نتائج الانتخابات في الأنبار، وهي محافظة تنتمي غالبية سكانها إلى السنة وتقع إلى الغرب من بغداد، أهمية كبرى بالنسبة للتطور السياسي للعراق، نظراً لأنها كانت في وقت من الأوقات أخطر محافظات العراق وعصفت بها حركة تمرد وأعمال إرهابية دموية، حتى انضم زعماء القبائل إلى صف الأميركيين وتحولوا ضد تنظيم القاعدة والمتطرفين الآخرين في نهاية عام 2006. ونجح هؤلاء الزعماء في إعادة الهدوء إلى المحافظة، ووضعوا خططا لتعزيز مكاسبهم عبر صناديق الاقتراع. أما الأمر الذي شكل مفاجأة بكل المقاييس بالنسبة للمسؤولين العراقيين فهو سرعة تحول بعض زعماء القبائل في أعقاب إجراء الانتخابات إلى لغة الحرب عندما جاءت النتائج مخيبة لآمالهم. وحتى قبل إعلان النتائج، هدد قائد القوة التي تعرف حالياً باسم الصحوة، الشيخ أحمد أبو ريشة، بتحويل أنصاره إلى «جناح مسلح» للإطاحة بالحكومة الإقليمية. وبالمثل، هدد زعيم قائمة العشائر العربية، الشيخ حميد الهايس، بإضرام النيران في شوارع الرمادي وتحويل المحافظة إلى مقبرة كبيرة. ونشأت موجة الغضب تلك من الادعاءات الأولية التي أعلنها الحزب الحاكم، الحزب الإسلامي العراقي، باكتساحه نتائج الانتخابات في الأنبار، مثلما فعل عام 2005 عندما قاطع معظم السنة الانتخابات. وواجه الحزب الإسلامي اتهامات بتزوير الانتخابات والمبالغة في نتائج بعض اللجان الانتخابية. من جانبهم، نفت قيادات الحزب ارتكاب أي عمليات تزوير، رغم أن أحد مراقبي الانتخابات من الأجانب قال إن هذه الشكاوى تحمل بعض الشرعية. أما مفوضية الانتخابات فقد رفضت بعض عمليات الاقتراع قبل إعلانها النتائج الأولية في بغداد الخميس الماضي، حسبما أشار مسؤولو الحزب. وقال الشيخ عيفان العيساوي، الذي خاض الانتخابات كعضو في قائمة الصحوة داخل الفلوجة، وهي مدينة كبرى أخرى داخل المحافظة: «الحزب الإسلامي لا يستحق ولا حتى 1% من الأصوات في الأنبار. إن أيديهم ملطخة بالدماء، ونهبوا ثروات المحافظة». وسرعان ما بعث رئيس الوزراء نوري المالكي بأحد نائبيه ، رافع العيساوي، وهو سني من أبناء المحافظة، لنزع فتيل الأزمة. من جهته، تعهد الفريق علي غيدان ماجد، قائد الجيش العراقي في المنطقة، بقمع أي أعمال عنف. ويبدو أن المبعوثين نجحوا في التوصل إلى هدنة، لكن لم يتم حتى الآن تسوية الموقف على نحو نهائي. في الرمادي، يعمد الآن زعيم الصحوة، الشيخ أحمد، إلى التخفيف من حدة تعليقاته. وفي إطار حديث أدلى به من داخل منزل استقبال الضيوف الخاص به الكائن بالقرب من نهر الفرات، بينما أحاط به حراس وجنود وضباط شرطة وعدد من الأقارب والأصدقاء وزائرين آخرين، تحدث الشيخ بثقة حول تشكيل ائتلاف حاكم يستثني الحزب الإسلامي. وعلى الجدران، كانت هناك صورة له مع الرئيس بوش داخل البيت الأبيض ومع الرئيس الحالي باراك أوباما خلال زيارته للمنطقة كمرشح للرئاسة العام الماضي، في إشارة إلى الرعاية الأميركية التي تتمتع بها قوات الصحوة. وأثناء حديثه، وصل أخوه مرتدياً حول خاصرته مسدسا مطليا بالذهب. ومع أن الشيخ أحمد لم يتراجع عن تهديداته السابقة باللجوء إلى العنف، فإنه تعهد بأن تبقى المنافسة التي يخوضها داخل الإطار السياسي. وتحدث عن الشكاوى الرسمية التي تقدمت بها قائمته، قائلاً: «إننا مسلحون بالأوراق والأدلة، والورق هو السلاح الأقوى. وهذا هو السلاح الذي لا نزال نستخدمه». يذكر أنه من المفترض إقرار مجلس محلي جديد بحلول أبريل (نيسان). وسوف يتمتع زعماؤه ليس فقط بسلطة سياسية، وإنما أيضاً بالسيطرة على الموارد المالية داخل الإقليم، التي يعتقد الكثيرون أنها الحافز الرئيس وراء التشاحنات التي شهدتها فترة ما قبل إجراء الانتخابات. من جهته، قال صالح المطلك، عضو البرلمان الوطني، الذي فاز الائتلاف الذي ينتمي إليه بأعلى نسبة من الأصوات في الأنبار، بلغت 17.6%: «لقد تمكنا حتى الآن من كبح جماح الأفراد، لكن من الممكن حدوث أي شيء». يذكر أن هذا الائتلاف، الذي يضم زعماء قبليين وقيادات علمانية معروفة بتعاطفها تجاه حزب البعث الحاكم السابق، حالياً في موقف يؤهله من الاضطلاع بدور كبير في التوسط للتوصل إلى اتفاق لقيادة المجلس المحلي وانتخاب محافظ جديد. المعروف أن طه، المرشح الفائز من محافظة الأنبار، الذي كان من كبار المرشحين داخل قائمة المطلك، عمل كمستشار لشؤون الرياضة والشباب لمحافظ الأنبار. كما أنه يدعي عمله كمساعد لعدي، نجل صدام حسين، خلال التسعينات. «وتشير مسألة ارتباط المحافظ بالحزب الإسلامي العراقي إلى حجم التشابك الذي باتت تتسم به الحياة السياسية داخل الأنبار وغيرها من المناطق» وقال طه إن أنصاره تعرضوا للتهديد والضرب من جانب ضباط شرطة موالين للحزب الإسلامي قبل وبعد الانتخابات. وحذر طه، 37 عاماً، من أن «الأفراد سيتعرضون للقتل». على الجانب الآخر، وصف خالد العلواني، المسؤول البارز في الحزب الإسلامي العراقي، هذه الاتهامات بأنها تأتي في إطار حملة لتشويه صورة الحزب. وأصر على أن قائمة الحزب داخل الأنبار فازت بحوالي 40% من الأصوات، وليس نسبة الـ15.9% التي أُعلنت. وقد أصدر الحزب بياناً يوم الأحد اتهم فيه الشيخ أحمد والمطلك بممارسة «التخويف والابتزاز» من أجل إعلان النتائج النهائية في صالحهم. وتعهد الحزب بـ«استعادة حقه». ودعا أحد الأنصارالآخرين للحزب لاتخاذ إجراءات أكثر قوة، حيث طالب الشيخ حكيم السعد، زعيم واحدة من أقوى القبائل في الأنبار، لفصل رئيس الشرطة وقائد الجيش وإعلان حالة الطوارئ، متهماً حزب الصحوة بغرس بذور الشقاق والتحريض على العنف. وقال: «أحمد أبو ريشة لا يعد كونه قاطع طريق ولص». لكن التشاحنات التي شهدتها فترة ما بعد الانتخابات لم تؤثر كثيراً على المقيمين في الأنبار، لكنها أججت مشاعر الصدمة واللامبالاة بينهم. على سبيل المثال، رفض أحمد عواد الذي يملك محال بقالة في الفلوجة المشاركة في الاقتراع بدلاً من الاختيار بين الأحزاب المتشاحنة. وقال: «لقد تردت معنوياتنا». أما رئيس شرطة الأنبار، اللواء طارق يوسف، فقد شن هجوماً علنياً ضد الحزب الإسلامي الحاكم بسبب أسلوب إدارته للحكم، مشيراً إلى تسييس الحزب للقوات الأمنية. وتحدث يوسف عن نقص الوظائف وندرة جهود إعادة البناء وانهيار الخدمات داخل المدينة، أي بوجه عام الفشل في تحويل هزيمة حركة التمرد لحياة أفضل داخل الأنبار. ومع ذلك، شدد على أنه لن يسمح باستخدام العنف في تسوية الخلافات السياسية. وأكد أن: «زمن الانقلابات العسكرية ولى"».

* خدمة «نيويورك تايمز»