أمين عام «الناتو» في باريس لإقناعها بالعودة الكاملة إلى صفوف الحلف.. ويطمئنها إلى استقلالية قوتها النووية

المعارضون ينددون بالالتحاق بالسياسة الأميركية وفقدان الاستقلالية الفرنسية

TT

مع اقتراب قمة الحلف الأطلسي (الناتو) المقرر انعقادها في الثالث والرابع من أبريل (نيسان) المقبل بالتناوب بين مدينة ستراسبوغ الواقعة شرق فرنسا، ومدينة كيهل على الجانب الآخر من الحدود مع المانيا، يقوى الجدل في باريس حول جدوى عودة باريس الى الانخراط التام بالحلف الأطلسي والعودة الى قيادته العسكرية الموحدة التي تركتها بناء على قرار الجنرال ديغول عام 1966. وفيما من المؤكد أن الرئيس نيكولا ساركوزي سيعلن في القمة المذكورة قرار العودة الكاملة لصفوف الحلف، فإن المعارضين من اليسار واليمين على السواء، يرفعون الصوت منددين بـ«قرار خاطئ» ومطالبين بعقد جلسة للبرلمان تتوج بالتصويت على القرار الرئاسي.

ودخل أمس أمين عام الحلف الأطلسي الهولندي ياب ديهوب شيفر على خط الجدل في فرنسا، وأمضى يومه في باريس محاولا نزع الألغام من درب المشروع دون أن يعطي الانطباع بأنه يتدخل بالشؤون السيادية الفرنسية. وصباحا أدلى شيفر بشهادته أمام جلسة مشتركة للجنتي الدفاع والشؤون الخارجية في مجلس النواب قبل ان يلتقي ساركوزي في الإليزيه. وفي المناسبتين، سعى المسؤول الأطلسي لإبراز الفوائد التي يمكن لفرنسا أن تجنيها في حال قررت العودة الكاملة الى صفوف الحلف، فيما حظي الملف الأفغاني بجانب من مناقشات شيفر مع ساركوزي غداة مقتل ضابط فرنسي وجرح جندي في عملية عسكرية شرق العاصمة كابل. وسيكون الموضوع الأفغاني على رأس أعمال القمة الأطلسية المقبلة من زاوية عزم الإدارة الأميركية الجديدة على زيادة عديد قواتها العاملة في أفغانستان. وحتى الآن، تنفي باريس رسميا أن تكون قد تلقت طلبا أميركيا لزيادة قواتها العاملة في إطار القوة الدولية. غير أن المصادر الفرنسية تبدو متأكدة من أن واشنطن ستطلب من الأوروبيين وبينهم فرنسا مساهمة إضافية علما بأن باريس أرسلت الخريف الماضي 700 رجل إضافي الى أفغانستان.

وقالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن القيادة الفرنسية وزعت تعميما على ضباطها لتلقي ترشيحات بخصوص المناصب العسكرية التي ستحصل عليها فرنسا في إطار وضعها الجديد داخل الأطلسي. وقدرت هذه المصادر المناصب الموعودة بـ«عدة مئات» قد يكون بينها إحدى القيادتين الاستراتيجيتين للحلف والمعروفة باسم «قيادة تطوير الحلف» والتي مقرها في مدينة نورفولك في ولاية فرجينيا الأميركية.

وفي كلمته أمام النواب أمس، شدد شيفر على أن فرنسا «لن تخسر ذرة واحدة من سيادتها» مضيفا أن «القوة النووية الفرنسية ستبقى مستقلة، ولن تكون خاضعة للقيادة الأطلسية». وفيما شرح شيفر أن مهمة الحلف الأطلسي قد تغيرت ولم يعد أداة الغرب العسكرية كما كان ايام الحرب الباردة ومواجهة المعسكر الشيوعي، بل أصبحت وظيفته المحافظة على الاستقرار وحفظ السلام في العالم، قال للنواب «إن فرنسا لن تكون ملزمة بالمشاركة في عملياته، إذ إن المشاركة تتم على قاعدة اختيارية». وقال شيفر إن «التهديدات» الحالية التي تواجه الحلف هي الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل وعمليات التهريب والقرصنة. وخلص المسؤول الأطلسي الى أن عودة فرنسا «لا تمثل سوى منافع إضافية» ولن ترتب على باريس أية قيود إضافية من أي نوع. غير أن هذه الحجج لا يبدو أنها أقنعت المعارضين. فقالت مارتين أوبري، أمينة عام الحزب الاشتراكي، أن «لا شيء يبرر مثل هذه الخطوة التي قررها الرئيس ساركوزي من غير نقاش داخل البرلمان». أما النائب الاشتراكي جان ميشال بوشرون، فرأى أن عودة فرنسا تعني «فقدان الأمل بقيام سياسة خارجية ودفاعية أوروبية موحدة مستقلة»، باعتبار أن هذه السياسة ستكون خاضعة للولايات المتحدة. ورأى الحزب الشيوعي أنه «لا يتعين على فرنسا أو أوروبا أن تكونا جزءا من استراتيجية قائمة على استخدام القوة والحروب».

ولا يفترق بعض اليمين عن هذا الحكم القاسي. فرئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان الذي اشتهر بخطابه المدوي في مجلس الأمن قبل أيام من اندلاع الحرب الأميركية الثانية على العراق عام 2003، قال ان فرنسا ستجد نفسها «مقيدة الحركة على الصعيد الدبلوماسي وأكثر تعرضا للأعمال الإرهابية»، وهو ما يؤكد عليه النائب اليميني جاك ميار الذي قال إن تطورا كهذا يعني «تكبيل يدي فرنسا ومنعها من صياغة سياسة مستقلة». ومعروف تاريخيا أن اليمين السيادي الفرنسي الذي يعد ديغول ممثله الأعلى، دافع باستمرار عن سياسة فرنسية مستقلة وعن النزعة الاستقلالية إزاء واشنطن. أما فرنسوا بايرو، رئيس حزب الحركة الديمقراطية، فقد انتقد هو الآخر ساركوزي بشدة، حيث اعتبر أن انخراط فرنسا التام تحت لواء الأطلسي هو«هزيمة لها وهزيمة لأوروبا». ويرد المعسكر الرئاسي والحكومي على هذه الانتقادات بحجج مغايرة أساسها التركيز على احتفاظ فرنسا باستقلاليتها، وتغير طبيعة الحلف الأطلسي والتذكير بأن بداية التقارب المتجدد مع الأطلسي بدأت مع الرئيس جاك شيراك في عام 1995. وبين هؤلاء وأولئك يستمر الجدل الذي من المقدر له أن يتصاعد حتى بداية أبريل (نيسان) المقبل وسيتضاعف إذا ما استعجلت واشنطن إرسال المزيد من القوات الأوروبية إلى أفغانستان.