أولمرت يبدّد الأنباء المتفائلة ويعلن: لا تهدئة من دون إطلاق شاليط

السلطة الفلسطينية اعتبرت موقفه «ابتزازا».. وحماس قالت إنه تراجُع.. والقاهرة متفائلة بتحقيق التهدئة اليوم.. أو غدا

فلسطيني يقف امام مبنى تعرض للتدمير خلال غارة إسرائيلية أمس على منطقة جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

فاجأت إسرائيل، حركة حماس، أمس، بإعلانها أنها لن توافق على تهدئة، أو فتح معابر قطاع غزة قبل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير، لدى الحركة، جلعاد شاليط. وفيما اعتبرت السلطة الفلسطينية والحركة الإسلامية أن هذا الموقف ينم عن »ابتزاز».. واصلت القاهرة بث أجواء متفائلة، حيث أكد مصدر مصري لـ«الشرق الأوسط» أن إعلان التهدئة سيكون اليوم أو غدا، على أقصى تقدير، كما كان مقررا سابقا، وأن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي ربطت شليط بالتهدئة «لا نعتبرها رسمية».

وفي بيان ينمّ عن الغضب الشديد، نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمس الأنباء، التي أشارت إلى أن اتفاق التهدئة سيعلن خلال يومين. وقال اولمرت في بيانه إن إسرائيل لم تتلق من مصر أي إشارات حول الموضوع. وأوضح أن موقف إسرائيل هو أن لا تهدئة ولا فتح معابر إلا بإطلاق سراح شليط. وقال البيان إن «إسرائيل أبلغت مصر بشكل واضح لا غبار عليه أنها لا تفاوض حماس ولا تبرم معها اتفاقات إنما تتفاوض مع مصر على صيغة تضمن وقف عمليات إطلاق الصواريخ وغيرها من العمليات الإرهابية ضد إسرائيل وعلى ضمان إعادة الجندي الإسرائيلي شليط من أسره. وهي تعرف أن مصر ممتعضة من ألاعيب ومماطلات «حماس» في هذه القضية. لذلك فإنها، أي إسرائيل، تنوي عقد سلسلة أبحاث لإعادة تقويم الموقف». وقد لوحظت تحركات غير عادية في إسرائيل، في الليلة الأخيرة، أمس، حيث دعا أولمرت، إلى سلسلة اجتماعات للقيادات السياسية والأمنية الضيقة للبحث في التطورات الأخيرة. وقال ناطق بلسان الحكومة، أمس، إن أولمرت يجري فعلا مشاورات خاصة لإقرار الخطوات القادمة في التعامل مع التطورات في الجنوب وكيفية التعامل مع «حماس»، خصوصا في ضوء تجدد إطلاق الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية.

الاجتماع الذي عقد مساء أمس، ضم أولمرت ومستشاريه السياسيين والأمنيين وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية. وسيعقد اجتماع مشاورات صباح اليوم مع نائبيه، وزيري الخارجية، تسيبي ليفني، والدفاع، ايهود باراك، قبيل جلسة الحكومة العادية. ثم سيطرح على طاولة أبحاث الحكومة موضوع شليط والتهدئة مع «حماس». وسيعقد المجلس الوزاري الأمني جلسة خاصة للبحث في الأوضاع يوم الأربعاء المقبل. ومثل هذه الاجتماعات بهذه الوتيرة، سبق في الماضي العمليات الحربية الإسرائيلية. ولا يستبعد أن تكون اللهجة الإسرائيلية الجديدة بمثابة تهديد مباشر لحركة حماس. وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن قادة الجيش والمخابرات يعترضون على إعلان التهدئة من دون شليط. وهو الموقف نفسه الذي يتبناه رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، وكذلك تسيبي ليفني، رئيسة حزب كاديما ووزيرة الخارجية. ويبدو أن أولمرت يحاول إعطاء حماس مهلة أخيرة لإنجاز صفقة شاملة للتهدئة وشليط، قبل أن يخلي مكانه لنتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف. وقال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، إن ربط فتح المعابر بإطلاق سراح شليط «مرفوض جملة وتفصيلا، ويجب عدم الربط بين اتفاقية المعابر وأي اتفاقية بشأن شليط». واعتبر عريقات، »أن ما تفعله إسرائيل محض ابتزاز للفلسطينيين ويتناقض نصاً وروحاً مع اتفاق المعابر 2005 ويتناقض مع المبادرة المصرية».

وفي القاهرة قال مصدر مصري مسؤول إن التهدئة ستعلن اليوم أو غدا، وأن التصريحات الصادرة عن مكتب أولمرت التي تفيد بأن الموقف الإسرائيلي هو لا تهدئة دون الإفراج عن شليط «لا نعتبرها موقفا رسميا». وواصل وفد حماس برئاسة الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لقاءاته مع المسؤولين المصريين، فيما تنتظر الحركة ردا إسرائيليا رسميا على المقترحات المصرية بشأن التهدئة. وأظهرت تصريحات مسؤولين إسرائيليين وآخرين من حماس، تفسيرات متباينة فعلا للاتفاق الذي كان من المفترض أن يسري اليوم حسب ما قالت حماس. بينما تعلن حماس أنها لن تتعهد بوقف التهريب، ولن توافق على إغلاق رفح، ولن تقبل بمنطقة عازلة، وأن لا علاقة لشليط بالأمر، وأن التهدئة ستوقع بناء على ذلك، فإن مصادر إسرائيلية أوضحت أن هناك تفاهمات أخرى مع مصر. وقال أبو مرزوق أمس «إن مصر ستكون ضامن اتفاق التهدئة، وهي التي ستدقق في كل مقتضيات الاتفاقية»، موضحا أن القاهرة ستكون مسؤولة عن مراقبة البضائع التي تدخل إلى قطاع غزة كمّا ونوعا. لكن مسؤولا آخر من حماس اعتبر، أن إسرائيل تراجعت عن مواقفها بشأن التهدئة، وأنها تطلب تهدئة مفتوحة وليس كما تم الاتفاق عليه مع مصر لمدة 18 شهرا. وأكد صلاح البردويل القيادي في حماس وجود «مشاكل فنية ناتجة عن الموقف الإسرائيلي» تعيق إعلان التهدئة في قطاع غزة، مشيرا إلى أن «اتفاق التهدئة أنجز ومن المفترض أن يبدأ سريانه اعتبارا من الأحد، إلا أن مشكلة فنية ظهرت في الساعات الأخيرة بعد مطالبة إسرائيل بأن يكون اتفاق التهدئة دائماً». من جانبه أكد الدكتور محمود الزهار القيادي في «حماس» بأن الحركة تلقت إجابات «واضحة وكافية» حول كافة الاستفسارات الخاصة بالتهدئة، مع التأكيد أن المعابر ستفتح في مقابل التهدئة»، وقال «إن فتح المعابر وإدخال كافة المواد إلى القطاع ـ باستثناء 4 مواد قالت إسرائيل إن لها علاقة بصناعة المتفجرات ـ يلبي الحد الأدنى المطلوب لإعادة ترميم ما دمره الاحتلال الإسرائيلي». وأشار الزهار إلى أن حركة حماس «تنتظر نتائج اتصالات مصر مع الجانب الإسرائيلي لإنهاء كافة العقبات».

ورجحت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون مصر أبلغت كلا من حماس وإسرائيل بمواقف مختلفة من اجل تثبيت وقف النار أولا، ومن ثم التحايل على بعض الإشكاليات وحلها على أمل الوصول إلى صفقة قريبة لموضوع شليط». وردا على الأنباء التي تشير إلى أن التهدئة ستعلن رسميا اليوم أو غدا، قد تشمل قضية صفقة تبادل الأسرى. قالت مصادر إسرائيلية بأن القانون الإسرائيلي لا يتيح اتخاذ قرارات سريعة بشأن قضية الأسرى، حيث إن من المعروف أن إطلاق شليط سيكون مقرونا بإطلاق سراح حوالي ألف أسير فلسطيني يقبعون في السجون الإسرائيلية. وفي حالة وجود قرار بإطلاق سراح أي أسير منهم، يلزم القانون الحكومة بنشر أسماء الأسرى وتفاصيل اعتقالهم والأحكام الصادرة بحقهم، حتى يتاح للجمهور الاعتراض في المحكمة على إطلاق سراحهم خلال 48 ساعة من صدور القرار. وتحتاج المحكمة من جانبها إلى 48 ساعة أخرى للبت في القضايا المقدمة لها في هذا الشأن.

والمعروف أن قوى اليمين الإسرائيلي تستعد لهذه اللحظة منذ مدة طويلة، وهناك نصوص دعاوى جاهزة لديه ينوي رفعها للاعتراض على إطلاق سراح من يسمونهم «ذوو أياد ملطخة بالدماء»، ويقصدون بذلك المتهمين أو المحكومين المدانين بقتل إسرائيليين. وهناك دعاوى ضد إطلاق سراح الأسرى إلى بيوتهم، بحجة أنهم «سيعودون إلى نشاطهم الإرهابي»، وتطالب هذه الدعاوى بأن يطرد الأسرى الفلسطينيون المحررون إلى خارج البلاد. وكانت إسرائيل و«حماس» قد اتفقتا في الجولة الأولى من المفاوضات بينهما قبل أكثر من سنة على أن يطلق سراح شليط مقابل إطلاق سراح 450 أسيرا فلسطينيا. كما اتفقتا على أن يتاح لحماس أن تكون شريكة في تحديد هوية الأسرى الفلسطينيين الذين سيخرجون إلى الحرية. وعرضت حماس لائحة بأسماء مَن تطلب إطلاقهم، فوافقت إسرائيل على 220 اسما منهم (بينهم غالبية الأطفال والنساء) واعترضت على الباقين، بدعوى أنهم «اتهموا بارتكاب وبإرسال إرهابيين لارتكاب عمليات إرهاب خطيرة انتهت بقتل عدد كبير من المواطنين». ثم عرضت إسرائيل زيادة عدد الأسرى الفلسطينيين المنوي إطلاق سراحهم إلى 1050 أسيرا، شرط أن تحدد هي هويتهم وليس حماس. وتوقفت المفاوضات عند هذه النقطة. وادعت إسرائيل أن حماس أفشلت المفاوضات لأنها لا تريد في الواقع تنفيذ صفقة. فهي تعتقد بأن إسرائيل تنوي تحطيم حكم حماس في قطاع غزة حال إطلاق سراح شليط. وتريد ضمانات لعدم المساس بها.