معتقلو الأويغور الـ 17 في غوانتانامو مشكلة أمام أوباما

سيلعبون دورا في تحديد طبيعة العلاقة بين الإدارة الأميركية وبكين خلال الأشهر المقبلة

ابو بكر قاسم المفرج عنه من غوانتانامو إلى ألبانيا («لوس أنجليس تايمز»)
TT

تحدث حذيفة بارهات بائع الفواكه من الغرب الصيني المسلم- بطريقة تثير العاطفة أمام محكمة غوانتانامو عن حبه لأميركا، وأقسم أنه لم يخطط أبداً إلى محاربتها أو مهاجمتها.

ومع ذلك، فقد كانت للرجل الصيني قضية أخرى، حيث شهد المواطن الصيني ذو الأصول العرقية الأويغورية أمام المحكمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، قائلاً:«غادرت بلادي سعياً للحصول على شيء ما، ثم أعود أدراجي لأحرر شعبي، وأحصل على الاستقلال لبلادي». وبعد انقضاء 7 سنوات على اعتقالهم بالقرب من مرتفعات تورا بورا المتاخمة لأفغانستان وإرسالهم إلى معتقل غوانتانامو، بات واضحاً أن بارهات ورفاقه الصينيين الـ16 سيكونون أول معتقلي السجن العسكري في كوبا البالغ عددهم 245 والذين سيتم إطلاق سراحهم في ظل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. يُذكر أن الرئيس أوباما عقد العزم على أن إغلاق معتقل غوانتانامو أمر ذو أولوية خاصة، كما قضت المحاكم الفيدرالية حتى الآن أن معتقلي الأويغور لا يمثلون أي تهديد على الولايات المتحدة. من هذا المنطلق ثمة تساؤل يفرض نفسه، سيتم إطلاق سراحهم، ولكن إلى أين؟ فالصين تصر أن على أن أي مواطن من الأويغور سيتم إرساله إلى البلاد ستتم محاكمته على أنه من النشطاء الانفصاليين. بل مضت إلى أبعد من ذلك بإعلانها صراحة أن أي دولة ستوفر لهم اللجوء السياسي، فإنها بذلك ستؤوي فعلياً إرهابيين خطرين.

وفي هذا الصدد، قالت جيانغ يو- الناطقة باسم وزير الخارجية الصيني هذا الشهر:«فيما يتعلق بقضية الصينيين المشتبه بهم في الإرهاب، والمعتقلين في غوانتانامو، لقد ذكرنا مراراً أننا نعارض استقبال أي دولة لهؤلاء الأفراد». ومن الممكن أن تلعب الطريقة التي سيتم على أساسها معالجة قضية الأويغور دوراً في تحديد طبيعة العلاقة التي ستشكلها إدارة أوباما مع بكين خلال أشهرها الأولى. وقد أوضحت الصين من قبل أنها ترغب في أن يُنظر إليها على أنها حليفة في الحرب على الإرهاب، التي بدأت في الاقتراب من حدودها في الوقت الذي بدأت فيه الإدارة الأميركية تحول تركيزها من العراق إلى أفغانستان. وقررت محكمة استئناف أميركية رفض إطلاق سرح 17 من المعتقلين في غوانتانامو والسماح لهم بدخول أراضيها. وعلاوة على ذلك، يمثل مصير الأويغور موقفًا عصيباً لحلفاء واشنطن الغربيين، الذين أثنوا بدورهم على قرار أوباما بإغلاق غوانتانامو، إلا أنهم لا يريدون تعريض روابطهم التجارية مع الصين إلى الخطر. فيما ذكرت ألمانيا، وكندا، والسويد احتمالية منحهم للأويغور حق اللجوء السياسي. ويقول سابين ويليت- محامي بارهات، المقيم في ولاية بوسطن: «لا أحد يرغب في استقبال الأويغور نظراً للضغوط الصينية، فعندما نحدد موعداً لمقابلة المساعد الثالث لوزير الخارجية (لأي دولة)، نجد دائماً أن الوزير الصيني سبقنا، وتناول عشاء كاملاً مع وزير الخارجية» نفسه. يذكر أن الأويغور يعيشون في المقام الأول في السهول الشمالية الغربية الوعرة بالصين، بمنطقة تُعرف رسمياً باسم زينجيانغ، إلا أن الأويغور يطلقون عليها تركستان. وقد وجهت الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى انتقادات لاذعة إلى حكومة بكين لقمعها الحريات العامة والإقليمية بهذه المنطقة. وأفاد أفراد على دراية بالمباحثات داخل الإدارة بأن هناك فرصة ضئيلة للغاية في موافقة البيت الأبيض على إرسال الأويغور إلى الصين مرة أخرى، وذلك نظراً لليقين الراسخ بأنهم قد يتعرضون إلى التعذيب أو الإعدام إذا ما تم إرسالهم إلى هناك. ولكن على أساس نفور الحلفاء من قبول استقبال اللاجئين، تعتقد جماعات حقوق الإنسان، والمناصرين لحقوق الأويغور أن أوباما قد يضطر في النهاية إلى السماح لهم بالتوطن داخل ضواحي فيرجينيا في العاصمة الأميركية واشنطن، حيث يعيش فعلياً مجتمع كبير من الأويغور المنفيين. كما أن ثمة دلالات بإظهار الإدارة الأميركية بعض اللين تجاه الأويغور، بعد أيام من يوم تولية أوباما، إذ سُمح لبارهات بمهاتفة والدته للمرة الأولى منذ قرابة السبع سنوات. ورغم إتاحة الرئيس أوباما لإدارته فرصة قوامها عام لتقرير كيفية التعامل مع معتقلي غوانتانامو، إلا أن من الواضح أن قضية الأويغور باتت أكثر قرباً. فقد بدأ محامو الـ17 معتقلاً وجماعات حقوق الإنسان في الدفع لإطلاق سراح المعتقلين على وجه السرعة، منوهين أن العائق الوحيد الذي يحول دون حريتهم، كان قرار إدارة بوش باعتراض حكم المحكمة الصادر العام الماضي، الذي يقضي بإطلاق سراحهم على وجه السرعة. ومن المعروف أنه منذ قرابة 3 أعوام، أفرجت الولايات المتحدة عن 5 من الأويغور من معتقل غوانتانامو، وأرسلتهم إلى ألبانيا؛ وهي الدولة الوحيدة التي قبلت استضافتهم آنذاك. إلا أنه ثبت بعد ذلك أن البلقان غير مناسبة لاستقبال اللاجئين، كما تعرضت ألبانيا إلى الانتقاد والتوبيخ الشديد من قبل الصين نظراً لقبولها استضافتهم، مما حملها بعد ذلك على رفض استقبال أي معتقلين آخرين من الأويغور. وأوضح مسؤول بالبنتاغون ضالع في قضايا المعتقلين:«تلقى الألبان ضربة دبلوماسية واقتصادية، ولا أحد منهم يرغب في القيام بذلك مرة أخرى». ووفقًا لوثائق وسجلات المحاكم العسكرية غير المصنفة سرياً، التي أفرج عنها البنتاغون، فإن أعمار الرجال المعتقلين تتراوح فيما بين العشرينات وحتى منتصف الأربعينات. ويقول جميعهم تقريباً إنهم فروا من الصين هرباً من الفقر والقمع، وانتهى بهم الحال في أفغانستان، لأنها إحدى الدول القلائل القريبة، التي لن تعيدهم مرة أخرى إلى الصين. وأفاد بارهات في شهادته أمام المحكمة العسكرية في غوانتانامو، بأنه غادر زيانجيانغ في مايو (أيار) 2001، لأنه كان يجني قوت يومه بالكاد من بيع الفواكه، ثم نمت إلى مسامعه بعد ذلك بعض الإشاعات التي تفيد أن هناك معسكراً في أفغانستان يتدرب فيه الأويغور لمحاربة الصينيين. حينها، شق طريقه إلى المعسكر في تورا بورا، الذي كان يديره حسن محسوم، وهو زعيم انشقاقي معروف، يُعتقد أنه من أسس حركة غرب تركستان الإسلامية الراديكالية. وأقر الرجال بأنه في هذا المعسكر، يتجه الأويغور إلى تلاوة القرآن، والتدرب على استخدام الكلاشينكوف.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»