بوتو تخلف مؤسس الدولة الباكستانية.. على العملة المعدنية

نفاد العملة الحاملة صورة رئيسة الوزراء المغتالة وسط شكاوى ضدها

TT

في غضون أقل من شهر على إصدارها، نفدت العملة المعدنية التي أصدرها المصرف المركزي الباكستاني إحياء لذكرى وفاة رئيسة وزراء باكستان السابقة بي نظير بوتو، وقد أمر بالفعل إصدار المزيد من العملات. وفي المرحلة الأولى، أمر المصرف المركزي الباكستاني بإصدار 300 الف عملة معدنية فئة 10 روبيات تحمل صورة رئيسة الوزراء الراحلة تقديرا للخدمات التي قدمتها لباكستان.

وقال وسيم الدين المسؤول رفيع المستوى في المصرف المركزي الباكستاني:«انتشرت هذه العملات على نطاق كبير وأصبحت رائجة». وأضاف وسيم الدين لـ«الشرق الأوسط» أن المصرف المركزي بدأ إصدار هذه العملة في 26 ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، قبل يوم واحد من ذكرى اغتيال بوتو. وقال وسيم الدين:«بحلول منتصف يناير (كانون الثاني) كنا قد أصدرنا جميع العملات في السوق ونفدت منا».

وبعد الطلب المحلي لمزيد من العملات، قررت إدارة المصرف إصدار 100 الف عملة إضافية. وشرح وسيم الدين أن الطلب على العملة يزداد على الرغم من أنه نادرا ما تستخدم في المعاملات التجارية.

وقال: «إنها لا تستخدم في المعاملات التجارية، فلم أر أي منها في السوق، لكنها في الأساس من أجل الاقتناء».

ولكن لدى بعض الخبراء رأي يختلف على ما يقوله مسؤولو المصرف حول عملة بوتو التذكارية. وقال شاهزاد سالم، المسؤول المصرفي في أحد البنوك الخاصة في إسلام أباد: «تستخدم العملة فئة 10 روبيات في المعاملات التجارية. لا تستخدم في الصفقات الكبيرة، لكن يستخدمها أصحاب المحلات في العمل التجاري اليومي». واضاف سالم لـ«الشرق الأوسط» إن الناس تأخذ العملة الجديدة مثل أي عملة أخرى قانونية، حيث إن «انتشار هذه العملة في السوق لا يعود إلى شعبية بوتو وحسب، لكنها رائجة في السوق بسبب قيمتها القانونية». وتابع:«إن مبلغ 10 روبيات ضئيل ويستخدم غالبا في احتفالات الزواج وفي يوم العيد، ويستفيد منه كثيرا أصحاب المحلات».

وكان إصدار عملة تذكارية لبوتو جزءا من الجهود التي تقوم بها حكومة حزب الشعب الباكستاني، الذي وصل إلى الحكم نتيجة للتعاطف الذي تولد باغتيال بي نظير بوتو، لإحياء ذكراها عبر مجموعة من القرارات الحكومية من بينها إعادة تسمية مطار إسلام أباد الدولي باسم رئيسة الوزراء الراحلة التي عملت لفترتين رئاسيتين. كما أطلق اسمها على شارع رئيس ومستشفى في راوالبندي.

وتحمل العملة المعدنية المصنوعة من النحاس والنيكل وتزن حوالي 8.25 غرام صورة بي نظير بوتو على أحد وجهيها، ومنقوش عليها «الشهيدة بي نظير بوتو» باللغة الأردية على حدودها الخارجية. وعلى جانبي الصورة من اليمين واليسار، كتب تاريخ الميلاد والوفاة بالأرقام. وعلى حافة العملة توجد دائرة من الزخرفة منقوش عليها القيمة الرسمية للعملة. وبالإضافة إلى الصورة، تحمل العملة لقب «ابنة الشرق» الذي يطلق على الزعيمة الراحلة. وفي حياتها، كانت تحب بوتو ان تلقب باسم «ابنة الشرق»، وكان هذا هو العنوان الذي أطلقته على سيرتها الذاتية. وقد اعتاد شعب باكستان رؤية صورة مؤسس الدولة، «القائد الأعظم محمد على جناح»، على العملات الرسمية الباكستانية. وصورته الوحيدة التي استخدمت في الماضي في العملات المعدنية.

لذا يعتبر وضع صورة بي نظير بوتو على عملة رسمية، في الوقت الذي تظل فيه رئيسة الوزراء الراحلة بغض النظر عن شعبيتها الكبيرة بين الجماهير الباكستانية شخصية سياسية محل جدال، تغييرا في المجتمع.

لذلك ليس من المفاجئ أن يبدأ بعض المواطنين في رفع قضايا أمام المحاكم ضد قرار الحكومة بإصدار عملات تذكارية لبي نظير بوتو ووضع صورتها عليها.

وقد بدأت محكمة لاهور العليا، ثاني أكبر كيان قضائي في البلاد، بالفعل في تلقي شكوى ضد قرار الحكومة بوضع صورة بوتو على العملة المعدنية. وقال المتقدم بالشكوى عاصم بهاتي إن مثل هذه العملة المعدنية ستكون سابقة يمكن أن تدفع الحكومات اللاحقة إلى إصدار عملات معدنية تحمل صور قياداتها الحزبية.

ويقول منتقدو حكومة حزب الشعب الباكستاني إن العملة التذكارية ستستمر طالما ظلت حكومة الحزب في السلطة.

لكن يرى المحللون أن التراث السياسي الذي خلفته بوتو أقوى بكثير وأبقى من العملات المصنوعة من النحاس والنيكل أو من القرارات التجميلية بإطلاق اسمها على مستشفيات ومطارات. ويقول أسد سعيد المحلل والباحث السياسي المعروف: «لقد كانت بي نظير بوتو أهم شخصية سياسية في تاريخ باكستان وأقوى الأصوات التي وقفت ضد تهديد التطرف والمسلحين». واضاف سعيد لـ«الشرق الأوسط» إن البصمات التي تركتها بوتو على السياسة الديمقراطية والسلام الإقليمي سيستمر لمدة أطول مما يتوقع منتقدوها، معتبراً «كانت أول زعيمة باكستانية تؤيد التعايش السلمي مع الهند. والآن تبنت آليات الدولة الباكستانية بأسرها السياسة ذاتها التي كانت تدافع عنها في الثمانينات من القرن الماضي». وتسري شكوك كثيرة على المستوى الشعبي حيال قدرة خلفائها السياسيين على الحفاظ على ميراثها على الطريق الصحيح. ويوجد بالفعل إحساس بالحزن بين العامة بسبب أداء حكومة حزب الشعب الباكستاني الحالية.