تهديدات طالبان.. تلاحق المهاجرين من باكستان إلى نيويورك

بعضهم تعرض للضرب أو الاختطاف لدى عودته إلى الوطن

TT

في يونيو (حزيران) الماضي، عاد بخت بيليند خان، الذي كان يعيش في برونكس ويعمل بأحد مطاعم الوجبات السريعة، إلى قريته في وادي سوات الذي يشهد الكثير من التوترات والذي يقع في شمال باكستان لزيارة زوجته وأبنائه السبعة للمرة الأولى منذ 3 سنوات. لكن حفل العشاء الذي أقيم ابتهاجاً بعودته إلى وطنه، تحول فجأة إلى ظلام مع ظهورعدة مقاتلين مسلحين يتبعون طالبان ويرتدون أقنعة عند باب المنزل، واتهموا خان بأنه جاسوس أميركي واختطفوه. وخلال الأسبوعين اللذين قضاهما في الأسر بمنطقة سلاسل جبلية قريبة، يقول خان: إنه تعرض للاستجواب مراراً حول ثروته وممتلكاته وطبيعة «مهمته» داخل الولايات المتحدة. وأخيراً، أُطلق سراحه مقابل فدية قدرها 8.000 دولار. وحالياً، تختبئ أسرته، التي تلقت تهديدات بالقتل حال عدم مغادرة المنطقة، في منطقة أخرى داخل باكستان. ويؤكد خان، 55 عاماً، الذي عاد حالياً إلى الولايات المتحدة ويعمل بمطعم للوجبات السريعة في ألبانيا، لمحاولة تعويض أصدقائه وأقاربه الذين تكبدوا ثمن الفدية:«إن سوات، جنتنا، تحترق الآن». ويقول مهاجرون باكستانيون من وادي سوات، حيث تخوض طالبان حرباً ضد قوات الأمن الباكستانية منذ عام 2007: إن بعض أقاربهم يتعرضون للتهديد والاختطاف، بل والقتل على نحو خاص على يد قوات طالبان التي تعتبرهم عناصر متواطئة محتملة مع الولايات المتحدة ومصادر ثرية للفدية. ويشير بعض المهاجرين أيضاً إلى تعرضهم لتهديدات داخل الولايات المتحدة من طالبان أو المتعاطفين معها، ويؤكد بعضهم تعرضه للضرب أو الاختطاف لدى عودته إلى الوطن. وقد أضافت هذه التهديدات بعداً جديداً على معاناة المهاجرين الباكستانيين الذين يؤكدون تعرضهم لمصاعب جديدة كل يوم، وأحياناً عدة مرات في اليوم الواحد. ويعاني الكثير من المهاجرين من أبناء وادي سوات المقيمين في نيويورك ، الذين تصل أعدادهم إلى عدة آلاف من طرد عائلاتهم من قراهم وتدمير منازلهم واختفاء أقاربهم. ويهيمن مصير الوادي على المحادثات التي تجري بين أبناء هذه الجالية. وفي هذا الصدد، يشدد زكريا خان، 30 عاماً، الذي يمتلك مطعمين في نيويورك ينتمي كافة العاملين بهما تقريباً والبالغ عددهم 15 فرداً لإقليم سوات: «هذا هو شغلهم الشاغل طوال الوقت». ورغم أن أبناء كل جالية تنتمي إلى دولة تعصف بها الصراعات يعانون عندما يحاصر أقاربهم الذين خلفوهم وراءهم في أتون هذا الصراع، يحمل المهاجرون من إقليم سوات أيضاً على عاتقهم عبء الاعتقاد بأن وجودهم داخل الولايات المتحدة يعرض أقاربهم داخل الوطن للخطر، حيث تفرض طالبان سلطتها على قطاعات واسعة من الإقليم الواقع على بعد حوالي 100 ميل شمال غرب إسلام آباد. علاوة على ذلك، يقول المهاجرون من سوات: إنه تولد لديهم الشعور بأنه كلما حاولوا تقديم العون لأسرهم في الوطن، زاد الضرر الذي ربما يتسببون فيه لهم، وهي معضلة بثت في نفوس الكثيرين منهم مزيجاً من العجز والخوف والحزن والشعور بالذنب. إذا تحدث هؤلاء المهاجرون علانية، يخشون من تعرضهم أو أقاربهم في باكستان للانتقام. ويؤكد بعض المنفيين الذين شاركوا في مظاهرات سياسية مناهضة لطالبان هنا أو ثاروا دعماً للمقيمين في سوات أنهم وأسرهم تعرضوا لضغوط جراء هذه النشاطات. ولا يجرؤ سوى القليلين منهم على مغادرة الولايات المتحدة خوفاً من فقدان أكبر مصدر رزق لأسرهم. في هذا السياق، يوضح خان، صاحب المطعم، أن: «السفر إلى هناك لإنقاذهم سيزيد الوضع سوءاً. إننا مصدر الدخل الوحيد لهؤلاء الأفراد. إذا ما غادرنا الولايات المتحدة، فلن يكون هناك من يعولهم». على الجانب الآخر، أعلنت الحكومة الباكستانية يوم الاثنين إبرامها اتفاقاً مؤقتاً مع طالبان في خضم وقف لإطلاق النار على مدار 10 أيام لإقرار الشريعة الإسلامية بالمنطقة وتجميد العمليات العسكرية هناك. لكن بعض المهاجرين من سوات أعربوا عن شكوكهم حيال إمكانية استمرار هذا الاتفاق ـ وخاصة أن اتفاقين آخرين سابقين فشلا خلال الأشهر الستة الأخيرة ـ وشرعوا في الاستعداد لاشتعال أعمال العنف بالمنطقة مجدداً. من ناحيته، قال إقبال علي خان، 50 عاماً، وهو الأمين العام للفرع الأميركي من حزب أوامي الوطني، وهو حزب سياسي علماني مهيمن داخل سوات، إنه تلقى ثلاثة اتصالات هاتفية تضمنت تهديداً له خلال الشهرين الماضيين. وأخبر المتصلون، الذين لم يكشفوا عن هويتهم، خان بأنه «نشط بدرجة مفرطة» وأمروه بأن يحضر معه مليون دولار خلال زيارته التالية لباكستان. وقال المتصل، طبقاً لرواية خان: «وإلا أنت تعلم ما سيحدث. نحن نعلم أسرتك». يذكر أن خان يمتلك أيضاً شركة لسيارات الليموزين مقرها في كوينز. أما أحدث الاتصالات فكانت الثلاثاء الماضي. وأشار خان إلى أن المتصل قال له: «لا تزال نشيطاً. هذا آخر إنذار لك». يوم الأربعاء، تلقى خان مكالمة مؤلمة من شقيقه، الذي كان في هذه اللحظة يختبئ في غابة تقع على أطراف أكبر مدينة في وادي سوات، منغورا، مع والده البالغ من العمر 97 عاماً. كان والد خان قد تلقى خطاباً في وقت سابق من ذلك اليوم من طالبان يحذرونه فيه من أنه سيتعرض للاختطاف حال عدم دفعه ما يزيد على 200.000 دولار. وحدد الخطاب ضرورة أن يحصل الأب على هذا المال من نجله الذي يعيش في الولايات المتحدة. وقال خان وصوته يختنق بالحزن: «والدي البالغ 97 عاماً لا يزال هارباً. إنها مأساة! مأساة!». يذكر أنه قبل اقتحام طالبان للوادي عام 2007، كان سوات منتجعاً متميزاً مخصصا لقضاء الإجازات، خاصة بين البشتون، وهي الجماعة العرقية المهيمنة على الإقليم. كان الوادي يعرف باسم «سويسرا الباكستانية» لما يتمتع به من قمم جبلية يغطيها الجليد وحدائق غناء وبحيرات ومروج خضراء مزدانة بالأزهار. لكن صناعة السياحة تلاشت في خضم الانتفاضة التي قادتها طالبان، وتشير بعض التقديرات إلى أن مئات الآلاف من المقيمين بالإقليم هجروا منازلهم، وفروا إلى منغورا أو مناطق أخرى من البلاد. من ناحية أخرى، استمر تدفق المهاجرين من وادي سوات لسنوات على الولايات المتحدة قبل أن يتحول إلى جبهة في الحرب الدائرة بين طالبان وقوات الحكومة الباكستانية. في الوقت الحاضر، يوجد في الولايات المتحدة ما يتراوح بين 6.000 و7.000 من أبناء الإقليم، حسبما أشار تاج أكبر خان، رئيس جمعية خيبر بالولايات المتحدة، وهي منظمة باكستانية خيرية وثقافية. داخل نيويورك، يعيش أبناء سوات بصورة عامة داخل الجالية الباكستانية الأوسع التي تتركز في كوني أيلاند وبروكلين وأستوريا، علاوة على أحياء أخرى. ويشتبه الكثير من أبناء سوات المقيمين هنا في وجود جواسيس يعملون لحساب طالبان بينهم، ويعكس هذا الشعور بالافتقار إلى الأمان مشاعر انعدام الثقة التي تسود الوادي الباكستاني، حيث يخشى الكثير من المقيمين قوات الأمن الباكستانية بقدر خوفهم من طالبان ولا يعلمون أي الجانبين عليهم الثقة فيه. ويبدو أنه بمساعدة بعض المتعاطفين معها من داخل الحكومة، باتت طالبان تتمتع بمهارة كبيرة في اقتفاء أثر الأموال القادمة من الولايات المتحدة، وتحولت بصورة متزايدة نحو اختطاف من يتلقون هذه الأموال بهدف ضمان الحصول على فدية ضخمة، حسبما يؤكد المنفيون. وقال أجاب، الذي يملك مطعم متخصص في تقديم الدجاج المقلي في باترسون بنيو جيرسي: إن طالبان اختطفت زوج شقيقته العام الماضي بالقرب من القرية التي تقطنها الأسرة في وادي سوات. وعلى امتداد 75 يوما في الأسر، أخبر أعضاء طالبان زوج شقيقته أن أحد أسباب اختطافهم له أنه له أقارب في الولايات المتحدة، بينهم أجانب. وأطلق مقاتلو الجماعة سراحه بعد أن دفعت أسرته 20.000 دولار. وأكد أجاب، 51 عاماً، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه الأخير لحماية أسرته: «نشعر بالحزن لأن أقاربنا يواجهون متاعب بسببنا». وبالرغم من أن العنف الذي تعرضت له عائلات المنفيين لم يكن كله بسبب وجود المنفيين هنا، فإن ذلك لا يخفف من معاناة المنفيين النفسية. قدم جيهان زادة إلى الولايات المتحدة عام 2001، تاركاً وراءه أسرته في سوات، وذلك بهدف الحصول على المال اللازم لبناء منزل أحلامه في موطنه ودفع تكاليف زواج أطفاله الخمسة في المستقبل. وعمل جيهان زادة في العديد من الأعمال التي لا تتطلب عمالة ماهرة في بوسطن ونيويورك.

وقال خلال لقاء أجري معه الأسبوع الماضي في مطعم للوجبات السريعة في بروكلين حيث يعمل: «كل ما أكسبه من مال أرسله إلى الوطن». واشترط جيهان زادة هو الآخر عدم الكشف عن هويته خوفاً من اجتذاب انتباه طالبان إلى وجوده في الولايات المتحدة. وقال: «لو علموا أنني هنا، سيؤذون أسرتي قطعاً. وإذا تلقوا معلومات بأنني تحدثت إليكم، ربما يأتون هنا ويستهدفونني». في وقت سابق من العام الماضي، اكتمل بناء المنزل، لكن جيهان زادة لم يره بعد، ذلك أنه لم يعد إلى باكستان منذ رحيله عنها منذ ثمانية أعوام مضت. خلال أعمال القتال التي اندلعت الصيف الماضي بين طالبان وقوات الأمن الباكستانية، أسقطت القوات العسكرية الباكستانية قنبلة دمرت المنزل. أما أسرة جيهان زادة فقد أخلت المنزل قبل بدء القتال وتعيش الآن في منغورا. وتم إرجاء زفاف ابنته الكبرى، الذي كان من المقرر إقامته الشهر المقبل. وأشار جيهان زادة إلى عجزه عن العودة إلى باكستان لأنه يجري النظر حالياً في طلبه الحصول على اللجوء السياسي إلى الولايات المتحدة. وقد تلقى صور للدمار الذي لحق بالمنزل. وفي سؤال حول شعوره عند رؤية الصور للوهلة الأولى، خفض رأسه وأداره في محاولة لإخفاء الحزن الذي طغى على وجهه. وظل على هذا الحال لمدة دقيقة كاملة من دون أن يتفوه بكلمة واحدة. وأخيراً، قال: «هذا هو حلم كل بشتوني: أن تكسب مالاً وتبني منزلاً يكبر فيه أطفالك وعندما تتقدم في العمر تستقر في هذا المنزل وتستمتع بالحياة. أشعر بالحزن لاضطراري البدء في الكفاح مجدداً».

* خدمة «نيويورك تايمز»