أوباما يوسع نطاق الضربات الصاروخية داخل باكستان

استهدفت معسكرات التدريب التابعة لبيت الله محسود في الشريط الحدودي

TT

وسعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال الأسبوع الماضي من نطاق الحرب السرية التي تشنها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية داخل الأراضي الباكستانية لمهاجمة شبكة الاصوليين التي تسعى لإسقاط الحكومة الباكستانية، عبر تنفيذ هجمتين صاروخيتين من طائرة دون طيار. تأتي الغارتان الصاروخيتان اللتان استهدفتا معسكرات التدريب التابعة لبيت الله محسود في إطار توسعة الحملة العسكرية الأميركية داخل باكستان، والتي تنفذ على نطاق واسع باستخدام طائرات بدون طيار. وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قد قامت بشن غارات على مقاتلي القاعدة وطالبان الذين يقومون بشن هجمات عبر الحدود في أفغانستان لكن تلك الهجمات لم تستهدف محسود وأتباعه الذين لم يلعبوا دورا مباشرا في الهجمات ضد القوات الأميركية.

كما تعد الهجمات دليلا آخر على أن الرئيس أوباما مستمر، إن لم يكن متوسعا في بعض الحالات، في سياسة إدارة بوش السابقة في استخدام وكالات التجسس الأميركية ضد الإرهابيين المشتبه بهم في باكستان كما وعد بذلك خلال حملته الرئاسية، غير أنه في ذات الوقت قام بإصدار أمر بوقف بعض من سياسات إدارة بوش بشأن اعتقال واستجواب الإرهابيين المشتبه بهم والتي انتقدها بأنها غير مجدية. وتمت الإشارة من قبل المسؤولين الباكستانيين والأميركيين العام الماضي إلى محسود بأنه يقف وراء اغتيال بي نظير بوتو رئيسة الوزراء السابقة وزوجة آصف على زرداري الرئيس الحالي لباكستان، وضم الرئيس بوش اسم محسود إلى القائمة السرية لقادة المقاتلين المصرح لقوات الكوماندوز الأميركية ورجال الاستخبارات المركزية بالقبض عليهم أو قتلهم.

ولم يتضح بعد السبب وراء قرار أوباما تنفيذ الهجمات، التي قال المسؤولون الأميركيون والباكستانيون إنها وقعت يومي السبت والاثنين، لتصيب المعسكرات التي تديرها شبكة بيت الله محسود، والذي لم يقتل بحسب المصادر الأميركية والباكستانية. ويقول المسؤولون إن غارة الاثنين كانت تستهدف المعسكر الذي يديره حكيم الله محسود أحد كبار مساعديه، وتحاول الولايات المتحدة من خلال قصفها للمعسكرات التابعة لمحسود أن تثبت لحكومة زرداري أن الإدارة الجديدة راغبة في تعقب المتمردين الذين يشكلون قلقا للقادة الباكستانيين.

بيد أن المسؤولين الأميركيين ربما يكونون قد أبدوا قلقهم من أن تعرّض هجمات المقاتلين الحكومة الباكستانية المدنية التي تمتلك أسلحة نووية إلى الخطر. كان مسؤولو المؤسسات العسكرية والاستخباراتية الباكستانية قد أبدوا استياءهم لشهور من رفض الولايات المتحدة قصف قواعد بيت الله محسود، بالرغم من قصف الطائرات الأميركية دون طيار لقادة القاعدة وقادة الشبكة التي يديرها جلال الدين حقاني، الذي يعتقد أنه مسؤول عن حملة العنف ضد القوات الأميركية في أفغانستان. وأوضح أحد كبار المسؤولين الباكستانيين أن الاستخبارات الباكستانية قدمت خلال الأشهر الأخيرة للولايات المتحدة تفاصيل استخباراتية حول أماكن وجود بيت الله محسود، لكن الولايات المتحدة لم تتصرف بناء على تلك المعلومات، ورد المسؤولون الأميركيون على ذلك باتهام الباكستانيين بالتردد في شن هجمات ضد محسود وشبكته.

تأتي الهجمات الجوية الأميركية في أعقاب الزيارة التي قام بها ريتشارد هولبروك المبعوث الأميركي إلى باكستان وأفغانستان الأسبوع الماضي. وقد رفض هولبروك التعليق على الهجمات ضد محسود خلال المحادثة الهاتفية التي أجريت معه يوم الجمعة، كما رفض البيت الأبيض التحدث عن محسود أو القرارات التي أدت إلى الهجمات الجديدة. ومن جانبه رفض المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التعليق على الأمر.

ومن المتوقع أن يقوم مسؤولون باكستانيون رفيعو المستوى بزيارة إلى واشنطن الأسبوع المقبل في وقت تتزايد فيه التوترات حول قرار إعلان الهدنة بين الحكومة الباكستانية والمقاتلين في إقليم سوات. وعلى الرغم من عدم انتقاد الإدارة العلني للحكومة الباكستانية إلا أن العديد من المسؤولين الأميركيين قد أعلنوا في المقابلات التي أجريت معهم خلال الأيام الأخيرة أنهم يعتقدون أن استرضاء المقاتلين لن يسهم إلا في إضعاف الحكومة المدنية في باكستان. وقال هولبروك إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وعدد من المسؤولين سيوضحون للمسؤولين الباكستانيين أسباب قلقهم مما يحدث في سوات والحاجة إلى إرسال المزيد من القوات إلى الغرب، والسبب في إسهام الموقف المتردي في المناطق القبلية في عدم الاستقرار في أفغانستان والتهديدات التي تواجهها القوات الأميركية. كانت المحاولات الباكستانية السابقة التي سعت إلى عقد اتفاقات مع المقاتلين قد باءت بالفشل، ومن ثم يعتقد العديد من مسؤولي الإدارة أنهم نجحوا في النهاية في إضعاف الحكومة الباكستانية. ويواجه مسؤولو إدارة أوباما نفس المشكلات العملية التي واجهتها إدارة بوش في محاولة دفع باكستان في اتجاهات متعددة، إذ لا تزال باكستان تدفع بغالبية قواتها على الحدود مع الهند عوضا عن تكثيفها على الحدود مع أفغانستان وتحتفظ وكالاتها الاستخبارية بعلاقات مشبوهة مع طالبان على الرغم من تلقيها معونات أميركية لمحاربتها. وبموجب السياسة الجديدة من العمليات السرية، لم تتبن أي من إدارة أوباما أو إدارة بوش من قبل الهجمات التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية داخل باكستان بصورة علنية. وقال مسؤولون أميركيون وباكستانيون إن الاستخبارات الأميركية تمكنت عبر استخدامها طائرات بدون طيار مثل «بريداتور» أو الطائرة التي يمكن أن تحمل أسلحة ثقيلة مثل «ريبر» من تنفيذ أكثر من 30 غارة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وقتلت العديد من رموز القاعدة من بينهم أبو جهاد المصري وأسامة الكيني الذي يعتقد بضلوعه في تفجير السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا عام 1998، وتفجيرات فندق ماريوت في إسلام أباد التي وقعت العام الماضي. كما نفذت القوات الأميركية الخاصة المتمركزة في أفغانستان عددا من العمليات في مناطق القبائل الباكستانية منذ بداية سبتمبر(أيلول) عندما شنت قوات الكوماندوز غارة قتلت فيها عددا من المقاتلين أدانها المسؤولون الباكستانيون، وصرح أحد كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين بأن مهمات قوات الكوماندوز باتت تتوجه بصورة أساسية نحو جمع المعلومات الاستخبارية منذ سبتمبر (أيلول). وسيضم الاجتماع الذي تستضيفه إدارة أوباما الأسبوع المقبل مسؤولين كبارا من الحكومتين الباكستانية والأفغانية، حيث يتوقع أن تعقد هيلاري كلينتون اجتماعا نادرا يوم الثلاثاء بين وزراء خارجية البلدين.

* خدمة «نيويورك تايمز»