فلسطينية فقدت والدها و3 من اخوتها: طائرات الموت دفنت أحبائي فأين العدالة؟

ضحايا العدوان الإسرائيلي يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» عن معاناتهم

TT

من الصعوبة بمكان على المرء تحديد ملامح وجه محمد الحداد، 25 عاماً، الذي يرقد منذ أكثر من خمسة أسابيع في قسم الجروح في مستشفى «دار الشفاء» في مدينة غزة. فقبيل انتهاء الحملة على القطاع بعدة أيام وعندما شرع الجيش الإسرائيلي في اقتحام حي تل الهوى، حيث يقطن محمد، فرّ مع عائلته في السيارة الخاصة التي كان يقودها والده، فما كان من طائرة هليكوبتر إسرائيلية إلا أن ألقت على السيارة عدة قنابل من الفسفور الأبيض، فقتل على الفور والده عدي 55 عاماً، وأمه إحسان 45 عاماً، وشقيقه حاتم 23 عاماً، وشقيقته آلاء 14 عاماً، بعدما انصهرت جثثهم بعد تأكسدها السريع بفعل الفسفور. ونجا محمد من موت محتم مصابا بحروق بالغة من الدرجة الثالثة في الرأس والرجلين واليدين، إلى جانب فقده عينه اليسرى واستئصال طحاله. ويؤكد الأطباء أن الحداد بحاجة إلى المكوث فترة طويلة في المستشفى لإجراء عمليات تجميل معقدة لكي يستعيد جسمه شكله الطبيعي ما أمكن. وقال الحداد لـ«الشرق الأوسط» إن ما تعرضت له عائلته هو ثمن نجاح زعيمة حزب «كاديما» تسيبي ليفني في الانتخابات الإسرائيلية. ورغم فداحة ما ألم به ورغم الملل الذي يشعر به جراء مكوثه وقتاً طويلاً في المستشفى، إلا أن محمد يحافظ على معنويات عالية، ويؤكد أنه سيعمل على بناء أسرة جديدة وأنه قادر على تحمل الصدمات.

وفي قسم العظام بالمستشفى يرقد رمزي عز الدين، 27 عاماً، الذي يقطن منطقة التوام، أقصى شمال مدينة غزة، حيث يعاني من كسور في أنحاء متعددة من جسده، فضلاً عن تآكل عضلات القدم السفلى، بعد مكوثه في المستشفى 34 يوماً. وأصيب عز الدين بالجراح جراء انهيار جزء من منزله بعد تعرضه للقصف. ويحمّل رمزي إسرائيل والمجتمع الدولي المسؤولية عما يعانيه. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يصف عز الدين السياسة الإسرائيلية بالفاشلة لأنها «استهدفت المدنيين الفلسطينيين بدون ذنب ارتكبوه، ولن تجني إلا مزيداً من الحقد والغضب».

ميرفت حويج، 22 عاماً، التي أصيبت بجراح جراء تدمير منزلها غير قادرة على التحرر من الشعور العميق بالحزن والصدمة بعد أن قتل في عملية القصف والدها وشقيقتها التوأم فادية ومحمد 8 أعوام واحمد 6 أعوام. وقالت حويج لـ«الشرق الأوسط» إنها أصيبت في القصف بتمزق في أمعائها ونزيف داخلي، حيث أجريت لها عمليتان جراحيتان. وتضيف «طائرات الموت دفنت أحبائي تحت الركام، فأين العدالة العالمية من جرائم الاحتلال التي تمارس ضد المدنيين؟»، منهية حديثها بالقول «حسبي الله ونعم الوكيل».

ومن أقسى مظاهر المعاناة الإنسانية الناجمة عن الحرب، مشاهد المشردين الذين تقطعت بهم السبل بعد أن قام الجيش الإسرائيلي بتدمير منازلهم. أحد هؤلاء هي الحاجة فاطمة جنيد التي تقطن في شارع القرم، في حي الشعف، شرق مدينة غزة، التي دمر الجيش منزل عائلتها المكون من ثلاثة طوابق، الذي كان يؤوي 22 شخصا، هم أبناؤها وأحفادها. وتحدثت العجوز السبعينية إلى «الشرق الأوسط» تشكو الحياة في معسكر الخيام الذي أقيم في المكان لإيواء أصحاب المنازل المدمرة. فقالت إن جميع أحفادها الأطفال أصيبوا بوعكات صحية مختلفة مثل السعال والإنفلونزا جراء البرد القارس والرياح العاتية التي عصفت بالمنطقة وأدت إلى تدمير الخيمة التي كانت تؤويهم. وبعيون دامعة تشير العجوز إلى الحقل الذي تملكه العائلة في المكان، الذي تحولت الأشجار فيه إلى بقايا أغصان جافة تصلح لتكون حطباً في أفضل الأحوال. وتذكرت الحاجة فاطمة كيف استهانت هي وعائلتها وجيرانها بالمنشورات التي ألقتها طائرات الهليكوبتر الإسرائيلية على المنطقة مطالبة الأهالي بمغادرة المكان، إذ لم تصدق أن الجيش الإسرائيلي سيدمر هذا الحي ليتحول إلى ما يشبه منطقة ضربها زلزال، لا يرى الزائر فيه إلا أكوام الركام التي تبعث اليأس في كل مكان. وأضافت الحاجة فاطمة أن جميع أفراد عائلتها توزعوا على منازل أقارب لها يقيمون في بلدة جباليا، شمال القطاع بعد أن انهارت الخيام إثر الرياح العاصفة التي ضربت المنطقة. ولم يكن جميل عوكل، 42 عاماً، أفضل حالاً من جارته الحاجة فاطمة، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» انه يواظب على الجلوس على ركام منزله، ولا يغادره إلا عندما يتوجه لأداء الصلاة في المسجد المجاور. وما يطالب به كل من فاطمة وجارها هو أن يسارع كل ذوي الشأن في إعادة إعمار المنازل المدمرة حتى يتسنى للأهالي الإقامة في ظروف حياة طبيعية.

ومن آلاف المتضررين في الحرب الإسرائيلية المدمرة، مصطفى العجيلي، صاحب محل للصرافة في حي الرمال تعرض للقصف في بداية الحرب على القطاع. بينما يقوم العمال بإعادة ترميم المحل الذي دمر بشكل جزئي، جلس العجيل في الشارع خلف طاولة صغيرة يزاول عمله في تغيير العملة لزبائنه، مؤكداً أن الكثير من الناس تضامنوا معه، وزاد الإقبال على خدماته.

ويستهجن العجيلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يسلم العالم بإعفاء إسرائيل من تبعات عملية إعادة الإعمار، معتبراً أن إسرائيل تتحمل لوحدها المسؤولية عن تدمير القطاع، وعليها أن تمول عملية إعادة الإعمار حتى لا تجرؤ في المستقبل على تكرار ما حدث.