مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: مكتب دائم لميتشل في القدس ليكون «همزة وصل» بين المنطقة وواشنطن

هيلاري تزور الضفة الغربية وإسرائيل بعد شرم الشيخ.. والأولوية لتعزيز سلطة أبو مازن

TT

«لا أعتقد أنه من الممكن أن أقول: هكذا ستسير الأمور. الأمر يشبه عزف موسيقى الجاز، يجب علينا أن نرتجل»، قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية خلال زيارتها للصين رداً على سؤال حول كيف ستكون علاقتها مع المبعوثين الخاصين الذين تم تعيينهم في الشرق الأوسط وأفغانستان وكوريا الشمالية، وحول متى وكيف ستزور منطقة الشرق الأوسط؛ هل ستكون زيارتها كلما حدث تطور أم لإحداث تقدم. قالت هيلاري موضحة: «ليس هناك زى واحد على قياس الجميع»، مشيرة إلى أن الأمر سيتم بطريقة ارتجالية، كما يفعل عازفو موسيقى الجاز الذين يدخلون المسرح ويعزفون بتنويعات مختلفة ارتجالية، من وحى إلهام اللحظة، على لحن أساسي. ويبدو أن هذا النهج ستمتد ظلاله على منطقة الشرق الأوسط التي ستزورها كلينتون لأول مرة بوصفها وزيرة للخارجية الأميركية يوم 2 مارس (آذار) المقبل للمشاركة في المؤتمر الدولي للأطراف المانحة لغزة في شرم الشيخ، على أن تتوجه بعد ذلك يومي 3 و4 مارس إلى إسرائيل والضفة الغربية. فيما سيسبقها المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل للمنطقة يوم 27 فبراير (شباط) الجاري حيث سيدشن «مكتباً دائماً» لأميركا في مدينة القدس يكون بمثابة «همزة الوصل» بين منطقة الشرق الأوسط وواشنطن. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن تأسيس مكتب دائم لأميركا في القدس يهدف إلى إبقاء الاتصالات مستمرة بين واشنطن وجميع أطراف الشرق الأوسط، موضحاً: «هناك الكثير من القضايا التي ينبغي علينا الانخراط فيها. ولهذا قررنا تأسيس مكتب دائم في القدس، سيعمل فيه عدد من مسؤولي وزارة الخارجية لم يتم تحديدهم بعد». وتابع المسؤول الأميركي الذي لا يريد الكشف عن هويته: «هدف المكتب هو أولا تأكيد التزامنا بعملية السلام والسعي لمواصلة جهودنا فيها، سواء كان ميتشل في المنطقة أم لا. فهؤلاء المسؤولون الذين سيتم اختيارهم سيكونون همزة وصل دائمة بين المنطقة وواشنطن». وحول لماذا اختارت أميركا مدينة القدس لتكون مقراً لمكتب ميتشل وليس العاصمة الأردنية عمان أو العاصمة المصرية القاهرة، قال المسؤول الأميركي: «عمان أيضاً قريبة. لكن القدس تتوسط كل شيء. يمكن أن يتحرك منها المسؤولون الأميركيون لأي نقطة أخرى، كالضفة الغربية». ويأتي ذلك فيما قال مسؤولون أميركيون لـ«الشرق الأوسط» إن أميركا «ستتحرك ببطء، لكن بثبات، من أجل التقدم في كل قضايا المنطقة، موضحين أن أهداف زيارة هيلاري وميتشل يمكن تلخيصها في الآتي: «استكشاف الديناميكية الإقليمية، ووضع حلول أولية للمشاكل المعقدة» في إطار الرؤية الأميركية لـ «حل الدولتين». وأوضح مصدر أميركي أن التحركات التي قامت بها الإدارة الأميركية حتى الآن، وآخرها الزيارة التي قام بها السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي إلى سورية، تأتي في إطار تصور مختلف عن نهج إدارة الرئيس السابق جورج بوش التي قامت على تقسيم المنطقة إلى دول «اعتدال» و«دول تشدد» و«محور شر» و«دول مارقة»، موضحاً أن سياسة إدارة باراك أوباما تقوم على «مد شباك التواصل التي تقطعت» بين واشنطن والأطراف الإقليمية بسبب عدم انخراط إدارة بوش في عملية السلام من جهة، ومن جهة ثانية «ربط المنطقة.. بالمنطقة»، بمعنى إعادة تطبيع العلاقات بين دول المنطقة للمساعدة في حل القضايا المعقدة، مشيراً إلى أن زيارة كيري لدمشق تأتي في هذا السياق: «فمن جهة الزيارة تأكيد لحرصنا على التواصل مع جميع الأطراف، طالما توقفت دمشق عن سياساتها المعرقلة للحل في أكثر من مسألة. ومن ناحية أخرى، يتوقع ويؤمل أن يؤدي هذا إلى المساعدة في التقريب بين حماس وفتح إذا نفذت دمشق المطالب الأميركية منها». وحول مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، قال مسؤول بالخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن أميركا سوف تتبرع بمساعدات إنسانية كبيرة لغزة بعد إقرار الكونغرس للتبرعات. وأوضح المسؤول الأميركي الذي لا يريد الكشف عن هويته: «الولايات المتحدة ترى اجتماع 2 مارس (آذار) بمثابة فرصة للعمل مع باقي المانحين الدوليين والمنظمات الدولية للاستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة لأهل غزة. كما ترى الاجتماع فرصة لدعم خطط إعادة بناء السلطة الفلسطينية كجزء أساسي من مستقبل الدولة الفلسطينية»، موضحاً أن أميركا ستحث كل الدول المانحة على أن تركز مساعداتها للوفاء بأولويات السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن ضمنها دعم ميزانية السلطة. كما شدد المسؤول الأميركي على أن هيلاري كلينتون في زيارتها ستركز على توفير الشروط لمباحثات ناجحة حول حل «دولتين لشعبين». وسيكون وجود هيلاري وميتشل معاً أول اختبار للطريقة التي ستعمل بها وزيرة الخارجية الأميركية مع المبعوثين الخاصين الذين تم إرسالهم لعدد من المناطق، خاصة في هذه المرحلة المبكرة من عمر الإدارة، وسط مخاوف سابقة باحتمال تضارب في الأدوار. غير أن هيلاري خففت أول من أمس فكرة احتمالات التضارب في الأدوار أو المهام، موضحة أنها «قد تعين مبعوثين آخرين» خلال الفترة المقبلة، بدون أن تشير إلى دنيس روس الذي يعتقد أنه سيعين إلى إيران، لكن بعد الانتخابات الإيرانية في يونيو (حزيران) المقبل بعد أن يعرف العالم من سيكون الرئيس الإيراني الجديد. إلى ذلك، قال أنتوني كوردسمان، الذي عمل سابقاً في وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، ويعمل حالياً خبيراً بمركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، إنه برغم تسارع الخطى الأميركية في الشرق الأوسط، فإنه لا ينبغي توقع أي نتائج سريعة. وأوضح كوردسمان لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن لدى الناس دائماً توقعات مستحيلة، وليس هناك مبعوث سلام يمكن أن يوفي هذه التوقعات.

لكن الحقيقة هي أن هناك حاجة ملحة لأن تظهر الولايات المتحدة قلقها حيال عملية السلام للاستقرار في المنطقة. وهذه الزيارة هي الطريقة المباشرة لتوضيح هذا.. أعتقد أننا يجب أن نفهم أن هذا قد يأخذ 6 أشهر أو أكثر من أجل أن تتمكن الولايات المتحدة من تحديد السرعة التي يمكن أن تتحرك بها والمدى أو المسافة التي يمكن أن تذهب إليه». وحول إمكانيات النجاح بدون فتح حوار مع حماس، قال كوردسمان «أعتقد أن المشكلة التي نواجهها دائماً هي أن الحوار أفضل من عدم الحوار. لكن عندما لا يتم وضع أي شروط، وعندما تكون غير جاهز للحوار، تنتهي بحوار من أجل الحوار. لذلك فالسؤال المطروح على ميتشل هو: هل حماس جاهزة للحوار؟ وأي مجموعة في حماس هي التي ينبغي الحديث معها؟ هل الحوار مع حماس في هذا التوقيت من الأفضل أن يتم عبر بلدان مثل مصر والسعودية؟ أم الأفضل محاولة العمل عبر السلطة الفلسطينية؟ أم الأفضل محاولة الانفتاح مع حماس مبكراً؟ والحقيقة أنه حتى تتاح الفرصة أمام ميتشل لاستكشاف الوضع، ووضع استراتيجية واضحة، فإنه سيكون من المبكر الحديث مع جميع الأطراف في المنطقة». من ناحيته قلل جون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن من تأثير اختيار بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، على المساعي الأميركية لتمهيد الطريق لمؤتمر سلام في المنطقة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «أحد الأشياء المثيرة أن إيهود باراك، زعيم حزب العمل، اعتاد أن يقول في إطار الدعاية لنفسه أمام اليمين إن: نتنياهو تخلى عن أرض للإسرائيليين، وأنا لم أفعل. بنيامين نتنياهو أظهر خلال حكمه إرادة في أن يتحرك في عملية السلام، مع أنه بقي متشككاً جداً في قدرة الفلسطينيين على السلام.المشكلة في القيادة الإسرائيلية هي تشككها في السلام مع الفلسطينيين.. والمشكلة في نتنياهو هو أنه سيكون متشككاً، أكثر من غيره في القيادة الإسرائيلية. وهذا يجعل الرأي العام الإسرائيلي متشككاً جداً في إمكانيات السلام وفي التفاوض».