الكويتي عبد الله العجمي خريج غوانتانامو.. قنبلة موقوتة انفجرت في الموصل

فوضويته ظهرت قبل الإفراج عنه.. وأصدقاؤه أطلقوا عليه «أسد غوانتانامو»

TT

بعد وصوله هنا قادماً من معسكر الاحتجاز في غوانتانامو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، جرى نقل عبد الله صالح العجمي على يد عملاء أمنيين كويتيين إلى مستشفى عسكري، حيث سُمح له بمقابلة أفراد أسرته. وسرعان ما تم نقله إلى السجن المركزي بالمدينة، تحديداً في جناح يخضع لإجراءات أمنية مشددة. وكل بضعة أيام، كان يُنقل إلى غرفة تحقيق صغيرة، حيث يجري معه التحقيق من جانب مسؤولين من حكومته هذه المرة والذين رغبوا في التعرف على ما كان يفعله في أفغانستان. من ناحيته، أصر العجمي على أنه لم يسافر إلى أفغانستان قط ـ وإنما توجه إلى باكستان لدراسة القرآن، وأُلقي القبض عليه هناك أثناء توجهه صوب الحدود الأفغانية لمساعدة اللاجئين. وحاول العجمي مراراً تحويل مسار المناقشات نحو الفترة التي قضاها في غوانتانامو والتي قاربت أربع سنوات وما تعرض له خلالها. وبعد أربعة شهور، أمر قاضي بإطلاق سراحه مقابل دفع كفالة قدرها 1.720 دولارا. وجرت محاكمته داخل محكمة جنائية لاحقاً، حيث تمت تبرئة ساحته من كافة الاتهامات المنسوبة إليه. أثار هذا القرار شعورا عميقا بخيبة الأمل في نفوس مسؤولين كبار في الحكومة الأميركية، ذلك أنهم كانوا يأملون في أن تجد الكويت، الحليفة للولايات المتحدة، وسيلة لاحتجاز العجمي لسنوات. ومع ذلك، امتنعوا عن توجيه أي انتقادات علنية للقرار. والواضح أن المسؤولين الأميركيين اعتقدوا أن السلطات الكويتية ستستمر، في الأقل، في فرض رقابة وثيقة عليه. كما اعتقدوا أن العجمي سيمضي قدماً في ممارسة حياته بصورة طبيعية، مخلفاً تجربة غوانتانامو وراء ظهره. لكن العجمي اختار مساراً مختلفاً، ففي مارس (أذار) الماضي، قاد شاحنة مملوءة بالمتفجرات إلى داخل قاعدة للجيش العراقي خارج الموصل، ما أسفر عن مقتل 13 جندياً عراقياً ونفسه. وبدا أن هذا الحادث كان نقطة الذروة في هبوطه نحو التوجهات الفوضوية، هبوطا يعتقد محاموه وأفراد عائلته أنه بدأ داخل غوانتانامو. وتسلط قضية العجمي الضوء على أحد التحديات الكبرى التي تجابه إدارة أوباما في وقت تدرس كيفية إغلاق السجن العسكري الأميركي في غوانتانامو وتسوية مصير حوالي 245 شخصا محتجزين هناك. ويتمثل هذا التحدي في أنه بمجرد إعادة المحتجزين إلى أوطانهم، حتى ولو كانت دولا صديقة، يصبح لدى واشنطن نفوذ ضئيل للغاية على ما يحدث لهم. ولا تضمن واشنطن إدانة هؤلاء الأشخاص داخل بلدانهم، ولا خضوعهم للمراقبة. إلى جانب ذلك، فإنه نادراً ما يحصل الأفراد الذين يتم إطلاق سراحهم على مساعدة تعينهم على استئناف حياتهم الطبيعية. ورغم أن الولايات المتحدة ربما لا تعلن ذلك قط، فإنها قد ترغب في الحصول على المزيد من الوعود الصريحة من الدول التي يتم ترحيل المحتجزين إليها. كما ستسعى الإدارة الأميركية لإنشاء برامج إعادة تأهيل، على غرار تلك القائمة في السعودية، تمد الجهاديين السابقين بالوظائف والمنازل والمال اللازم للزواج. إلا أنه تسود وجهة نظر في بعض دوائر الحكومة الأميركية ترى بأن الحالات التي تشبه قضية العجمي تعد نتاجاً حتمياً لاحتجاز 779 أجنبياً في سجن عسكري صارم، دون العرض على محاكم أو الحصول على تمثيل قنصلي، علاوة على إخضاعهم لأساليب تحقيق يقول المحتجزون إنها تصل لمستوى التعذيب. والمؤكد أن بعضهم سيسعى حتماً للانتقام، حسبما يعتقد هؤلاء المسؤولون. لكن التحدي الأكبر هنا استنتاج من هؤلاء الأشخاص. رغم أن وكالات الاستخبارات الأميركية تراقب بالفعل بعض المحتجزين السابقين في غوانتانامو، فإن الحكومة تفتقر الموارد اللازمة لمراقبة كل من تم احتجازه هناك. وفي وقت قريب، أعلنت وكالة الاستخبارات الدفاعية أن ما يصل إلى 60 من المحتجزين السابقين الآخرين ربما «عاودوا القتال»، لكنها لم تفصح عن أسمائهم. فيما يخص العجمي تحديداً، يعد سلوكه في غوانتانامو ـ رفضه إطاعة الأوامر وما أبداه من عداء تجاه المحامين الموكلين للدفاع عنه ـ مؤشراً من وجهة نظر المحامين الأميركيين على خطورته المحتملة. لكن لا يوجد في ملفه الموجود أمام المحكمة هنا ما يوحي بأن السلطات الأميركية أعربت لنظيرتها الكويتية عن قلقها إزاءه. من جانبه، علق منصور صالح العجمي، أحد أشقاء المحتجز السابق، قائلاٍ إنه عندما عاد شقيقه للكويت، «كان بمثابة قنبلة موقوتة». وأضاف: «قبل أن يسافر إلى أفغانستان، كان مراهقاً عادياً. كان يلف بالسيارة في شكل دوائر. وكان يدخن السجائر. وأحبه الناس. لكن بعدما عاد من غوانتانامو، بدا وكأنه شخص مختلف تماماً. كان يحدق طوال الوقت. ولم يكن ممكناً الدخول في محادثة طبيعية معه... لقد بدا وكأنه تعرض لغسل مخ». ورغم أن أسرة العجمي حاولت دفعه للمضي قدماً في حياته وغفران ونسيان ما حدث، فإنه استمسك بالماضي. وملأ العجمي جهاز الحاسب الآلي لديه بصور بشعة للقتلى في العراق، وعقد صداقات مع رجال شباب يؤيدون الحرب باسم الإسلام. وبدأ أصدقاؤه الجدد يدعونه «أسد غوانتانامو». وكان العجمي بمثابة بطل لهم. ورغبوا في الاستماع إلى القصص التي يرويها حول شكل الحياة وراء الأسلاك الشائكة في غوانتانامو. وأخبرهم العجمي عن تعرضه للضرب وخضوعه للتحقيق من قبل امرأة لا تكاد ترتدي أي ملابس. من جانبه، علق مسؤول أميركي معني بقضايا الاحتجاز والإرهاب على الأمر بقوله: «ما يثير القلق بدرجة بالغة أن ما حدث للعجمي من الممكن حدوثه لأي من المحتجزين السابقين. إن غالبية هؤلاء الأشخاص لا يخضعون للمراقبة داخل بلدانهم. ويواجه الكثيرون منهم مشكلات في الزواج والاستقرار. ويجري اجتذاب الكثيرين منهم للعودة إلى التوجهات الراديكالية نظراً لأنه يجري التعامل معهم كأبطال لأنهم كانوا محتجزين في غوانتانامو». يذكر أنه رغم دفع الحكومة الكويتية ما يزيد على مليون دولار للاستعانة بمحامين وشركة علاقات عامة للدعوة إلى إطلاق سراح المحتجزين الكويتيين، انطلاقاً من الشعور بالكرامة والواجب الوطني، لا يشعر الكويتيون العاديون بتعاطف كبير حيال مصير هؤلاء المحتجزين، لما يشعر به المواطنون من قلق إزاء إمكانية إضرار الإسلاميين الراديكاليين بهذه الدولة التي يسودها السلم بصورة عامة. بعد حوالي شهر من عودته إلى الكويت، سُمح للعجمي بلقاء خالد المهان، المحامي الذي استأجره أشقاؤه. خلال لقائهم الأول، لم يتحدث العجمي كثيراً. وبدا للمهان أن العجمي يعاني من مشكلات نفسية. وعليه، طلب من سلطات السجن إخضاع العجمي لفحص نفسي. والتقى المهان العجمي أكثر من اثنتي عشرة مرة خلال الشهور الستة التالية. واتضح للمحامي أن العجمي مولع بالإسلام الاصولي، وأن هذا الولع ربما بدأ عندما كان في الكويت، لكنه تعمق خلال وجوده في غوانتانامو. وأكد المهان: «أضافت غوانتانامو مشكلات إلى المشكلات الأصلية. إنها لم تعالج المشكلة. فلا يمكنك إصلاح خطأ بخطأ آخر». عندما لم يتوصل الفحص النفسي الذي أجراه مسؤولو السجن للعجمي إلى ما يثير القلق، بعث المهان خطاباً إلى النائب العام في الكويت أشار فيه إلى أن العجمي غير مؤهل للخضوع للمحاكمة، وألمح ضمنياً إلى أن عميله ما زال يشكل مصدر خطورة ويتطلب رعاية طويلة الأمد، ربما داخل مصحة للعلاج النفسي. لكن المحامي لم يتلق رداً على خطابه قط.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»