العدل والمساواة الأقوى عسكريا.. وفصيل نور يعتمد على النازحين.. ومناوي يفقد أغلب مواقعه

الانشقاقات تحيل «الوحدة» إلى مجموعات صغيرة.. وبعضها تحول إلى مجموعات نهب مسلح * مباحثات الدوحة تفشي حالة من التوتر بين فصائل دارفور

مستشار الرئيس السوداني نافع علي نافع (وسط) مع أعضاء وفده أثناء اجتماع مع ممثلين لحركة العدل والمساواة في العاصمة القطرية الدوحة أمس (أ.ف.ب)
TT

أفشت مباحثات العاصمة القطرية بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة من أجل نسج تهدئة بين الطرفين تفضي إلى مفاوضات مارثونية لتحقيق السلام في الإقليم، حالةً من التوتر على مستوى الميدان بين بعض الحركات المسلحة والبعض الآخر من جهة، وبينها وبين الحكومة من الجهة الأخرى، على خلفية رفض جملة من الحركات خطوة الدوحة باعتبار أنها تجاهلتهم في الفترة الماضية.

وتوقع خبراء في شؤون الحركات المسلحة في الخرطوم تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن تحدث مواجهات بين الحركات المسلحة على وجه الخصوص، في محاولة من كل طرف للسيطرة على مواقع على الأرض، على شاكلة المعارك التي اندلعت بين الأطراف بعد اتفاق أبوجا بين حركة تحرير السودان فصيل مناوي، والحكومة السودانية، فيما قلل خبراء آخرون من ذلك باعتبار أن المناخ العام في دارفور صار يتوجه نحو السلام، فضلا عن ما وصفوه بحالة الضعف التي تعاني منها الحركات المسلحة، من حيث القوى العسكرية والتنظيم السياسي.

ومع ذلك، قالت حركة تحرير السودان الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة، بزعامة مني أركو مناوي كبير مساعدي الرئيس السوداني، إنها دخلت أمس في معارك مع الحكومة في منطقة ودعة شرق مدينة الفاشر كبرى مدن دارفور، بعد أن تعرضت قواتها في المنطقة لهجوم أول من أمس، وذكرت، على لسان أمينها العام علي دوسة، أنها استعادت المدينة التي توجد فيها، وتعتبرها أحد مواقعها في دارفور. وأضاف أن المعارك أسفرت عن قتلى وجرحى بين الطرفين. وقال دوسة، الذي ترفض حركته حوار الدوحة وتصفه بأنه صفقة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة، لـ«الشرق الأوسط» إن الأوضاع ما بعد أبوجا تشير إلى إمكانية تجدد القتال بين الأطراف في دارفور.

غير أن تقارير أخرى في الخرطوم ذكرت أن المعارك التي تجري في ودعة ليست بين الحكومة وحركة تحرير السودان، ولكنها بين الحركة وسكان المنطقة من قبيلتي الميما والبرتي، وقال زعيم قبيل من ودعة إن ما حدث بين الحركة وسكان المنطقة حدث «لأسباب قديمة». وكشفت مصادر من ودعة أن المعارك أسفرت عن مقتل قائد قوات حركة تحرير السودان بزعامة مناوي في ودعة.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تداعيات الدوحة رفعت من وتيرة الأوضاع حول منطقة جبل مرة، التي تتحصن فيها قوات حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، الرافضة لمباحثات الدوحة، ومجموعات صغيرة من فصائل دارفور غير الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة. وأضافت المصادر أن قوات تلك الحركات باتت تتحرش بقوات لحركة العدل والمساواة في منطقة دربات شرق جبل مرة.

ودخلت الحركات، في هذا السياق، في ما يشبه المباراة في إبراز قوتها العسكرية في الميدان، وتسعى كل منها لإثبات وجودها وتعزيز المواقع التي تسيطر عليها، فيما لا يستطيع أي من الخبراء تقديم رقم محدد لعدد الحركات المسلحة في الإقليم، فهناك من يعتقد أن عددها 17 فصيلا مسلحا، وآخرون يقولون إن عددها فاق الـ25 فصيلا، ويسخر خبراء من حالة التشطير التي أصابت الحركات المسلحة بعد توقيع اتفاق أبوجا بين حركة مناوي والحكومة في 5 مايو (أيار) عام 2006، ويقولون في هذا الخصوص إن «كل مجموعة لا تقل عن 10 أشخاص تحصنت في مكان ما في الأدغال وأعلن بأنه فصيل مسلح».

ويقر عادل محجوب حسين أحد القيادات المنسوبة إلى حركة تحرير السودان بزعامة مناوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن حركة العدل والمساواة تعتبر الحركة الأكثر قوة الآن في دارفور من حيث الوجود العسكري، ولكن خبراء آخرين يقولون إن العدل والمساواة تملك قوة عسكرية مسلحة كبيرة، ولكن ليس لها أي وجود على الأرض إلا على الشريط الحدودي مع تشاد، وفي حال ظهر لها وجود في الداخل فإن ذلك بمثابة تسلل لقواتها من الشريط الحدودي أو من داخل تشاد إلى السودان، على شاكلة تسللها إلى مدينة أم درمان في هجومها عليها في مايو (أيار) الماضي، حيث تحركت من منطقة أم جرس التشادية الحدودية مع السودان، كما أن الهجوم الذي نفذته في يناير (كانون الثاني) الماضي على مهاجرية، ضد قوات مناوي المرابطة هناك، وصلت من أم جرس ذاتها.

ويقول الخبراء العسكريون في الخرطوم إن حركة العدل والمساواة تمتلك مئات السيارات، وكميات من الأسلحة الخفيفة سهلة الحمل، مثل تلك التي ضُبطت منها في معارك أم درمان في مايو (أيار) الماضي. وقدروا أنها تمتلك الآن بين 200 و300 سيارة من طراز الدفع الرباعي، ويقدرون عدد قواتها بنحو «ألفين إلى ثلاثة آلاف» جندي، بحساب 10 جنود في كل سيارة متحركة تتبع للحركة.

وتقول المصادر المطلعة على أوضاع الحركات على الأرض، إن حركة تحرير السودان بزعامة مناوي فقدت أغلب المناطق التي تسيطر عليها في الإقليم، حيث أصبحت لا وجود لها في جنوب دارفور بعد هزيمتها من قبل «العدل والمساواة» في مهاجرية، ودخول الجيش إليها فيما بعد، فضلا عن إخراجها من قبل الجيش من منطقة قريضة، ويقولون: «لم يبقَ لمناوي سوى مناطق: دار السلام شرق مدينة الفاشر وودعة التي تدور فيها المعارك الآن»، وذكروا أن الحركة لها وجود في مواقع صغيرة في شمال دارفور. وكانت حركة مناوي - حسب الخبراء - تسيطر على نحو 90% من المناطق التي تطلق عليها الحركات المسلحة المناطق المحررة، وطبقا لخصوم مناوي فإن النسبة الآن لا تذكر، وعدد المواقع لا يتعدى الأربعة في شمال دارفور فقط.

وحسب الخبراء، فإن حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، لم تنشط عسكريا طوال الأعوام الماضية، ووجودها العسكري يتركز في منطقة غرب جبل مرة، حيث يتحصن أحد قادة الحركة وهو محمد آدم طرادة، بقوة قوامها نحو 30 سيارة مقابل 10 جنود مع كل سيارة، ويشيرون إلى أنه لم يرصد لهم تحركات عسكرية على طريقة المتحركات، ويقول قادتها إنهم على التزام بإعلان وقف إطلاق النار مع الحكومة منذ مفاوضات أبوجا في نيجيريا عام 2006. وتضيف المصادر أن قوة حركة «نور» ربما سياسية تتعلق بالتأييد الذي يجده من سكان مخيمات النازحين واللاجئين، في دارفور وفي تشاد.

ويرى خبراء عسكريون أن حركة تحرير السودان المسماة «الوحدة»، التي ظهرت بعد اتفاق أبوجا، ونشطت عسكريا في شمال دارفور آنذاك، تعرضت في السنوات القليلة الماضية إلى جملة من الانشقاقات حولتها إلى مجموعات صغيرة مسلحة تتحصن في مواقع مختلفة، ومن بينها مجموعات: كاودا في شرق الجبل، وكاربينو في شرق الجبل، وعلي مختار في مناطق بير مزة بشمال دارفور، ومجموعة سليمان مرجان في أقصى شمال دارفور، ومجموعات في مناطق أم ري وونكا وهشابة.

ويشير الخبراء إلى أن هناك نحو 6 فصائل تحمل اسم حركة تحرير جرى توحيدها في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، تحت رعاية الحركة الشعبية لتحرير السودان، لم يعد لها وجود في الميدان، إلا «على ظهور سيارات قليلة تحملهم من مكان إلى آخر في شكل متحركات»، ولكنهم يقولون إن فصيلا من بين هذه الفصائل يقوده أحمد عبد الشافي يتحصن منذ مدة في مناطق في شرق جبل مرة. ولا يتردد الخبراء في وصف بعض الحركات بأنها تحولت إلى مجموعات نهب مسلح، وممارسة عمليات قطع الطرق، ويشيرون في هذا الخصوص إلى عملية اختطاف السياح الأجانب في الصحراء جنوب مصر العام الماضي.

وقلل عبد الله آدم خاطر الخبير في شؤون دارفور، من احتمالات اندلاع الحرب مجددا في دارفور بصورة تشبه ما حدث بعد اتفاق أبوجا بين بعض الحركات المسلحة والبعض الآخر، وبين الحركات والحكومة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المناخ الذي يسود في دارفور الآن لا يمضي في اتجاه التصعيد الشامل كما حدث في الأوقات السابقة، وأضاف: «الاستعداد للسلام يبدو الأكثر وضوحا على الساحة في دارفور، وأعتبر أن ما حدث الآن في الدوحة بين الحكومة وحركة (العدل والمساواة) يقدم تهدئة تساعد في مواصلة عملية السلام الشامل في دارفور».