شرودر في إيران: إحراج لأحمدي نجاد.. وتلميع لخاتمي الذي تحدث بالألمانية ومنح ضيفه «قصائد فارسية»

زيارة المستشار الألماني السابق لصديقه «طبيب الأعصاب» الإيراني.. تحولت إلى حدث سياسي

جلسة تسودها الأريحية بين خاتمي والمستشار الألماني السابق (يمين) (أ.ف.ب).. وأخرى بين أحمدي نجاد وشرودر حيث يبدو فيها شيء من التوتر بين الطرفين (أ.ب)
TT

كان المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر يريد زيارة إيران بشكل شخصي كضيف على طبيب الأعصاب الإيراني، ماجد زاميئي، وهو صديق قديم لشرودر من هانوفر منذ أن كان الأخير رئيس وزراء ولاية سكسونيا السفلى. وكان شرودر يعتزم خلال هذه الزيارة الاكتفاء بافتتاح مؤسسة علمية ووضع حجر الأساس لمستشفى أعصاب في مدينة راشت شمال إيران قبل أن يزور مدينة أصفهان التاريخية ويستقل طائرته عائداً إلى وطنه ألمانيا.

غير أن هذه الزيارة الشخصية في الأصل أصبحت حدثاً سياسياً أثار جلبة إعلامية في طهران وبرلين على السواء، لأن شرودر التقى مسؤولين إيرانيين بارزين بينهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومنافسه محمد خاتمي الذي أعلن ترشحه لمنصب الرئيس في الانتخابات المقبلة. وعن الزيارة قال السفير الإيراني في برلين علي رضا شيخ عطار: «من الطبيعي ألا تستطيع شخصية سياسية بحجم السيد شرودر تفادي إجراء محادثات سياسية خلال زيارته الشخصية».

ورغم أن مكتب شرودر حرص قبيل الزيارة على التأكيد على أن الزيارة شخصية وغير سياسية إلا أنه يبدو أن أحداً لم يصدق ذلك لأن برنامج المقابلات السياسية بدا حتى قبل وصول شرودر إلى طهران وكأنه معد سلفاً بدقة بالغة. كما أن المستشار الألماني السابق لم يخف ترحيبه بإجراء محادثات سياسية في حالة توفر الفرصة لذلك قائلا: «أنا هنا بشكل شخصي وليس لديّ مهمة رسمية ولكني إنسان سياسي».

واعتبرت الصحافة الإيرانية شرودر، حتى قبل وصوله طهران، مبعوثاً للرئيس الأميركي باراك أوباما، أو على الأقل مكلفاً رسمياً من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ولم تؤد جميع الجهود التي بذلها شرودر لنفي هذا الاعتقاد إلا إلى المزيد من التكهنات بشأن الغرض من وراء زيارته بل وجعلت البعض يتحدث عن مهمة سرية خاصة وأن الجانب الإيراني رأى في الزيارة إشارة لتحسين علاقات إيران مع ألمانيا ومع الغرب بشكل إجمالي.

لم تتناقل وسائل الإعلام أي تفاصيل عن محادثات شرودر مع أعضاء في مجلس الوزراء الإيراني. وذهبت بعض الإشاعات إلى أن لقاء شرودر بأحمدي نجاد كان مهدداً بالإلغاء وذلك بسبب كلمة شرودر في غرفة الصناعة والتجارة الإيرانية الألمانية قبيل لقائه بالرئيس الإيراني والتي انتقد فيها شرودر ملاحظات أحمدي نجاد المعادية لإسرائيل وإنكاره لوقوع المحرقة اليهودية «الهولوكوست».

ورد الجانب الإيراني على ذلك بمطالبة الغرب بعدم الكيل بمكيالين في صراع الشرق الأوسط وبإدانة «الاعتداءات الإسرائيلية» وخاصة العمليات العسكرية الأخيرة في قطاع غزة. كما رأى السفير الإيراني في برلين أن العلاقات الثنائية بين البلدين من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن السماح لقضية الهولوكوست بأن تلقي بظلالها على هذه العلاقات.

لكن في اليوم التالي لانتقادات شرودر لأحمدي نجاد فيما يتعلق بإنكار الأخير للمحرقة اليهودية، وجد الرئيس الإيراني نفسه مضطراً للرد على شرودر وإن بشكل غير مباشر. فقد قدم الرئيس الإيراني أمس لائحة إلى البرلمان حول متابعة الجرائم الدولية وذلك في خطوة لمقاضاة زعماء إسرائيليين قضائياً بسبب الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) أنه «نظراً إلى الجرائم التي ترتكبها القوى العالمية وخاصة الكيان الصهيوني ضد البشرية، وخاصة المسلمين، فإن الحكومة الإيرانية رأت أنه بات من الضروري أن تتوافر الأدوات القضائية اللازمة لمتابعة هذه الجرائم ليتم إصدار العقاب بحق مرتكبيها، ومن هذا المنطلق قدمت الحكومة الإيرانية لائحة لتنظيم النظام القضائي في إيران إلى مجلس الشورى الإسلامي للمصادقة عليها بشكل عاجل لكي يتسنى متابعة المسؤولين عن ارتكاب المجازر والجرائم بحق البشرية».

وذكرت (إرنا) أن اللائحة تحدد عقوبات المسؤولين الذين يرتكبون مجازر ويعملون علي حرمان الآخرين من احتياجاتهم المعيشية ويستهدفون الآخرين بسبب انتماءاتهم العرقية والطائفية.

وأشارت إلى أن اللائحة حددت عقوبات ضد الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب المجازر والجرائم بحق الآخرين تتراوح بين الإعدام والحبس المؤبد والسجن لمدة 15 عاماً. وتحدد اللائحة عقوبة السجن بين 10 و20 عاماً ضد المسؤولين عن ارتكاب جرائم التشريد وتمرير سياسة التمييز العنصري والتحرش الجنسي وارتكاب أعمال غير إنسانية على نطاق واسع وذلك بهدف تنفيذ سياسات حكومية.

ويبدو أن أحمدي نجاد لم يكن مسروراً بأن توجه إليه انتقادات من داخل وطنه نفسه. ورغم أن اللقاء تم في نهاية المطاف إلا أنه تم في جو متوتر وبارد وذلك بشكل مختلف تماماً عن المناخ الذي التقى فيه شرودر بمنافس أحمدي نجاد على منصب الرئاسة، محمد خاتمي، حيث بدت حرارة المودة والصداقة واضحة على لقاء الاثنين وترحيب كل منهما بالآخر، وتبادلا أطراف الحديث عن الفترة التي تولى كل منهما فيها منصبه، هذا كمستشار وذاك كرئيس جمهورية. بل إن الاثنين تحدثا لفترة قصيرة بالألمانية حيث إن خاتمي كان المسؤول عن المسجد الإيراني في هامبورغ قبل اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979. ثم تسلم شرودر هدية من خاتمي، يبدو أنها كتاب يضم «قصائد شعر فارسية».

وعقب خاتمي على لقائه شرودر بالقول: «عندما كنا نتولى المسؤولية في بلدينا كانت العلاقات بيننا على أحسن ما يكون كما حاول الطرفان حل الخلاف بشأن البرنامج النووي الإيراني عبر القنوات الدبلوماسية». وقال شرودر في مستهل زيارته إنه ليس لديه مهمة «ولكن أمل»، مناشداً طهران قبول يد باراك أوباما الممتدة لبدء عهد جديد في العلاقات بين أميركا وإيران. وفي نهاية الزيارة قال شرودر إنه يلمس استعداداً إيرانياً بهذا الشأن ولكنه ليس على المستوى المرجو.

غير أن زيارة شرودر لم تخلُ من متاعب للإصلاحيين، فقد حجبت السلطات الإيرانية موقعي إنترنت يدعمان ترشح خاتمي إلى انتخابات 12 يونيو، على ما نقلت صحيفة «سرمايه» الإيرانية المعتدلة. والموقعان هما «يارينيوز» الذي يقدم نفسه على أنه الموقع الإخباري لمناصري محمد خاتمي، و«ياري» الذي يجمع رسائل دعم موجهة إلى الرئيس السابق وترشحه. وتدير الموقعان مجموعة دعم لخاتمي. وأفادت صحيفة (سرمايه) أن حوالي 90 ألف رسالة دعم سبق أن وجهت إلى خاتمي على موقع «ياري»، تشجيعاً لترشحه بشكل خاص. وتعمد السلطات الإيرانية إلى انتقاء عدد كبير من مواقع الإنترنت عبر حجبها عن المتصفحين في إيران. لكن المواقع التي غالباً ما تكون مسجلة في دول ثالثة يمكن تصفحها من الخارج.