الملفات الأمنية ترمي بثقلها على الاستحقاق الانتخابي «الداهم» في لبنان

وزير العدل: لبنان يحترم الاتفاقيات

TT

تزاحمت الملفات القضائية والأمنية في لبنان، بحيث باتت كل قضية أو حادثة تصلح لأن تكون لها أولوية للاهتمام والمتابعة، نظراً إلى خطورتها وانعكاساتها على الوضع اللبناني برمته وتأثيراتها على الاستحقاقات الكبرى الداهمة وأهمها الانتخابات النيابية، في وقت أكد فيه وزير العدل اللبناني إبراهيم نجار أن الدولة اللبنانية ستحترم كل الاتفاقيات الدولية والمعاهدات المتعلقة بموضوع المحكمة الدولية.

بعد مسلسل الحوادث والخروقات الأمنية طرحت بعض الملفات القضائية نفسها بقوة على سجل المتابعات اليومية، بعدما كشف قرار اتهامي جديد أصدره القضاء العسكري النقاب عن شبكة إرهابية جديدة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» كانت تخطط لأعمال إرهابية وإقامة «إمارة إسلامية» في شمال لبنان، إضافة إلى وضع القضاء اللبناني يده على المعتدين على المشاركين في ذكرى اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) الحالي وقتل المواطن لطفي زين الدين.

على صعيد الشبكة الإرهابية، طلب قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لـ 33 شخصاً يحملون جنسيات لبنانية وسعودية وفلسطينية، أبرزهم السعوديان الموقوفان فهد المغامس ومحمد صالح السويد، واللبنانيان نبيل رحيم وحسن نبعة، والفلسطيني هيثم عبد الكريم السعدي زعيم تنظيم «عصبة الأنصار».

وكشفت وقائع القرار الاتهامي الذي أحال أفراد المجموعة على المحكمة العسكرية لمحاكمتهم، أنهم ينتمون إلى تنظيم «القاعدة» و«عصبة الأنصار» وكانوا يخططون لإقامة «إمارة إسلامية» في شمال لبنان عن طريق العنف والأعمال الإرهابية بعد تدربهم على السلاح والمتفجرات تحت عنوان «محاربة أعداء الله» ممن يختلفون معهم في العقيدة والنهج، سواء داخل لبنان أو خارجه. وكانت القوى الأمنية أوقفت 16 من أفراد المجموعة في تواريخ مختلفة بدءاً من صيف عام 2007.

وفي ملف قضائي آخر، ادعى النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزيف معماري على 16 شخصاً، بينهم عشرة موقوفين بجرائم تأليف مجموعة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس وقتل المواطن لطفي زين الدين ومحاولة قتل نجله ومواطنين آخرين.

وأسند إلى كلٍ من الموقوفين «وائل.ك»، «نمر.ز»، «حسين.ع»، «ربيع.م»، «يوسف.ك»، «علاء.ز»، «علي.ز»، «نور.ف»، «رامي.ب»، «فادي.ع»، «خضر.ي»، «علي.ق»، «علي.ص»، «محمد.ح»، «وائل.هـ»، و«علي.ع» إقدامهم في الرابع عشر من الشهر الحالي على «تأليف جمعية بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها. كما أقدم «وائل.ك» و«نمر.ز» وبتدخل من «حسين.ع» و«خضر.ي» و«علي.ق» على قتل المغدور لطفي زين الدين بطعنه بالسكاكين والآلات الحادة. كما أقدم الجميع على محاولة قتل بعض المواطنين وضربهم وإيذائهم بواسطة الآلات الحادة وإلحاق الضرر بالأملاك العامة والخاصة والقيام بأعمال شغب» وذلك وفقاً لمواد تنص على عقوبة الإعدام بالنسبة للمشتركين في قتل زين الدين وعقوبات تراوح بين السجن ثلاث سنوات والأشغال الشاقة حتى 15 سنة للباقين.

وأحال القاضي معماري الادعاء على قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي عبد الرحيم حمود، طالباً استجواب العشرة الموقوفين وإصدار مذكرات توقيف وجاهية في حقهم ومذكرات غيابية في حق الستة الباقين الفارين.

وكان النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، تسلّم أمس من مديرية المخابرات الموقوفين العشرة مع ملف التحقيقات الأولية وبعض المضبوطات التي هي عبارة عن سكاكين وآلات حادة استعملوها في قتل زين الدين والاعتداء على المواطنين. وأحالهم على القاضي معماري للادعاء واتخاذ المقتضى القانوني.

وفي السياق الأمني أيضاً، توفي أمس الشاب خالد محمود طعيمي متأثراً بجروح أصيب بها لدى تعرضه للاعتداء من أنصار قوى «8 آذار» أثناء عودته من مهرجان إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 الشهر الحالي. وقد عمّ الغضب مسقط رأسه بلدة الفاعور في البقاع اللبناني إثر شيوع نبأ وفاته. وحاول أهله وأقاربه قطع الطريق العامة، لكن الجيش منعهم من ذلك. وطالب ذوو الشاب الذي شيع أمس، الدولة بالقبض على قاتليه بأقصى سرعة «كي تهدأ النفوس ولا تترك هذه الجريمة تداعيات خطيرة».

ونعى رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، الشاب طعيمي «الذي التحق بقافلة شهداء مسيرة الحرية والاستقلال، بعدما تعرض لاعتداء غادر في منطقة مار مخايل-الشياح وأصيب بجراح بالغة لدى عودته من المشاركة في إحياء ذكرى 14 شباط». وقال: «إن الشهيد خالد محمود طعيمي يجسد بشهادته نموذجا للتضحيات الجسام التي يبذلها اللبنانيون الشرفاء لتأكيد التزامهم الوطني رفض كل مشاريع إثارة الفتنة والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد وإصرارهم على حماية مشروع الدولة لتتولى مسؤولياتها الكاملة في توفير الأمن لكل اللبنانيين من دون استثناء وإحقاق العدالة وفرض سلطة القانون».

إلى ذلك نفذ أمس أهالي الموقوفين على خلفية حوادث السابع من مايو (أيار) وما تلاها، اعتصاما أمام قصر العدل في طرابلس تحدث خلاله النائب مصباح الأحدب الذي حذر من «الاستمرار في توقيف شبان من الشمال من فئة معينة دون توقيف أحد من الذين اعتدوا على المواطنين في تلك الحوادث» مؤكدا أنه في حال عدم الإفراج عن هؤلاء الشبان في مهلة لا تتجاوز العشرة أيام فسيدعو مع كثيرين من فاعليات طرابلس إلى اعتصام أوسع «وستكون هناك خطوات أخرى». وقال: «نحن لسنا ضد القضاء اللبناني، ولسنا ضد المؤسسات العسكرية التي تضم عددا كبيرا من أبنائنا من طرابلس والشمال. ونتمنى أن تكون المؤسسات القضائية في لبنان سلطة الفصل. ولكن في الوقت نفسه نتوجه إلى القرار السياسي في البلد بالقول إننا نريد وضوحا تاما حول كيفية عمل هذه المؤسسات، فلدينا أسئلة عدة عن حوادث السابع من أيار الأليمة، وهناك نحو 33 ملفا لموقوفين لم يبت حتى الآن مصيرهم».

وسأل الأحدب: «هناك 82 شهيدا سقطوا في بيروت، فهل فتح تحقيق وتم توقيف من قتل هؤلاء الأبرياء ظلما؟ وإذا لم يفتح أي تحقيق بحق هؤلاء، فهذا يعني أن الموضوع أصبح خلفنا، ولا نقبل أن يحاكم شبابنا في الشمال على ردات الفعل».

من جهة أخرى، أصدر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نوار الساحلي بيانا استنكر فيه «الحادث المؤسف الذي تعرض له مكتب المحامي أكرم عازوري من سرقة لبعض المحتويات، ولا سيما الحساس منها من أوراق (تتعلق بملف اللواء جميل السيد الموقوف في جريمة اغتيال الحريري) وأجهزة كومبيوتر». وسأل: «هل هناك رابط بين ما سمي سرقة وقرب انطلاق المحكمة ذات الطابع الدولي؟». وحمَّل «الدولة والقضاء والأجهزة الأمنية مسؤولية الإسراع في كشف الجناة وإعلان نتائج التحقيق للرأي العام وإحالة الملف على القضاء المختص ليصار إلى محاكمة هؤلاء المجرمين والاقتصاص منهم».

وعلى صعيد المحكمة الدولية، التقى أمس وزير العدل، إبراهيم نجار، رئيس لجنة التحقيق الدولية، دانيال بلمار، في زيارة وداعية قبل مغادرته لبنان إلى مقر المحكمة الدولية في لاهاي. وقدم بلمار إلى نجار درعا من الأمم المتحدة تقديرا لجهوده كوزير للعدل في سبيل إحقاق الحق. وبدوره، قدم الوزير نجار للقاضي بلمار درعا تقديرية، وسلمه كتابا موجها إلى المحكمة الدولية يؤكد فيه تعاون الحكومة اللبنانية معها، باعتبار أنه «للمرة الأولى في تاريخ القضاء اللبناني سيكف يده عن النظر في جريمة من اختصاصه لتنظر جهات دولية فيها».

هذا، وقال نجار عقب لقائه أمس السفير الهولندي لدى لبنان روبرت زيلدنرست: «أكدنا أن لبنان سوف يحترم كل الاتفاقيات الدولية والثنائية وكل ما وقعه من التزامات». ولفت إلى أن «التنسيق سيكون كاملا بين الدولة الهولندية والدولة اللبنانية والمحكمة الدولية والأمم المتحدة».

وردا على سؤال حول مصير الضباط الأربعة الموقوفين، أفاد: «إن قانون أصول المحاكمات أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لم يقر بعد، بل سوف يقر خلال الأيام القليلة المقبلة. وهناك أصول سيتم اتباعها. إذ من الواضح أن أي نقل لأي منهم (الضباط) يخضع لقرار من قبل قاضي المحكمة، بناء على طلب المدعي العام. وكل تكهن من هذا القبيل يكون سابقا لأوانه».

وحول طلب عقوبة الإعدام الذي أصدره القاضي رشيد مزهر في حق أعضاء المجموعة المرتبطة بتنظيم «القاعدة» وصف نجار القرار الظني بـ«المهم والصادر عن قاض شجاع أعطى وقته للتحقيق في مواضيع خطيرة. وهذا يشجع القضاء اللبناني على المضي قدما في إظهار الحقيقة والإعلان عنها». ورأى أن «القرار الظني يدل على أن الفقر الشديد في بعض مناطق لبنان الشمالي يجعل من أبناء هذه المناطق طعما سهلا لأصحاب الأهداف المبيتة الذين يريدون اللعب على الوتيرة المذهبية والطائفية للإساءة إلى صورة المجتمع اللبناني».