التنومة «خاصرة» البصرة الرخوة القريبة من إيران.. ساحة معركة وممر للتهريب بكل أشكاله

مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط»: المنطقة مقياس بياني للعلاقة العراقية - الإيرانية

ثلاثة أشخاص يصطادون السمك في منطقة العشار قبالة منطقة التنومة («الشرق الأوسط»)
TT

يستأثر الموقع الجغرافي لقضاء شط العرب، وهو واحد من سبعة أقضية تابعة لمحافظة البصرة، الذي لم يتخل سكان المحافظة عن تسميته القديمة بمنطقة (التنومة)، باهتمام كبير لدى القيادات السياسية والعسكرية والأمنية منذ عام 1980 وإلى الآن، كونها المدينة الوحيدة التي تقع على الضفة الشرقية لمجرى شط العرب ولا تبعد أكثر من 16 كيلومترا عن الحدود العراقية الإيرانية.

ورغم أنها من المدن القديمة التي امتازت بموقع سياحي متفرد، حيث تقابل شارع الكورنيش من الضفة الأخرى  ولا يفصلها عن المركز التجاري للعشار غير الجسر العائم الذي يمثل (الحبل السري) لسكانها البالغ تعدادهم أكثر من ربع مليون نسمه، وتعد من أشهر مناطق بساتين النخيل وفيها شيدت مباني جامعة البصرة عام 1964، قبل انتقالها إلى مركز المدينة وترتبط عبر منفذ الشلامجة الحدودي بشبكة طرق مواصلات حديثة للتجارة الدولية مع إيران، إلا أن هذا الموقع جعل منها «خاصرة» البصرة الرخوة، عندما تحولت إلى جزء من ساحة العمليات العسكرية خلال ثمانية أعوام متواصلة من الحرب العراقية الإيرانية ما اضطر سكانها إلى تركها بعيدا عن ويلات الحروب، ولجأ النظام السابق إلى طردهم منها بعد أن تحولت إلى إحدى قواعد انطلاق الانتفاضة عام 1991 ولم يسمح لهم بالعودة إليها إلا بعد خمسة أعوام من التشرد .

ومنذ الغزو الأميركي عام 2003، تتعرض المدينة إلى عمليات دهم واعتقالات، سواء من القوات البريطانية أو الأجهزة الأمنية العراقية بادعاء مطاردة المسلحين الذين اتخذوا منها مثابات ومواقع لوجودهم والتسلل عبر الحدود وموقعا نشطا للتهريب بكل أنواعه. وتبدأ حكاية المدينة كما رواها المعمرون من سكانها لـ«الشرق الأوسط» بعد أن وصفوا توزيعها السكاني بهيئة شخص جالس قبالة تفرع نهر العشار من الضفة المقابلة لشط العرب مادا ذراعيه بشكل أفقي، يمثل جسده مركز المدينة، والذراعان هما امتداد للقرى التابعة لها منتشرة على حافات شط العرب ابتداء من منطقة الفيحاء شمالا وحتى ملتقى الحدود البرية لمدينة المحمرة الإيرانية مقابل قضاء أبي الخصيب من الضفة الغربية للشط، إنها قرية صغيرة دخلها الجيش البريطاني أول مرة عند احتلال العراق عام 1917 وكغيرها من مدن المحافظة كان يتوسطها تل صغير، اتخذت منه الحاجة (نومه) مكانا لبيع ما يحتاجه أطفال القرية وملتقى الفلاحين لتناول الشاي، حتى شاع اسم المكان من (تل نومه) إلى (تنومة) لسهولة النطق، وبقي محافظا على اسمه الشعبي إلى الآن.

وقال مصدر امني طلب عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» إن «التنومة من أكثر المناطق خطورة على الجانب الأمني بالمحافظة، وتمثل مقياسا بيانيا للعلاقة العراقية الإيرانية، وتزداد سخونته بين فترة وأخرى وحسب التداعيات الإقليمية والعلاقات الدولية في المنطقة، إذ كشفت مصادر المعلومات، سواء كانت الوطنية أو لقوات التحالف، أن المنطقة تشكل منفذا مهما لتسلل المسلحين ودخول الأسلحة والدعم اللوجستي للجماعات المعارضة للحكومة». وأوضح «وإذا كانت قوات الحدود قادرة على فرض سيطرتها على المنفذ الرئيسي في منطقة الشلامجة الذي يشهد بشكل يومي دخول المئات من الشاحنات الناقلة لمختلف السلع والبضائع المستوردة  وفي مقدمتها المواد الغذائية والإنشائية إضافة إلى آلاف الزوار الإيرانيين، فإن المناطق المحاذية لها التي تمتد لمئات الكيلومترات والمحتوية على حقول كبيرة من الألغام والمقذوفات غير المنفلقة لا يمكن إحكام السيطرة عليها ما لم يجر تنظيفها من تلك الحقول وربط نقاط المراقبة بطرق مواصلات». وأشار «تلك العوائق سهلت للمتسللين والمهربين اجتياز تلك الحدود وإيجاد المتعاونين معهم من سكن المنطقة، ولا سيما من الشبان العاطلين الذين تطاردهم الأجهزة الأمنية».

ويرى جاسم حمادي (مدير دائرة السينما والمسرح في البصرة وهو من سكان المنطقة انه «يمكن القول إن منطقة التنومة من أكثر مناطق العراق تعرضا إلى الويلات وذاق سكانها مرارة التهجير لثلاث مرات أولاها في فيضان المدينة عام 1969، وبدلا من أن تأخذ السلطات المحلية معاناة سكانها بعين الاعتبار وتسعى لتحسين أوضاعهم، وتعوضهم عن إضرارهم وتحسن الخدمات العامة، ازدادت الخدمات سوءا»، مستدركا «أن جمال المدينة ببساتين نخيلها وشواطئها منح مبدعيها حيزا له حضور في المحفل الثقافي والإبداعي بالمحافظة، حيث ظهر من بينهم الفنان المرحوم رياض احمد وغيره من رواد الحركة الفنية، كما برز في المجال الرياضي للمدينة رياضيون من أشهرهم لاعب كرة القدم السابق  والمدرب حاليا هاشم محمد حنون الذي يفتخر حين يطلق علية الأهالي (هاشم جوية) لارتباط اسمه بنادي القوة الجوية العريق».