حرب أوباما على الإرهاب قد تشبه حرب بوش في بعض الأمور

الاستخبارات الأميركية ستستمر في برنامج نقل المشتبه فيهم بالإرهاب إلى دولة ثالثة

صبي أفغاني يلعب الكرة الطائرة مع جندي أميركي من الكتيبة 32 مشاة خلال زيارتها لمنطقة خاس كونار شرق أفغانستان (رويترز)
TT

في الوقت الذي تتخلى فيه إدارة أوباما عن بعض وسائل التحقيق القاسية وغيرها من الأشياء التي أثارت جدلا كبيرا بشأن حرب إدارة جورج دبليو بوش على الإرهاب، تعطي الإدارة الجديدة إشارات تفيد باستمرار محددات بارزة أخرى لسياسة الإدارة السابقة في الحرب ضد تنظيم «القاعدة». فقد وافق مرشحو أوباما للمناصب البارزة على استمرار برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الخاص بنقل السجناء إلى دول أخرى دون تمتعهم بحقوق قانونية، وعلى اعتقال المشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية إلى أجل غير مسمى دون محاكمتهم، حتى لو ألقي القبض عليهم بعيدا عن مناطق القتال. واتبعت إدارة أوباما أيضا رأي الفريق القانوني لبوش الذي كان يقول إن القضايا التي يرفعها المعتقلون السابقون لوكالة الاستخبارات المركزية يمكن غلق ملفاتها اعتمادا على مبدأ «أسرار الدولة». وتركت الإدارة الباب مفتوحا لاستئناف المحاكمات أمام اللجان العسكرية. وفي بداية الشهر الجاري، بعد أن ذكرت محكمة بريطانية ضغوط الولايات المتحدة لتبرير رفضها نشر معلومات حول عمليات تعذيب مزعومة تعرض لها معتقل داخل سجن أميركي، أصدرت إدارة أوباما بيانا تشكر فيه الحكومة البريطانية «على التزامها المستمر بحماية المعلومات الحساسة الخاصة بالأمن القومي».

وقد أوحت هذه الإشارات وغيرها بأن التغييرات التي سوف تقوم بها الإدارة ستكون أقل مما يأمل الكثيرون، وهو الأمر الذي تسبب في تنامي القلق بين مؤسسات الحريات المدنية وعزّز من موقع داعمي السياسات السابقة التي كانت متبعة خلال رئاسة بوش. وفي مقابلة أجريت معه، أكد محامي البيت الأبيض غريغوري كريغ، على أن الإدارة لا تتبع المنحى الذي اعتمده بوش مع العالم، لكن قال كريغ إن الرئيس أوباما ينوي تجنب أي نهج يعتمد على الشعارات في تقرير ما يجب القيام به إزاء سياسات مكافحة الإرهاب التي ورثها عن الإدارة السابقة. ويقول كريغ: «نخطط لطريق جديد نحو الأمام، واضعين في الاعتبار أمن الشعب الأميركي والحاجة إلى الالتزام بحكم القانون. هذه هي الرسالة التي سوف نقدمها إلى مؤيدي الحريات المدنية ومؤيدي سياسات بوش».

وبعد أيام من تنصيبه، بعث أوباما السرور بين مؤسسات الحريات المدنية عندما أصدر أوامر تنفيذية يتعهد فيها بمقدار أقل من التكتم، وإلزام المحققين التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية باتباع الوسائل المذكورة في الدليل الميداني للجيش، ووعد بإغلاق السجون السرية التابعة للوكالة وإغلاق معتقل غوانتانامو خلال عام ووقف المحاكمات أمام اللجان العسكرية. لكن خلال الأسابيع الأخيرة، بدت الأمور أكثر ضبابية. فقد قالت إلينا كاغان، المرشحة لمنصب محامي الحكومة الأميركية، إن المشتبه في مساعدته في تمويل«القاعدة» يجب أن يطبق عليه قانون ميدان «الاعتقال غير محدد المدة دون محاكمة» حتى لو لم يلق القبض عليه في منطقة قتال. ويكشف تأييد كاغان لتفسير فضفاض لكلمة «ميدان القتال» عن تلاق مع جوهر مواقف بوش. وترى مؤسسات الحريات المدنية أن مَن يلقى القبض عليه بعيدا عن مناطق القتال يجب ألا يسجن إلا بعد محاكمته. وكشف مرشح أوباما لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا عن ثغرة في القيود التي فرضها أوباما على التحقيقات. ففي جلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس، قال بانيتا إنه إذا كانت الوسائل التي تمت الموافقة عليها «غير كافية» لدفع المعتقل إلى الكشف عن تفاصيل يشك في علمه بها حول هجوم محتمل، فإنه سوف يطالب بـ«سلطات إضافية». وأكد بانيتا على أن الرئيس لا يمكنه إهمال قوانين مكافحة التعذيب، كما زعم محامو بوش. وقال إن الإيهام بالغرق، الذي قالت عنه إدارة بوش انه قانوني، يعدّ تعذيبا. لكن، قال بانيتا أيضا إن وكالة الاستخبارات المركزية قد تستمر في البرنامج الذي بموجبه يتم نقل المشتبه فيهم بالإرهاب إلى دولة ثالثة. وقال بانيتا إنه يحتمل أن تستمر الوكالة في نقل المعتقلين إلى دولة ثالثة وسوف تعتمد على التطمينات الدبلوماسية باتباع أسلوب معاملة جيد، وهو نفس الإجراء الذي كانت تتبعه إدارة بوش، الذي قال عنه منتقدون انه غير فعال. وأشار كريغ إلى أنه في الوقت الذي قرر فيه أوباما «عدم تغيير الوضع الراهن على الفور»، فإنه قد قام بتشكيل قوة مهام لدراسة «سياسة نقل المعتقلين إلى دول أخرى وما يتماشى مع التزامنا بحماية البلاد».

ودعا إلى التحلي بالصبر حتى تقوم الإدارة بمراجعة البرامج التي ورثتها عن بوش. وقال إن هذه العملية بدأت بعد الانتخابات عندما سافرت قيادات وكالة الاستخبارات المركزية والجيش إلى شيكاغو لاجتماع مطول مع أوباما ومستشاريه للأمن القومي. وبعد ذلك أرسل أوباما مستشاريه إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية «للنظر إلى أفضل طريقة لاستمرار الممارسات التي كانت تطبق خلال إدارة بوش». وتثني مؤسسات الحريات المدنية على الأوامر المتحمسة التي اتخذها أوباما بشأن الأمن القومي، لكن يقول آخرون إن هناك إشارات مثبطة. فعلى سبيل المثال، أبلغت وزارة العدل في إدارة أوباما الأسبوع الماضي إحدى محاكم الاستئناف، بأن إدارة بوش كانت على صواب في وقف النظر في قضية رفعها معتقلون سابقون لدى وكالة الاستخبارات المركزية بدعوى «أسرار الدولة». وكان المعتقلون قد قالوا إن شركة تابعة لبوينغ ساعدت على نقلهم جوا إلى أماكن تعرضوا فيها للتعذيب. وتقول مارغريت سترثويت، المدير بمركز حقوقي في كلية القانون التابعة لجامعة نيويورك: «إنها عودة لبوش، وهي الحجج القانونية ذاتها التي قدمتها إدارة بوش إلى المحكمة». وأرجأت الإدارة أيضا البت في العديد من القضايا التي ستظهر ما إذا كانت هذه الإدارة سوف تتبع نفس سياسات بوش أم ستتخلى عنها، ومن بين ذلك السجن دون محاكمة لـ«المقاتلين الأعداء» في السجون الموجودة داخل الولايات المتحدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»