وزيرة الخارجية الأميركية في آسيا: نحتاج إلى المساعدة.. نريد أن نسمع

كلينتون فرضت أسلوبها في الخارجية: لا مواعيد صارمة و.. تفاح نيويورك

TT

تقوم هيلاري كلينتون بحملة جديدة لتوصيل رسالة أخرى مفادها: أن الولايات المتحدة تريد أن تسمع. ومن أجل تحقيق ذلك، تتحدث كلينتون ـ في أول رحلة لها خارج البلاد ـ وهي في منصب وزيرة الخارجية، كثيرا ويمتلئ جدول مواعيدها بزيارات إلى العديد من مجالس البلديات وحضور فعاليات والمشاركة في برامج تلفزيونية وعقد اجتماعات مع قيادات محلية، الأمر الذي يجعل من هذه الزيارة أشبه بزيارة رئيس أو بالأحرى حملة رئاسية. قبل مغادرة إندونيسيا الاستوائية إلى سيول ـ التي علتها الثلوج يوم الخميس ـ اقتطعت وزيرة الخارجية ساعة تتجاذب أطراف الحديث فيها مع رئيس إندونيسيا، تلك الدولة الإسلامية. وظهرت أيضا في برنامج تلفزيوني شبابي يحظى بشعبية كبيرة واجتمعت مع مجموعة من الصحافيين الإندونيسيين، وأجابت على تساؤلات من خلال برنامج إذاعي وذهبت في جولة سير تناسب الحملات الانتخابية في منطقة تعيش فيها عائلات من الطبقة المتوسطة وتجمع حولها أعداد غفيرة من الإندونيسيين. قالت لأحد الرجال كان يرتدي طاقية فريق نيويورك يانكيز لكرة البيسبول: «أحب الطاقية التي ترتديها».

وقالت كلينتون في حديثها مع الصحافيين وهي مسافرة إلى سيول: «هناك عطش لكي تكون الولايات المتحدة حاضرة من جديد».

إلى حد كبير يمكن النظر إلى هذه الرحلة على أنها الحملة الجديدة لكلينتون: السعي إلى إصلاح صورة الولايات المتحدة في الخارج. وقد ساعد الرئيس أوباما في تمهيد الطريق لهذه المهمة بعدم التصرف بنفس الطريقة التي اتبعها سلفه جورج بوش. ولكن ليس من الواضح ما إذا كان ذلك الانتشار الشعبي سوف يثمر شيئا يتجاوز المزيد من العناوين في وسائل الإعلام الأجنبية، لا سيما عندما تكون السياسات الأميركية، وكيف ينظر إليها في مختلف أنحاء العالم، عنصرا محددا رئيسا في صورتها في الخارج. في كل مكان تذهب إليه في آسيا، تحاول كلينتون إظهار بعض الطرق الملموسة التي تأمل إدارة أوباما أن تختلف فيها عن سابقتها، مثل الالتزام بالتعامل مع التغير المناخي وتعيين مبعوث للسلام في الشرق الأوسط والعودة إلى التركيز على أفغانستان والسعي إلى التواصل مع خصوم الولايات المتحدة مثل إيران وكوريا الشمالية وبورما. تلعب كلينتون على فكرة أن مشاكل العالم، مثل الأزمة المالية والتغير المناخي والتطرف، ضخمة للغاية لدرجة أنه لا يمكن لأي دولة أن تتعامل معها بمفردها، وبالتأكيد ليست الولايات المتحدة. وتضيف أن علينا أن نتذكر كيف أن إدارة بوش ذهبت في حرب داخل العراق بمفردها (على الرغم من أنها وافقت على هذه الحرب). هذا ماضي. نحتاج إلى المساعدة. ونريد أن نسمع. قالت كلينتون للطلبة في جامعة طوكيو يوم الثلاثاء: «رحلتي هنا اليوم من أجل سماع آرائكم، حيث إنني اعتقد بقوة في أننا نتعلم بالاستماع إلى بعضنا بعضا. وهذا بالنسبة لي جزء من أول رحلة لي كوزيرة للخارجية». بعد وصولها إلى طوكيو، ذهبت لزيارة هيروفومى ناكاسونى، الذي قابلته أول مرة قبل 18 عاما، عندما كان برلمانيا. ويشغل ناكاسوني حاليا منصب وزير الخارجية في اليابان. وتناولت كلينتون الشاي مع صديقتها القديمة الإمبراطورة ميتشيكو، التي لا تقابل تقريبا المسؤولين العاديين في مكان إقامتها الموجودة في غابة وسط المدينة. ومع ذلك، هرعت الإمبراطورة لمصافحة كلينتون والتحدث معها بود عندما وصل موكبها. ولدى كلينتون أسلوب يختلف بصورة واضحة عن أسلوب سابقيها، حيث كان كولن باول، الجنرال السابق، يحيط نفسه بمساعدين عسكريين سابقين. وكانت كوندوليزا رايس، وهي أستاذة جامعية سابقا، تجمع حولها مجموعة تضم مفكرين في السياسة الخارجية ومساعدين صحافيين أذكياء. اعتاد الاثنان الذهاب إلى أماكن العمل مبكرا، مما جعل من جداول مواعيدهما أشبه بالمواعيد العسكرية. ولكن، أعضاء فريق كلينتون عبارة عن فاعلين سياسيين كانوا معها في مجلس الشيوخ وخلال أيامها عندما كانت السيدة الأولى. وكان من بين المسافرين معها هوما أبدين، وهو مساعد لكلينتون منذ فترة طويلة ويقوم في هدوء بإعطائها كوبا من الماء إذا خفت نبرتها خلال الكلام. وصحبها أيضا كيكي ماك ليسن، الذي عمل من قبل مساعدا صحافيا لبيل كلينتون عندما كان في مجلس القيادة بالحزب الديمقراطي وقت أن كان بيل كلينتون محافظا. تصل وزيرة الخارجية الجديدة في الثامنة صباحا إلى مبنى وزارة الخارجية، حيث تجد في مكتبها مخزونا ثابتا من تفاح ولاية نيويورك، وتجد جدولها فيه الكثير من المرونة ولا تبدأ الفعاليات التي تشارك فيها في الوقت المحدد. يبدو أنها تستمتع بحياتها بصورة كلية خلال رحلتها، على الرغم من وتيرة العمل من الصباح الباكر إلى آخر الليل. وخلال مأدبة عشاء أقيمت في التاسعة مساء مع القيادات المحلية في إندونيسيا، كان مساعدوها المجهدون يشعرون بالدهشة من الضحك الذي يعلو من مائدتها. ولا تتحدث كلينتون بطريقة دبلوماسية، ولكنها تتصرف بدرجة أكبر مثل سيناتور وهي تجيب على الأسئلة. أثرت العناوين الرئيسية في كوريا الجنوبية بتصريحات عن قضية الخلافة في كوريا الشمالية، هو الموضوع الذي ربما كانت تتجنبه رايس. ولدى كلينتون مهارة في استخدام الكلمات وعليها لمسة إنسانية رائعة. وقالت لرائدة فضاء يابانية إنها دائما ما كانت تحلم بأن تصبح رائدة فضاء عندما كانت طفلة صغيرة. ورفضت دعوة للغناء في برنامج الشباب في إندونيسيا، قائلة إن هذا سوف يجعل الجمهور يغادر الغرفة. يعلو صوتها بالضحك عندما تسمع ما يضحك. وتتحدث بجمل بسيطة مباشرة. ويساعدها أنها شخصية عالمية شهيرة بالفعل، شخص يستحق الاحترام من دون تكلف. قال لها أحد الطلبة اليابانيين: «شيء عظيم أن أقابلك». وقال لها صحافي إندونيسي: «نحبكم أنتما الاثنان»، في إشارة إليها وأوباما. وفي مقال في الصفحة الأولى كتبت صحيفة «جاكرتا بوست» إن الصحافيين امسكوا بأنفاسهم عندما وصلت كلينتون إلى مكان عقد المؤتمر الصحافي مع وزير الخارجية. ونقل عن أحد الصحافيين في المقال أنه قال: «تبدين أكثر جمالا من صورتك في التلفزيون». وفي إندونيسيا يبدو أن المواطنين مهتمون بقضية كيف أنها تمكنت سريعا من نبذ الخلافات بينها وبين منافسها أوباما. قالت كلينتون وهي تضحك إنه في دنيا السياسة «عليك أن تسمو فوق الآلام». وقالت في حديثها مع مجموعة من الصحافيين الإندونيسيين إنها شعرت بالدهشة كثيرا عندما عرض عليها أوباما المنصب «لم يكن هناك سبب يجعلني أفكر أو أتوقع أن ذلك يمكن أن يحدث وقد كان ذلك قرارا صعبا ولكن كان الرئيس أوباما مقنعا في نقاشنا». وأضافت كلينتون: «يركز الرئيس أوباما على مشاكلنا في الداخل، ولن يمكنه السفر كثيرا كما نود ولذا من المهم أن أخرج وأسافر بأقصى قدر لتوصيل رسالة مفادها أنه يريد أن يسمع العالم». بصيغة أخرى، إنها سوف تسمع في كل مكان.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»