«سي. آي. إيه» ساعدت الهند وباكستان في تبادل معلومات حول هجمات مومباي

قضت على الشكوك المتبادلة وكشفت عن هوية الإرهابيين الـ 10 المتورطين في الهجمات

TT

في أعقاب تفجيرات مومباي الإرهابية، عمدت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى تنظيم قناة خلفية لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الهند وباكستان، ما سمح للعدوتين السابقتين بالتشارك بهدوء في أدلة بالغة الحساسية، بينما عمل الأميركيون كجهة وساطة محايدة، طبقاً لما ورد عن مصادر حكومية أميركية وأجنبية مطلعة على هذه الترتيبات. وقد ساعدت هذه التبادلات، التي بدأت خلال أيام قليلة من وقوع الهجمات الفتاكة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الجانبين بصورة تدريجية على التغلب على الشكوك المتبادلة ومهدت الطريق أمام إعلان إسلام أباد الأسبوع الماضي اعترافها بأن جزءا من عملية التخطيط للهجمات تمت داخل الأراضي الباكستانية، حسبما ذكرت المصادر. ومن الواضح أن الجهود الاستخباراتية سارت على نحو جيد وراء الكشف عن هوية الإرهابيين العشرة المتورطين في الهجمات، وتضمنت هذه الجهود إجراءات اعتراض معقد للاتصالات ومجموعة من الأدلة المادية تتعلق بتفاصيل كيفية تخطيط المسلحين ومن ساندوهم للهجمات وتنفيذهم لها. وأشركت كل من الوكالات الاستخباراتية الهندية والباكستانية على نحو منفصل وكالة الاستخبارات المركزية في النتائج التي توصلت إليها، والتي قامت بنقلها إلى الجانب الآخر، مع العمل في الوقت ذاته على التحقق من صحة المعلومات والإجابة على علامات الاستفهام الباقية اعتماداً على المعلومات الواردة من شبكاتها، تبعاً لما قالته المصادر. وقد تم وصف الدور الأميركي خلال لقاءات أجريت مع مسؤولين باكستانيين، وأكدته مصادر أميركية على معرفة تفصيلية بهذه الترتيبات. ولا تزال الترتيبات قائمة، ومن غير المعروف ما إذا كانت ستستمر بعد الانتهاء من قضية تفجيرات مومباي. وقال مسؤولون من كلا البلدين إن التعاون غير المسبوق كان من بين العوامل وراء قرار إسلام أباد توجيه اتهامات جنائية ضد تسعة باكستانيين بالتورط في الهجمات، وهي خطوة حملت على ما يبدو مؤشرات على تراجع التوترات داخل شبه القارة الهندية بعد أسبوعين من الحروب الكلامية بين الجانبين. من جهته، قال مسؤول باكستاني بارز على اطلاع بالتبادلات الاستخباراتية: «شاركت الهند في الأدلة على نحو ثنائي، لكن ليس هذا ما جعل الأمر مضموناً، وإنما التفاصيل التي تم التشارك فيها بين الوكالات الاستخباراتية، مع عمل وكالة الاستخبارات المركزية بصورة رئيسية كجسر». علاوة على ذلك، شارك مكتب التحقيقات الفيدرالية في عملية التحقق من المعلومات، حسبما أشار المسؤول. على الجانب الآخر، قال مسؤول أميركي على معرفة تفصيلية بترتيبات التشارك إن هذه الجهود مكنت الجانب الباكستاني في نهاية الأمر «من التعامل بأكبر صورة مباشرة ممكنة مع تداعيات (تفجيرات) مومباي».

يذكر أن المسؤولين الأميركيين والباكستانيين الذين وصفوا ترتيبات التشارك في المعلومات الاستخباراتية اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم، معللين ذلك بحساسيات دبلوماسية وقانونية. أما المسؤولون الهنود فقد رفضوا التعليق من أجل هذا المقال. وأضاف المسؤول الأميركي: «شكلت الاستخبارات جسراً جيداً. وساهم الجميع على الجانب الأميركي في هذا العمل يملؤهم الحرص، ووضعوا نصب أعينهم التاريخ والتعقيدات والتوترات. لكن على الأقل تتبادل الدولتان الحديث الآن، بدلاً من تبادل إطلاق النار».

بدأت الجهود الأميركية لرعاية التعاون بين الجانبين في عهد إدارة بوش وتلقت دفعة جديدة من قبل إدارة أوباما التي تخشى من أن يقوض تجدد الصراع بين الهند وباكستان التقدم داخل أفغانستان ـ وربما يسفر عن حرب نووية.

وتنظر الإدارة الجديدة إلى باكستان باعتبارها عنصرا رئيسيا في استراتيجيتها تجاه أفغانستان، علاوة على إدراكها أنه ليس باستطاعتها «التعامل بنجاح مع باكستان دون التعامل بنجاح مع الهند»، حسبما أوضح الأدميرال مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة خلال لقاء أُجري معه أخيراً. واستطرد موضحاً أنه: «في ظل ظروف مثالية، فإن التحديات المرتبطة بمومباي ـ حال التعامل معها جيداً وإدارتها جيداً ـ ستؤدي إلى عمل الجانبين معاً». بيد أنه في المقابل لا يتوافر دعم عام للتقارب بين الدولتين، وغالباً ما تدفع السياسات الداخلية بهما العلاقات باتجاه العداء، بدلاً من التعاون. وأعرب مولن عن أمله في أن تتمكن الدولتان من استعادة بعض حسن النية الذي ضاع جراء تفجيرات مومباي. وقال إنه رغم الانتقادات العامة والسياسية، اتخذت الحكومتان «خطوات كبيرة» خلال الشهور السابقة لوقوع هجمات مومباي بهدف تقليص التوترات بينهما بسبب النزاع حول إقليم كشمير القائم منذ أمد بعيد. لكن بعد 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، «تم إرجاء الكثير وتنحيته جانباً». يذكر أن هجمات مومباي جرى تنفيذها على يد 10 إرهابيين مسلحين عثوا في شوارع المدينة على مدار ثلاثة أيام، ما أسفر عن مقتل ما يزيد على 170 شخصا وإصابة أكثر من 300 آخرين. ولقي تسعة من الإرهابيين حتفهم، بينما اعترف الناجي الوحيد منهم بأن الهجوم تم التخطيط له داخل باكستان من جانب «عسكر طيبة» وهي جماعة ترمي لتحقيق استقلال القطاع الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير. من ناحيتها، أكدت الهند على أن عناصر من الحكومة أو الاستخبارات الباكستانية وفرت دعما لوجستيا للهجوم، وهو اتهام تنفيه إسلام أباد بشدة. وخلال الأيام الأخيرة، اتخذت باكستان إجراءات صارمة ضد «عسكر طيبة» والجماعات الأخرى المتحالفة معها، وألمحت إلى عزمها التعاون بدرجة أكبر مع الهند. وأصر مسؤول باكستاني، اشترط عدم الكشف عن هويته، على أن بلاده صادقة في تعهداتها على هذا الصعيد. وقال: «أي باكستاني سيثبت تورطه سيجري التعامل معه كمجرم"». وتوقع المسؤول أن يصل التعاون بين الدولتين إلى مستوى غير مسبوق خلال التحقيقات والمحاكمات القادمة، التي قال إنها ستجري على نحو منفصل داخل البلدين بمشاركة الجانبين. ووصف الاستجابة الباكستانية بالحسم وأنها «تعد دليلاً على أننا لن نتساهل» حيال الجماعات الداعمة للإرهاب. والواضح أن مثل هذه السياسات تنطوي على مخاطر جلية لحكومة الرئيس آصف علي زرداري الذي يواجه معارضة داخلية بسبب الإجراءات الصارمة التي اتخذتها حكومته ضد جماعات ساعدت إسلام أباد في إنشائها منذ سنوات كجزء من استراتيجيتها المناهضة للهند. خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»