لاهاي تنفي إصدار أمر بتوقيف البشير.. والخرطوم تعتبرها «شائعات» لعرقلة مفاوضات الدوحة

أبو الغيط وسليمان إلى الخرطوم.. مصادر: «لا حساسيات لدى القاهرة من مفاوضات الدوحة بشأن دارفور»

ممثل حركة العدل والمساواة السودانية جبريل إبراهيم (يمين) مع طاهر الفكي على هامش اجتماع سلام دارفور في العاصمة القطرية الدوحة أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد قليل من تأكيد دبلوماسيين ومسؤولين في الأمم المتحدة، وتقارير إعلامية في واشنطن، بأن قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قرروا توجيه اتهام للرئيس السوداني عمر حسن البشير بشأن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في إقليم دارفور، وأنهم أصدروا بالفعل أمر اعتقال ضده، دون تحديد موعد إعلانه، نفت المحكمة نفسها، هذه التقارير، وقالت في بيان إن القضاة لم يقرروا بعد ما إذا كانوا سيوجهون اتهاما للرئيس السوداني، ولم يصدروا أمر اعتقال. واعتبر السودان من جانبه هذه المعلومات بمثابة «شائعات» تهدف إلى «عرقلة» مفاوضات السلام الجارية في الدوحة بشأن دارفور. وكشفت مصادر مطلعة في القاهرة أمس أن وزيرا المخابرات والخارجية المصريين، عمر سليمان وأحمد أبو الغيط، سيصلان إلى العاصمة السودانية الخرطوم يوم غد لمناقشة تطورات الموضوع. وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» على موقعها الإلكتروني أن قضاة المحكمة الجنائية الدولية «قرروا إصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس البشير». وقال مسؤولون بالأمم المتحدة في نيويورك إن المحكمة الجنائية لم تخطر مكتب الأمين العام بان كي مون بقرارها بالرغم من أنهم يتوقعون تلقى إخطار قبل نهاية الشهر الحالي.

وقالت لورانس بليرون المتحدثة باسم المحكمة «القضاة يتداولون في القرار وحينما يكون هناك شيء لنعلن عنه فسنعلن عنه بالطرق المعتادة». ومن المتوقع أن يصدر قضاة المحكمة التي مقرها لاهاي قرارهم في الشهر الحالي. وفي يوليو (تموز) الماضي طلب رئيس الادعاء لويس مورينو أوكامبو من القضاة توجيه اتهام للبشير بتدبير ما وصفه بأنه أعمال إبادة جماعية في منطقة دارفور في غرب البلاد. وسودانيا، قال مساعد وزير الدولة للشؤون الخارجية مطرف صديق إن «هذه الشائعات تهدف إلى عرقلة مفاوضات الدوحة، لذا فإننا لا نتعامل معها بجدية». وقال صديق «من الواضح بالنسبة إلينا أن السودان لا يعترف بالمحكمة الجنائية الدولية. لا نأبه بما تصدره المحكمة الجنائية الدولية، هذا الأمر لا يعنينا». وأكد أن وراء هذه المحكمة «دوافع سياسية» لإضعاف السودان.

ويحاول دبلوماسيون من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، بالإضافة إلى الصين وروسيا، معا، حشد الدعم لتأجيل قرار المحكمة لمدة عام، وهو الأمر الذي يقع في نطاق سلطة مجلس الأمن الدولي. وقالت غيانغ يو المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، في مؤتمر صحافي روتيني «موقفنا الراسخ هو أننا نتمنى أن تساعد قرارات المحكمة الجنائية الدولية في استقرار السودان والحل الملائم لمشكلة دارفور». ولم تبد إشارات رد فعل على تقارير مذكرة الاعتقال في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم أمس، ولم تنشر الصحف المحلية شيئا عن الأمر. وقال مساعد الرئيس السوداني ورئيس وفد الحكومة السودانية لمفاوضات سلام دارفور في الدوحة، الدكتور نافع على نافع، أمس، إن صدور أي قرار لمحكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس عمر البشير«لا يعني السودان في شيء»، واستبعد تأثير أي قرار في مجريات الأحداث في البلاد، وقال في تصريحات صحافية «نعتقد أن ما يسمى بمحكمة الجنايات الدولية ليس لتحقيق العدالة بل آلية سياسية أوروبية أميركية لإعادة الاستعمار إلى أفريقيا». وحول إمكانية طرد قوات «يوناميد» من دارفور على خلفية صدور أي قرار ضد البشير، أكد نافع بـ«أن كل شيء يقدر بقدره»، وقال: إن أي موقف ومن أي دولة كانت أو مؤسسة أو فرد، سيقدر بقدر تدخله في شؤون السودان الداخلية ، وأضاف «أن من يسعى لفرض هيمنة أو استغلال وجوده، دولة كان أم فردا أم مؤسسة، لن يجد من السودان إلا المعاملة بالمثل والطرد من البلاد، أما إذا ظل قرار محكمة الجنايات الدولية مجرد قرار ولزم الآخرون حدودهم وتعاونوا مع السودان كما ينبغي فسيبقي الأمر كما كان عليه».

وحذر نافع «كل من يتجاوز حدوده للنيل من السودان»، وقال إن السودان لا يخشى إلا الله، وان أي استهداف له لن يزيد أهل السودان إلا قوة وتماسكا، وقال إن الوحدة الوطنية أكثر قوة الآن، وان الجبهة الداخلية متماسكة، والسودانيون كافة يقفون صفا واحدا لحماية البلد ليخرج أكثر عزة ومنعة. وأضاف نافع أنه لا غرابة في صدور قرار من محكمة الجنايات الدولية في وقت حرج تسعى فيه الخرطوم لتحقيق السلام في دارفور. وقال إن أي قرار بملاحقة البشير يستهدف عرقلة مساعي تحقيق السلام في دارفور، وركز على أن الدول الغربية لا ترجو للسودان أن يستقر. وفي تصريحات صحافية في الدوحة، قال الدكتور خليل إبراهيم، زعيم حركة العدل والمساواة، إنه يرحب بأي قرار من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس البشير. وقال «أهنئ أهلنا في دارفور والسودان في هذا الإطار». وردا على سؤال حول رسالته للبشير قال إبراهيم «أدعو الرئيس البشير إلى تسليم نفسه طوعا للمحكمة، وإلا ستقوم حركة العدل والمساواة وغيرها من الحركات بالقبض عليه وتسليمه للمحكمة».

وفي هذه الأثناء، بعثت السفارة الأميركية بالخرطوم، رسائل عبر الهواتف الجوالة لاختبار نظام الاتصال بالرعايا الأميركيين عند حدوث طارئ، وربط الرعايا الأميركيون الذين وصلتهم الرسائل الخطوة بالتعزيزات الأمنية الحسبية، التي ظلت تتبعها السفارة في الخرطوم، مع توقعات صدور أي قرار قي حق الرئيس عمر البشير. وطلبت الرسائل من كل من تلقاها، الاتصال بموقع السفارة الأميركية على الانترنت، للحصول علي مزيد من المعلومات، تشمل المعلومات موقع السفارة الأميركية. ويطالب الموقع الرعايا الأميركيين في السودان بتسجيل أسمائهم لدى السفارة حتى يسهل الاتصال بهم عند الطوارئ.

إلى ذلك كشفت مصادر مطلعة في القاهرة أمس أن وزيرا المخابرات والخارجية المصريين، عمر سليمان وأحمد أبو الغيط، سيصلان إلى العاصمة السودانية الخرطوم يوم غد السبت. وقالت مصادر بالخارجية المصرية إن الزيارة لا علاقة لها بما يشاع عن وجود حساسيات مصرية من تدخل قطر على خط المفاوضات الجارية بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور، مشيرة إلى أن زيارة المسؤولَين المصرييَن ستستغرق يوما واحدا، يجريان فيه مباحثات مع الجانب السوداني، تتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل تعزيزها لما فيه مصلحة البلدين.

وأضافت المصادر أن الوفد المصري سيبحث خلال زيارته للخرطوم الخطوات التي اتخذتها الحكومة السودانية للدخول في مفاوضات مع حركة العدل والمساواة بدارفور، خاصة أن القيادة المصرية كانت قد التقت هذا الأسبوع مع وفد رفيع من حركة العدل والمساواة قبل توجهه للمشاركة في مفاوضات الدوحة، مع الحكومة السودانية، مشيرة إلى أن الحكومة المصرية تحرص على عدم تصعيد الخرطوم لخطابها تجاه التطورات المتلاحقة بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، خاصة أن هناك جهودا تقوم بها المجموعة العربية والمجموعة الأفريقية، لإرجاء القرار بتوقيف البشير.

وأضافت المصادر أن الجانب المصري سيطلع نظيره السوداني على الجهود المصرية والعربية لتجاوز أي قرار من مجلس الأمن بهذا الشأن. من جانبه أكد السفير إدريس سليمان نائب رئيس البعثة الدبلوماسية بالسفارة السودانية بالقاهرة إن زيارة الوزيرين المصريين للخرطوم ستناقش مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالقضايا المشتركة، بينها مشكلة دارفور، ومسار تنفيذ اتفاق السلام بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وقضية المحكمة الجنائية الدولية، والعلاقات الثنائية، والعلاقات العربية العربية، وغيرها من الموضوعات المشتركة.