إيران: 30 عاما على الثورة الحلقة (9) ـ أوباما.. إيران

كرباستشي «الدينامو».. أم عبد الله نوري «المفكر».. أم مهاجراني «المثقف».. أم محتشمي «رجل الميدان».. أم خوئيني «الصامت» أم خاتمي «الأب الروحي»؟

مهاجراني وخاتمي ونوري وجوه بارزة وسط الإصلاحيين
TT

عندما تنتخب أميركا رئيسا ديمقراطيا.. تنتخب إيران رئيسا إصلاحيا. هذه هي الحكمة التقليدية، التي ربما تؤيدها بعض الشواهد. هاشمي رفسنجاني البراغماتي/ جورج بوش الأب البراغماتي. محمد خاتمي الإصلاحي/ بيل كلينتون الديمقراطي. أحمدي نجاد المتشدد/ جورج بوش الابن المحافظ. إذا يفترض أن يكون هناك باراك أوباما إيراني؟ لكن السؤال الذي يتردد داخل إيران هو: من هو ذلك الشخص؟ إذا سألت إيرانيا فوق الخمسين يميل للإصلاحيين فستكون الإجابة في الأغلب هى: محمد خاتمي. لكن إذا سألت شخصا في العشرينات أو الثلاثينات من العمر سيأتي اسم خاتمي الثالث أو الرابع بعد أسماء أخرى اكثر راديكالية في توجهها الإصلاحي، من بينها عبد الله نوري وزير الداخلية الإيراني خلال ولاية محمد خاتمي، وغلام حسين كرباستشي عمدة طهران السابق وأحد أبرز الوجوه الإصلاحية، وعطاء الله مهاجراني وزير الثقافة الإيراني خلال حكم خاتمي، ومحمد موسوي خوئيني الإصلاحي البارز وناشر صحيفة «سلام» الإصلاحية، بل وعلي محتشمي السفير الإيراني السابق في سورية والأب الروحي لحزب الله الذي هو «نسر» في السياسة الخارجية و«اصلاحي» داخليا. بالنسبة للشباب في إيران اليوم سيأتي اسم خاتمي وسط القائمة وليس على رأسها بالضرورة. فغالبية الشارع الإصلاحي في إيران بات اليوم على يسار خاتمي، وهو يريد رئيسا لديه القدرة على «توجيه اللكمات»، وليس «تلقيها صامدا». وبالتالي تقول جيزو ميشا أحمدي، الصحافية في قناة «برس تى في» الإيرانية لـ«الشرق الأوسط»: «لا يجب أن تكون هناك مبالغة في شعور الشباب في إيران بأن ترشح خاتمي حلا لكل شيء». ما يجمع كل هذه الأسماء المرشحة لكي تكون «باراك أوباما إيران» هو أنهم كلهم من خارج مؤسسة الحرس الثوري، باستثناء محتشمي، ومن خارج مجلس صيانة الدستور أو الخبراء أو تشخيص مصلحة النظام. لكن، وفيما يجمعهم إيمانهم بالأفكار الإصلاحية، فإنهم مختلفين عن بعضهم بعضا في «درجة الراديكالية» في أفكارهم الإصلاحية، وعلاقتهم مع المرشد الأعلى آية الله خامنئي، وقدرتهم على تحمل الضغوط، ورغبتهم في المواجهة. فحمد موسوي خوئيني، يعتبر من أهم الإصلاحيين في إيران، وله شعبية كبيرة بين النخب الإصلاحية. ويقول المقربون منه إنه دخل «غرفة الصمت» منذ إغلاق صحيفة «سلام» الإصلاحية التي كان مدير تحريرها خلال حكم خاتمي. لكن من يعرفون خوئيني يقولون إنه من الصعب أن يوافق على الترشح لانتخابات الرئاسة الإيرانية، فهو شخص مستقل جدا، ومن الصعب على آية الله خامنئي تطويعه أو إخضاعه. وهذا ما يجعله مرشحا «مستحيلا» بالنسبة لخامنئي أيضا. واليوم يتابع خوئيني ما يحدث على الساحة السياسة الإيرانية من دون أن يكون ناشطا فيها، ومن دون أن يكتب أو يتحدث كثيرا لوسائل الإعلام. غير أنه سياسيا ما زال ناشطا، فهو نائب تنظيم «روحانيون مبارز» الإصلاحي الذي يرأسه خاتمي، خلفا لمهدي كروبي الذي ترك «روحانيون مبارز» بعدما أسس حزب «اعتماد ملي» وشارك في الانتخابات الرئاسية عام 2005. أما عبد الله نوري، وزير الداخلية في عهد خاتمي، فهو «مفكر» الإصلاحيين، والشخص القادر أكثر من غيره على صياغة مفاهيم وأفكار الإصلاحيين، السياسية والاجتماعية والثقافية. عبد الله نوري بدوره دخل «غرفة الصمت» بعد معاناته السياسية عندما كان وزيرا للداخلية في عهد خاتمي، التي اضطرته إلى الاستقالة بعد حملات منظمة من المحافظين ضده. لكن على الرغم من غيابه عن ساحة المناصب الرسمية، فإن المحافظين ما زالوا يعتبرونه «عدو المحافظين الأول» بسبب اتهامه لبعض المرجعيات الدينية في قمة الهرم السياسي بالفساد المالي والسياسي. في عام 1999 اتهمت إحدى المحاكم الإيرانية نوري بالخيانة، وأصدرت حكما بإغلاق صحيفته «خرداد» التي كان يصدرها وسجنه خمسة أعوام بتهمة معاداة الثورة، فانتهز عبد الله نوري فرصة مثوله أمام المحكمة لينادي بالإصلاح، مذكرا من يتهمونه من المحافظين بأنهم لا يستطيعون فرض تفسيرهم للإسلام، وطعن كذلك في السلطة الدينية والقانونية للمحكمة، مشبها إياها بمحاكم التفتيش، واحتوت كلمات عبد الله نوري على نصوص كاملة من انتقادات آية الله منتظري لمبدأ ولاية الفقيه. واليوم نادرا ما بات عبد الله نوري يتكلم. غير أنه وبسبب قرب الانتخابات الرئاسية في إيران تحدث مؤخرا منتقدا أحمدي نجاد، قائلا إن الإصلاحيين لا يمكن أن يحققوا الفوز في ظل الاستبداد السياسي. ويقال عن نوري في إيران إنه ينطبق عليه المثل الإيراني القائل: «لا أستطيع تحمل الضغط.. أستطيع تحمل الضغط الشديد فقط». أما عطاء الله مهاجراني، أحد أبرز الوجوه الإصلاحية في إيران، فكان وزيرا للإرشاد والثقافة خلال ولاية خاتمي، إلا أنه استقال احتجاجا على التضييق على الصحافيين الإصلاحيين، وإغلاق غالبية الصحف الإصلاحية، وتشديد الرقابة على دور النشر. وفي خطاب استقالته الذي بعث بنسخة منه لآية الله خامنئي، ونشرته الصحف الإيرانية قال مهاجراني: «أنا لست وزيرا للإرشاد.. أنا وزير للثقافة». واليوم يطل مهاجراني على ساحة السياسة الإيرانية من دون أن يظهر اهتماما بالرغبة في خوض غمار الانتخابات الآن، مفضلا تأجيلها لأربع سنوات أخرى. مركزا اهتمامه على انشغالات ثقافية بين الترجمة والتأليف والدراسة. أما على محتشمي، فهو نموذج مغاير لكل هؤلاء الإصلاحيين، فلديه أفكار إصلاحية اجتماعية، غير أنه في الوقت نفسه لديه علاقات تاريخية قوية مع المؤسسات الأمنية في إيران، خاصة الحرس الثوري، وذلك بسبب دوره في بناء حزب الله عندما كان سفيرا لإيران في سورية. ومحتشمي من المقربين من آية الله خامنئي، ومن طلابه البارزين، وعلاقته معه كانت مباشرة وقوية. وهو حاد الذكاء، متعدد المواهب، بين السياسي والاستخباراتي. وإذا كان يمكن القول إن أبو إياد كان «مفكر» الحركة الوطنية الفلسطينية، بينما أبو جهاد «رجلها الميداني»، يمكن القول إن عبد الله نوري «مفكر» الحركة الإصلاحية، بينما محتشمي أحد رجالها الذين لا يملكون ملكات فكرية، لكنهم يملكون قدرات ميدانية. فهو السياسي الوحيد المحسوب على الإصلاحيين الذي تربطه حقيقة علاقات قوية مع المحافظين. وهو يمكن أن يكون «همزة الوصل» بين التيارين أو «ممر» فض النزاعات، إذا وصل الإصلاحيون للرئاسة بعد 4 أشهر. أما غلام حسين كرباستشي، عمدة طهران السابق والمعروف بأنه «دينامو» الحركة الإصلاحية بسبب علاقاته التي تمتد بين الحركة الإصلاحية وحزب كوادر البناء، فهو أحد أكثر الشخصيات شعبية في إيران بعد خاتمي. ولأن طهران قلب إيران السياسي، فقد كانت هذه الشعبية الكبيرة، مصدر متاعب كبيرة لكرباستشي الذي واجه اتهامات بالفساد وحكم عليه بالسجن وحظر عليه العمل السياسي. ومع أن هذا الحظر ينتهي هذا العام، إلا أن كرباستشي، مثل كثير من الوجوه الإصلاحية البارزة، لا يريد خوض انتخابات الرئاسة المقبلة، مما فتح الباب أمام خاتمي «الأب الروحي» للحركة الإصلاحية ووجهها الأكثر شعبية، والذي أعلن خوضه غمار السباق الرئاسي ليشكل «صداعا» مؤكدا لأحمدي نجاد. ويقول محسن كديور المفكر الإيراني البارز وأحد أبرز الوجوه الإصلاحية لـ«الشرق الأوسط»: «نحتاج إلى وجوه جديدة، لكن لدينا مجلس الأوصياء (يضحك). لدينا وجوه، ربما ليست كثيرة، لكنها كافية. وجوه يمكن أن تحصد أصوات الناخبين، لكنها لا تستطيع المرور من فلتر مجلس صيانة الدستور. على سبيل المثال لدينا عبد الله نوري وزير الداخلية الإيراني السابق في عهد خاتمي، فهو شخصية ممتازة، وإذا استطاع المشاركة في الانتخابات فإنه سيحصل على ما يكفي من الأصوات، لكن السيد خامنئي لن يسمح له (يضحك). كذلك السيد حسين كرباستشي عمدة طهران السابق، وهو أيضا يمكن أن يحصد الأصوات، ولهذا السبب ذهب إلى السجن (يضحك). أيضا هناك السيد محمد موسوي خوئيني ناشر جريدة «سلام». وفي زمن آية الله الخميني كان رئيس الهيئة القضائية، وهو قادر بدوره على حصد الأصوات. إذا لدينا ما يكفي من الوجوه وسط الإصلاحيين للوصول للرئاسة إذا كانت الانتخابات حرة. لكن لكل واحد من هؤلاء ملف قضائي، وكلهم دخلوا السجن لفترة بسبب انتقاداتهم للنظام والحكومة، وبالتالي من غير المسموح لهم المشاركة في الانتخابات». لكن كثيرا من هذه الوجوه الاصلاحية قد لا يرغب بالضرورة في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. فالمواجهة مع أحمدي نجاد لن تكون سهلة، ولن تكون شعبية أى مرشح إصلاحي بحد ذاتها ضمانا للنجاح، حتى خاتمي نفسه، وفي انتخابات نزيهه قد لا يفوز، إذا لم تتعد نسبة المشاركة فوق الـ70%. ويقول عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة الإيراني السابق في عهد خاتمي لـ«الشرق الأوسط» إن كثيرا من السياسيين البارزين وسط التيار الإصلاحي لا يريدون المغامرة بحرق أوراقهم في هذه الانتخابات، موضحا: «من الأفضل الانتظار وتقويه الإصلاحيين وأحزابهم واستعادة صحفهم.. مثلما يقول المثل الشهير: مجتني الثمرة لغير وقت قطفها، كالزارع بلا أرض».

* غدا: مزاج إيران الرمادي