«الأصالة والمعاصرة» المغربي يعقد مؤتمره التأسيسي اليوم

وسط تساؤلات حول إشكالات يطرحها وضع عرابه داخل المشهد السياسي بالبلاد

TT

يعقد حزب «الأصالة والمعاصرة» المغربي اليوم، في بلدة بوزنيقة (جنوب الرباط)، مؤتمره التأسيسي، وذلك قبيل أربعة أشهر فقط من موعد الانتخابات البلدية المزمع تنظيمها يوم 12 يونيو (حزيران) المقبل. ويأتي انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب الجديد في سياق تساؤلات حول القيمة المضافة التي ستأتي بها الهيئة السياسية الجديدة، التي أثارت الكثير من اللغط، ونقعت الكثير من الغبار، في أجواء المشهد السياسي المغربي، ومدى قدرتها على تقديم الجديد لتحريك بحيرة الحياة الحزبية الراكدة.

ويعتبر فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في وزارة الداخلية، عراب الحزب الجديد، رغم ان أمينه العام المؤقت، هو النقابي واستاذ الفلسفة السابق، حسن بن عدي.

وكان عالي الهمة قد استقال او اقيل من مهامه في 7 اغسطس (آب) 2007، وهي الاستقالة او الاقالة، التي تلقاها الوسط السياسي باندهاش كبير، خاصة وان الهمة كان يعتبر الرجل الثاني في البلاد، ويمسك جيدا بتلابيب الأجهزة الأمنية ومفاصلها.

وكان بيان صادر عن الديوان الملكي، بثته آنذاك وكالة الأنباء المغربية، قد وضع حدا لمهام الهمة في وزارة الداخلية او «ام الوزارات»، كما كان يسميها المغاربة ايام الوزير القوي الراحل ادريس البصري، وذلك تلبية لرغبته في خوض الانتخابات التشريعية لكي يساهم في النهوض بمنطقته الرحامنة، التي عانت طويلا من التهميش وانعدام التنمية.

وبموازاة مع ذلك، أعلن الهمة ان ليست لديه أجندة سياسية لديه، بيد ان الواقع اثبت عكس ذلك، وظهر للعيان ان الرجل له اجندات متعددة، لا سيما بعد فوز لائحته المستقلة بثلاثة مقاعد نيابية في المنطقة التي ترشح فيها، ليبدأ بذلك سباق المسافات الطويلة بسرعة فائقة، جعلت معظم ألوان الطيف السياسي في البلاد تنظر اليها بمنظار الريبة والشك. وهكذا، استطاع الهمة ان يلج عالم السياسة الحزبية الواسع، عبر عضوية مجلس النواب، وهي العضوية التي اهلته في ظرف وجيز لان يجمع حوله كتلة نيابية من شتات احزاب يمينية صغيرة متعددة المشارب، تموقعت في الضفة المساندة لحكومة عباس الفاسي.

فالهمة الذي ترشح مستقلا وفاز، دانت بين يديه في البرلمان قطوف احزاب كانت تحسب في الماضي على الوزير الراحل ادريس البصري، الأمر الذي جعل خصومه السياسيين يتهمونه بالسعي لإعادة عقارب الساعة الى الوراء عبر تجميع شتات احزاب صغيرة على غرار ما فعله الراحل احمد رضا كديرة، مستشار العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، في عقد الستينيات من القرن الماضي، حينما اسس« حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية»، التي عرفت اختصارا باسم «الفديك»، وهي جبهة رامت في حينها التضييق على الأحزاب السياسية ذات الامتداد الشعبي. فيما يرد مناصرو، عالي الهمة ان هذا الأخير يحمل مشروعا سياسيا يحظى بدعم العاهل المغربي الملك محمد السادس، بقصد بعث روح جديدة في العمل السياسي. بيد انه لم يسبق ان صدر عن القصر الملكي المغربي ما يفيد انه يساند هذا الحزب او ذاك، وان كان وصف عالي الهمة بأنه «صديق الملك»قد تردد بغزارة في الصحافة المغربية، وجعل حزبا اساسيا في الغالبية الحكومية، هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ينعته بـ« الوافد الجديد الذي يريد احتكار العمل السياسي».

ولا ينسى المتتبعون لمسار المولود الحزبي الجديد، البيان الصادر عن قيادة حزب القوات الشعبية الذي حذر من مغبة العودة الى منطق الحزب الوحيد، وهو البيان الذي شكل حدا فاصلا بين حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي أسسه الهمة، ومختلف التأويلات السياسية التي نبهت الى مخاطر تدخل السلطة في العمل الحزبي.

ويقول خصوم الهمة ان تشكيل «الفديك» في عقد الستينات من القرن الماضي، له ما يبرره، فالمرحلة آنذاك عرفت صراعا على السلطة بين القصر وأحزاب المعارضة، اما في الزمن الراهن فان الملكية تحظى باجماع مكونات المشهد السياسي في البلاد، وبالتالي فانها ليست في حاجة الى حزب جديد يحمل اسمها، خاصة وان الكثير من القيادات الحزبية المغربية تعتبر ان احزابها تعتبر «احزابا ملكية»، وبالتالي فإن الايحاءات السياسية التي تربط كل شيء بارادة المراجع والدوائر الرسمية العليا في البلاد، اصبحت في نظرها مسألة غير مقبولة، وتذكر بالاساليب التي كانت سائدة ايام الوزير البصري.

وثمة نقطة اساسية ينبغي التوقف عندها، ذلك ان الاحزاب التي كانت اقرب الى نفوذ البصري مثل «الوطني الديمقراطي» و«العهد»و«التجمع الوطني للأحرار»، الى جانب تيارات خرجت من معطف الحركة الشعبية، ذات المرجعية الامازيغية، هي نفسها التي حولها الهمة الى حصان طروادة في مواجهة حزب «العدالة والتنمية»، ذي المرجعية الإسلامية، فالهمة اعلن منذ البداية ان مشروعه الحزبي يروم التصدي للحركات الاسلامية، وخلخلة المشهد السياسي. هذا مع العلم انه كثيرا ما اعلن في تصريحات صحافية ان الفاعلين السياسيين يجب ان يمارسوا السياسة بنظارات المستقبل، وليس بنظارات الماضي، لكن المفارقة تكمن في ان الهمة، وهو عداء العهد الجديد، الذي وصل مبكرا الى اتون السياسة الحزبية في البلاد، ربما استعمل آليات قديمة للمضي قدما في تحقيق مشروعه المستقبلي.

ويبدو أن اشد ما يغضب الهمة هو أن ينظر خصومه الي تجربته السياسية بنظارات الماضي، والتركيز على انه حطب من اشجار «مزرعة احزاب» الوزير البصري.وفي سياق ذلك، ثمة اشكالات يطرحها وضع الهمة داخل المشهد السياسي والسلطوي المغربي.