بين بيروت وضاحيتها: مشهدان متناقضان في ذكرى استشهاد الحريري

في الأولى مشاركة صاخبة.. وفي الثانية هدوء لم يعكّره مزاج الشارع الآخر

امراة متقدمة في السن تردد شعارات، رافعة العلم اللبناني في ذكرى اغتيال الحريري (رويترز)
TT

بين بيروت وضاحيتها مشهدان مختلفان متناقضان في 14 فبراير (شباط) 2008. هنا الزحمة صاخبة رغم الإقفال التام لكل المحلات التجارية المنتشرة في المناطق، وهناك الزحمة هادئة رغم أن الحياة تسير على طبيعتها من دون أي تغيير يذكر، إلا في اللون الأحمر الذي يغزو واجهات المحلات إيذانا بيوم الحب. في الأولى، السباق على أشدّه للوصول إلى ساحة الشهداء على وقع الموسيقى التي تصدح في الأجواء، وفي الثانية حركة يومية لم يعكرها المزاج العام الذي يحرّك الشارع الآخر.

الجولة في مناطق العاصمة من الشويفات، المدخل الساحلي للجبل على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت، مرورا بطريق الجديدة وكورنيش المزرعة، وصولا إلى تلة الخياط وفردان، تحتاج إلى عناء البحث عن طرق فرعية والسير في عكس الخط للوصول إلى المكان المقصود. في الشويفات حيث الوجود الأكثري لمناصري الحزب التقدمي الاشتراكي، تقيّد بالإقفال شبه التام إلا في ما ندر، ولا سيما المحلات التي تقدّم لوازم عيد الحب.

هاني أبو زكي صاحب محل بيع الهواتف الخلوية، فضّل البقاء في محله متسمرا أمام شاشة التلفزيون، يطمئن على سير الاحتفال من بعيد، ويقول: «كل أفراد عائلتي انطلقوا منذ الصباح الباكر، حتى إن ابنتي التي لم تتجاوز خمس سنوات ذهبت مع والدتها لتشارك في المناسبة. أنا هنا ولكن قلبي معهم، لكنني اضطرت إلى أن أفتح محلي لأن في هذا اليوم تزيد عندنا نسبة البيع». أما قوافل السيارات والحافلات المكتظة بركابها الذين يتناولون فطورهم، وهم في طريقهم نحو ساحة الشهداء، فشقّت طريقها من الشويفات باتجاه بيروت والتصقت على الأتوستراد المؤدي إلى العاصمة بتلك الآتية من مناطق الجبل وصيدا. هنا اختلطت الهتافات وألقيت التحيات عن بعد، أما من صودف مروره بهذه الزحمة ولم تبدُ عليه مظاهر المشاركة المتمثلة في الأعلام والشعارات، فيرمق المناصرين الذين يطلقون العنان للشعارات المؤيدة لزعماء «14 آذار» والمندّدة بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والعماد ميشال عون، بنظرات الغضب.

في الطريق الجديدة «معقل المستقبليين» المشهد لم يتبدل منذ أربع سنوات، التجوّل في هذه المنطقة التي اتشحت باللون الأزرق تعكس صورة مصغرة عما سيكون عليه المشهد في ساحة الاحتفال. أبناؤها وصلوا ليلهم بنهارهم واستعدوا للقيام بواجبهم منذ ساعات الصباح الأولى، وعدد قليل من شباب المنطقة بقي منتظرا يرصد الحركة منعا لأي مشكلات قد تقع. فها هو أحد المسؤولين عن التنظيم يتكلّم مع أحدهم عبر اللاسلكي، يبلغه مرور سيارة لشباب من حركة أمل، ولكنه يقول إنه طلب منهم عدم المرور مجددا في المنطقة، ويؤكّد على أن التعليمات أعطيت بعدم الرد على أي استفزاز. وهناك شباب آخرون أوكلت إليهم مهمة توزيع المناصرين على الحافلات التي جنّدت لنقلهم إلى ساحة الاحتفال.

الوصول إلى الجهة الأخرى من العاصمة، وتحديدا إلى ضاحية بيروت الجنوبية، لا يحتاج إلى إجراءات سير خاصة. كل شيء على طبيعته، المدارس لم تقفل أبوابها، الأعلام الصفراء التي تحمل صور شهداء حزب الله تحت شعار «شهداؤنا عظماؤنا» تعلن عن قرب الاحتفال بذكراهم، المحلات تعمل كأي يوم عادي، ولبس عدد كبير منها الثوب الأحمر احتفالا بعيد الحب، باستثناء المصارف التي كان قرار إقفالها عامّا في كل المناطق. السؤال عن معنى 14 (فبراير) لأبناء هذه المنطقة يلقى إجابات متشابهة، وفي كثير من الأحيان متطابقة. يقول ربيع: «لا هَمّ لهم إلا استغلال هذه المناسبة لغاياتهم السياسية». ومن جهتها تقول زينب: «إذا حملت الأعلام وأطلقت الموسيقى لن يعود رفيق الحريري. المشكلة هي أن الشعب اللبناني بفريقيه لا يعتمد على آرائه الخاصة، بل تسيّره سياسة زعمائه. ها نحن الذين نؤيد حزب الله، قبل أن يعود العماد ميشال عون كنا نكرهه، أما اليوم فمجرّد أنه عقد اتفاقا معنا تحوّل فجأة كرهنا له إلى حب!».