المفاوض الإسرائيلي مع حماس يتهم أولمرت بعرقلة مفاوضات التهدئة

عاموس جلعاد: عندنا يحسبون أن مصر موظفة لدينا ويسيئون إليها فما هو البديل عنها

TT

«أنا لا أفهم ما الذي يريده رئيس الحكومة (أيهود أولمرت)، بالضبط. ربما يكون قد ندم ويريد التراجع. ربما يفهم ان حماس تعيش في ظروف ضاغطة وهذا هو في نظره الوقت للمزيد من الضغط عليها لرفع ثمن التهدئة معها. وربما لا يريد التهدئة من الأصل. وقد يخشى من انفجار مظاهرات يمينية ضده في حالة قبوله اطلاق سراح 450 مخربا فلسطينيا أيديهم ملطخة بالدماء، لقاء اطلاق سراح جلعاد شليط. لم أعد أفهمه، وكذلك المصريون لا يفهمونه».

بهذه الكلمات شن الجنرال عاموس جلعاد، رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع، أمس، هجوما علنيا غير مسبوق على أولمرت.

وجلعاد هو ليس موظفا كبيرا في وزارة الدفاع ومقربا من الوزير أيهود باراك وحسب، بل هو المفاوض الرئيس باسم اسرائيل مع حماس عبر مصر. ولذلك فإن لكلماته وقعا مختلفا عن أي مسؤول آخر في اسرائيل، وتتردد أصداؤها اليوم في العالم أجمع. وجاءت اتهاماته لأولمرت لتؤكد ان اسرائيل هي التي تعرقل التوصل الى اتفاق التهدئة وتعرقل حتى اطلاق سراح الجندي الأسير شليط. وكان المراسل السياسي لصحيفة «معاريف»، بن كسبيت، قد استهل تقريره، أمس، بالاشارة الى ان عاموس جلعاد بدا مجروحا من تصريحات صدرت في الأيام الأخيرة عن مكتب أولمرت ضده واتهمته بعدم الاستقامة وبنقل مواقف اسرائيل مشوهة لمصر وانه يخلط عمليا بين موقفه الشخصي ووزيره باراك ومواقف الحكومة، واتهموه بأنه لم يوضح لمصر من البداية ان اسرائيل تصر على ربط قضية التهدئة بإطلاق شليط. ورد جلعاد بالقول: «أنا لست مسؤولا فوضويا لا يعرف كيف ينفذ مسؤوليته. انني أدون كل شيء وأوثقه. لم أسافر الى مصر وحدي في أية مرة. يرافقني دائما ضابط يتقن اللغة العربية وضابط آخر يوثق كل شيء. وقبل أن أسافر أجتمع مع قائدي الرسميين، رئيس الحكومة ووزير الدفاع وأتلقى منهما التعليمات وأكتبها بدقة، وبعد عودتي أجتمع في الليلة نفسها معهما وأبلغهما بالتطورات الدقيقة ولا أكتفي بهذا، بل حال مغادرة المكتب أجلس وأكتب تقريرا ألخص فيه كل شيء وأرسله في الليلة نفسها الى السكرتير العسكري لرئيس الحكومة وللمستشار السياسي، شالوم تورجمان، والى مكتب وزير الدفاع. وإذا حصلت أية تطورات أرفع سماعة الهاتف وأتكلم مع مكتب أولمرت أو باراك حتى لو كانت الساعة تقارب الرابعة فجرا».

واضاف جلعاد: «لا أدري ما الذي يحصل لأولمرت حقا. انه يقلب الأمور رأسا على عقب. فهل يريد أن يتخلص من الدور المصري؟.. هل يريد الاساءة لمصر؟.. حسنا. لقد أسأنا الى مصر بما فيه الكفاية. وهذا جنون حقا. أقول بكل بساطة إن هذا جنون. مصر، هذه الدولة التي تعتبر الوحيدة التي بقيت على مواقفها الثابتة من بين جميع الدول التي تتعامل معنا كصديقة. انظروا تركيا. انظروا الأردن. لم يبق أحد. مصر تتصرف بشجاعة مذهلة. صحيح انها لا تحارب تهريب الأسلحة بنسبة تزيد عن 60% كما يريد جهاز المخابرات الخارجية الاسرائيلية «الموساد»، ولكن هل هذا قليل؟.. دولة كبيرة ذات دور مركزي في المنطقة عدد سكانها 85 مليون نسمة، تتخذ هذه المواقف ومستعدة لمساعدتنا في التوصل الى تهدئة والى تبادل أسرى، فكيف يمكن أن نسيء اليها على هذا النحو؟.. هل نحسب انها موظفة لدينا؟».

ويوضح جلعاد قضية صفقة تبادل الأسرى حول شليط، وهنا أيضا يوجه اتهامات خطيرة الى أولمرت: «ليس واضحا لي موقف أولمرت أيضا في قضية شليط. فأين عوفر ديكل (ممثل رئيس الوزراء في مفاوضات تبادل الأسرى). لقد اختفى. انه في رحلة استجمام خاصة خارج البلاد. في البداية قدمنا لائحة بأسماء 70 أسيرا فلسطينيا. ثم اختفينا. لم نعد نفاوض حول شليط. هل هكذا نريد أن نعيد شليط؟.. أنا أقول لكم انه إذا قررنا اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين سيعود شليط الى أهله في غضون 24 ساعة. إذا نقلنا الأسرى الى حاجز ايرز (بيت حانون، شمال قطاع غزة)، فإن شليط سيتحرر في اللحظة نفسها. وليس هناك من وسيلة أخرى لإطلاقه، وأنا أتكلم كجنرال في الجيش. حتى إذا احتللنا قطاع غزة بالكامل، لن نستطيع اطلاق سراحه إلا إذا اصطدمنا بالصدفة به ووصلنا بالصدفة الى الخندق الذي يحتفظونه به فيه». واضاف «وإذا فكرنا في كسر غزة بالقوة لتمنحنا شليط تحت التهديد، فإن تفكيرنا يكون خاطئا ويدل على فهم خاطيء للعرب. فحسب العقلية العربية يمكن ان يجوع الفلسطينيون حتى الموت ولا يرضخوا لنا. لقد نجحنا في المفاوضات على ايجاد ربط معين بين قضية شليط وقضية المعابر. واتفقنا على فتح المعابر ولا ندخل عبرها الأسمنت والحديد وغيرها من المواد الأساسية للبناء، إلا بعد التوصل الى اتفاق حول شليط. وفجأة نخرج بموقف آخر. أولا شليط ثم المعابر. كيف تنظر مصر الينا الآن؟.. هل يوجد عندنا بديل جدي للوساطة المصرية؟.. من سيستطيع ان يحل محل مصر بالله عليكم؟.. قطر؟ أليس هذا مضحكا؟».

وأثارت هذه التصريحات هزة كبرى في اسرائيل وراح المقربون من أولمرت يهاجمون جلعاد ويتهمون باراك بالوقوف وراءه في اطلاق هذه التصريحات واعتبرها البعض وقاحة ووصفها اخرون بالخطيرة استراتيجيا، ففي نهاية المطاف جلعاد موظف دولة. وهاجموه في جلسة الحكومة ووبخه أولمرت. ولكنهم لم يستطيعوا التقليل من أهميتها في توضيح حقيقة ما يدور في مفاوضات القاهرة.