أردوغان في ديار بكر يردد بالكردية.. «حظا سعيدا» للأكراد ولنفسه قبل الانتخابات المحلية

زار «معقل» الأكراد لكسب الأصوات وسط منافسة ساخنة بين العدالة والأحزاب الكردية

TT

يملك محمد علي متجرا صغيرا للجبن والزيتون بمدينة ديار بكر القديمة ولديه 11 ابنا بالغا.. جميعهم عاطلون. علي، وهو كردي مكتنز القوام في أواخر الخمسينات من عمره قال إنه لم يقرر بعدُ من الذي سيعطيه صوته حين تجري تركيا الانتخابات البلدية في 29 مارس (آذار) لكن أولوياته كانت واضحة. قال علي لوكالة «رويترز» وهو يشير إلى مقهى يغص بالشبان الذين كانوا يلعبون الورق والدومينو: «نحتاج إلى وظائف ومزيد من الاستثمارات خاصة للشبان». وأحجم محمد علي عن الكشف عن اسمه بالكامل خشية النيل منه. وديار بكر هي أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا الفقير الذي يغلب على سكانه الأكراد، وهي ساحة معركة في الانتخابات المحلية التي ينظر إليها على أنها استفتاء على حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي بدأ أمس زيارة إلى ديار بكر، في محاولة لجذب أصوات الأكراد. غير أن حزبه (العدالة والتنمية) يواجه منافسة كبيرة من الأحزاب الكردية في المنطقة التي تنتقد حكومة أردوغان بسبب سوء مستوى الخدمات في المنطقة والمشكلات الاقتصادية الكثيرة التي تعاني منها، والفقر والبطالة. ومن شأن تحقيق حزب العدالة والتنمية فوزا حاسما في الانتخابات المحلية أن يقوي قبضة الحزب على السلطة ويعطيه دفعة لمواصلة سياساته، بما في ذلك التعهد بإصلاح الدستور المستلهم من الجيش، وهي مسألة أساسية لمسعى أنقرة للانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي.

لكن مخاوف من أن البلاد تنزلق إلى الكساد نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية والبطالة المتزايدة، ومزاعم بالفساد كلها تمثل تحديات جديدة لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.

ومن المتوقع أن يحتل حزب العدالة والتنمية، الذي ظهر في انتخابات عام 2002 كائتلاف من المتدينين والمنتمين إلى يمين الوسط والقوميين، المركز الأول على المستوى الوطني بسهولة. ولا تتمتع المعارضة بالكثير من المصداقية وتفتقر إلى القدرة على الوصول إلى المدى الجغرافي الذي يغطيه حزب العدالة والتنمية. والفشل في الحصول على نسبة من الأصوات تضاهي نسبة 47 في المائة التي فاز بها الحزب في الانتخابات البرلمانية عام 2007 أو في الفوز بمدن مثل أزمير معقل حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض، قد يصيب الحكومة بالشلل في البلاد التي تتسم بالقطبية.

في ديار بكر يخوض حزب العدالة والتنمية صراعا على الأصوات ضد حزب المجتمع الديمقراطي الموالي للأكراد. وقال مستشار لأردوغان «يجب أن نفوز بديار بكر، حيث إن حل المسألة الكردية أساسي لاستقرار تركيا». وحصل حزب العدالة والتنمية - الذي كان ينظر إليه ذات يوم على أنه دخيل على السياسة الكردية التي تدار بأسلوب الضيعة الشخصية - على أكبر عدد من الأصوات في الأقاليم الكردية في انتخابات عام 2007 اعتمادا على وعود بتوسيع نطاق الحقوق للأقلية الكردية وتحقيق الرخاء الاقتصادي. لكن حزب العدالة والتنمية يعتقد أنه إذا أزاح حزب المجتمع الديمقراطي من معقله ديار بكر، سيعطي هذا الحكومة اليد العليا في حل الصراع الكردي المستمر منذ عقود من الزمن. وقتل نحو 40 ألف شخص منذ عام 1948 حين حمل حزب العمال الكردستاني السلاح، حيث كان يتطلع إلى إقامة وطن عرقي للأكراد. وقال دوجو ارجيل، خبير الشؤون الكردية «بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، يعني الفوز بديار بكر نهاية التمرد الكردي. ويعتقد حزب العدالة والتنمية أن السبيل لتطبيع الجنوب الشرقي سيكون من خلال الاستثمار وتحسين مستويات المعيشة». ودعمت الحكومة الإنفاق الاجتماعي والمساعدات للفقراء. ويقول منتقدون إن هذا يفسر تباطؤ أنقرة بشأن اتفاق للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، الذي يأتي بطبيعة الحال مع وضع حدود للإنفاق. في ديار بكر قامت الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية على الحاجة إلى بناء البنية التحتية، ومكافحة نسبة البطالة المرتفعة التي غذت صفوف حزب العمال الكردستاني لعقود من الزمن.

ويقول حزب المجتمع الديمقراطي الذي يواجه احتمال صدور حكم محكمة بحظر نشاطه بسبب صلاته المزعومة بحزب العمال الكردستاني، إن حزب العدالة والتنمية «يلعب لعبة سياسية ولا يريد حل المسألة الكردية». وأشار صلاح الدين ديميرتاس، نائب رئيس كتلة حزب المجتمع الديمقراطي بالبرلمان «حزب العدالة والتنمية لا يقدم حلولا لمشكلات الشعب الكردي»، مضيفا أن جذور العنف تكمن في نقص الحقوق الاجتماعية والثقافية والحقوق السياسية للأكراد.

لكن وفيما يقول قائد الجيش التركي الجنرال ايلكر باسبوغ إن الجيش وحده ربما لن يستطيع حل المشكلة الكردية، تتزايد الشكوك لدى كثير من الأكراد في أن حزب العدالة أفضل فيما يتعلق بالتعامل مع المسألة الكردية من الاحزاب الأخرى العلمانية التي حكمت قبل العدالة والتنمية. وفي 2005 كسر أردوغان المحرمات حين اعترف بأن تركيا لديها «مشكلة كردية». وساعد إطلاق قناة باللغة الكردية على التلفزيون الحكومي الشهر الماضي، قال فيها أردوغان جملة «حظا سعيدا» بالكردية، في إحراز رئيس الوزراء نقاطا بين ملايين الأكراد، خاصة أن القناة، التي تبث على مدار الأربع والعشرين ساعة، تعد اعترافا باللغة الكردية كلغة رسمية. ويتوقع أن يتحدث أردوغان بعض الكردية، وأن يركز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية خلال زيارته لديار بكر. لكن منتقدين قالوا إن أردوغان قام بتغريب الناخبين الأكراد في الآونة الأخيرة عبر استخدام نبرة قومية وتبني موقف أكثر ميلا إلى أسلوب الصقور تجاه حزب العمال الكردستاني والمسألة الكردية بوجه عام. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن احتمالات فوز حزب العدالة والتنمية وحزب المجتمع الديمقراطي متساوية في ديار بكر ومدن أخرى في الجنوب الشرقي. ومع اقتراب الانتخابات ازداد التوتر في ديار بكر.