«بائع الكتب في كابل» يحكي قصته بنفسه

أفغاني يرد على رواية اشتهرت حوله بكتابة رواية مضادة

TT

هناك محل واحد لبيع الكتب على مستوى العالم من المستحيل أن تجد به نسخة من كتاب «بائع الكتب في كابل»، وهو محل الكتب الخاص بالشخصية الحقيقية التي دارت حولها الرواية. وقد أثار هذا العمل نزاعاً شديداً منذ نشره منذ ما يزيد على خمس سنوات ماضية لايزال مستعراً حتى الآن ـ على الأقل من وجهة نظر شاه محمد رايس، الذي مقت تصويره في العمل في صورة سلطان خان، باعتباره رجلاً يبدو مثقفاً وليبرالياً على صعيد المجتمع، بينما يتحول إلى طاغية داخل منزله. أما مؤلفة الرواية فهي أسن سيرستاد، صحافية نرويجية شابة قدمت إلى أفغانستان في أواخرعام 2001 لتغطية سقوط نظام طالبان. ولدى وصولها إلى العاصمة، التقت رايس، المتميز بسعة معرفته ويتقن اللغة الإنجليزية ويملك أفضل متجر لبيع الكتب في المدينة المدمرة. في ذلك الوقت، امتلك المحل فرعاً داخل فندق شبه مدمر كان يقيم به الكثير من الصحافيين.

واستأذنت سيرستاد رايس في أن تعيش معه وأسرته لبعض الوقت كي توثق حياتهم في وقت تخرج فيه البلاد وشعبها من سنوات حكم طالبان القاسية. ومن دون تردد، وافق رايس. وجاءت النتيجة متمثلة في رسم صورة لرجل ناضل من أجل حرية التعبير داخل أفغانستان، لكنه قمع وكبت نساء أسرته. وحقق كتاب «بائع الكتب في كابل» مبيعات ضخمة وتمت ترجمته إلى ما يزيد على 30 لغة. ومن جهته، يتهم رايس الصحافية النرويجية بتعمد إساءة تفسير كل ما عاينته، وقال إنها أخفقت في أن تنظر بعين الاعتبار إلى التقاليد الاجتماعية القائمة منذ أمد بعيد داخل البلاد فيما يخص أدوار الرجال والنساء داخل المجتمع الأفغاني. ومن ناحيتها، أكدت سيرستاد خلال اللقاءات التي أجريت معها على مرالسنوات الماضية تمسكها بكل ما كتبته، وأنه لم يكن بمقدورها تجاهل صور المعاملة القاسية التي رأتها بعينيها. ويبدأ الكتاب بشرح للمعاناة التي تعرضت لها زوجة بائع الكتب عندما أتى الزوج بزوجة ثانية، عروس في سن المراهقة، إلى المنزل بعد زواج دام بينهما لمدة 16 عاماً. ويصف الكتاب الموقف على النحو التالي: «انخرطت شريفة في البكاء على مدار 20 يوماً. وظلت تتساءل:«ماذا فعلت؟ ما سبب عدم رضاك عني؟ ... وأخبرها سلطان أن تتمالك نفسها». وبينما أثار الكتاب ضجة وشهرة عالمية، أما رايس ـ الذي كان من السهل التعرف على شخصيته داخل كابل رغم تغيير الاسم داخل الكتاب ـ فانتابه غضب عارم. وظل يطوف في مختلف أرجاء محال بيع الكتب في المدينة بحثاً عن أي نسخة للكتاب كي يشتريها ويحرقها. كما سعى وراء سيرستاد داخل وطنها، وهدد برفع دعاوى قضائية ضدها، مطالباً إياها بالتراجع عما ورد بالكتاب وإعلان اعتذارها له. وقد أثارت حدة اتهاماته قلق المؤلفة، وهي في أواخر الثلاثينات من عمرها حالياً، لدرجة دفعتها للموافقة على لقائه فقط في حضور والدها، اعتقاداً منها أنه سيبدي قدر أكبر من الاحترام في مواجهة رجل يكبره سناً عما سيكون عليه الحال إذا قابلته بمفردها. وفي الآونة الأخيرة، نشر رايس رداً أدبياً في صورة كتاب صغير باللغة الإنجليزية يروي القصة من وجهة نظره. يحمل الكتاب عنوان «ذات مرة كان هناك بائع كتب في كابل»، وتتوافرمنه أعداد كبيرة داخل محله لبيع الكتب، الذي يتكدس بمجلدات الشعر الصوفي وأخرى تتناول فن العمارة في عهد إمبراطورية مغول الهند. وعن كتابه، قال رايس: «هذا هو السبيل الوحيد أمامي للرد على ما قالته عني». ونُشر كتاب رايس في كابل عام 2007، حاملاً دمغة دارنشر«شاه إم. بوك»، لكن من غير المحتمل أن يجتذب الإشادة والاهتمام التي حصل عليها الكتاب الأصلي. وفي إطار الكتاب الذي وضعه رايس، يظهر له مخلوقان خرافيان نرويجيان يتمتعان بقوى خارقة ويوافقان على الاستماع إلى التماسه بطلب الإنصاف. ورغم ضعف التصوير، يضفي شعور الغضب والحيرة الذي يتملك المؤلف على الكتاب شعوراً قوياً بوقوع حالة من التشوش الثقافي عندما التقى سيرستاد. ويندد رايس بشدة ما اعتبره إساءة استغلال من جانب سيرستاد لكرم الضيافة الذي أبداه تجاهها، والذي يعد أحد القيم المقدسة داخل المجتمع الأفغاني. ويصر رايس على أن الصحافية النرويجية أساءت قراءة ديناميكيات الحياة الأسرية الأفغانية، وما تقوم عليه من شبكة من الواجبات والمرتبة الأدنى التي تحتلها المصلحة الفردية. ولا يزال رايس يبدي غضباً بالغاً إزاء تناول سيرستاد مشهد لوالدته المسنة داخل حمام عام ـ مؤكداً أن هذا يشكل انتهاكاً فاضحاً لخصوصيتها كامرأة. أما سيرستاد فقد تجاوزت هذه المحطة من حياتها منذ فترة بعيدة، فبعد رحيلها عن أفغانستان، اضطلعت بتغطية الحرب في العراق ووضعت كتاب آخر يحوي مذكراتها، تحت عنوان«مائة يوم ويوم: يوميات بغداد». ورغم الاستقبال الجيد الذي لاقاه الكتاب من جانب النقاد، لكنه لم يحقق نجاحاً كبيراً من حيث المبيعات، شبيه بما أحرزه كتابها السابق «بائع الكتب في كابل». ومن جانبه، شرع رايس أيضاً في فصل جديد من حياته، حيث باتت أسرته مشتتة على نطاق واسع حالياً، حيث تعيش زوجته الأولى وثلاثة من أطفاله في كندا، بينما تعيش زوجته الثانية وطفلين آخرين له في أوسلو. ويساعده اثنان من أبنائه البالغين في إدارة نشاطه التجاري. ووصف رايس الوضع بقوله: «ليست تلك بحياة سعيدة». ورغم هدوء مظهره الخارجي، فإن المرارة التي يشعر بها رايس تجاه سيرستاد تتفاقم جراء سخطه حيال ما يعتبره تقدماً هزيلاً داخل أفغانستان منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد وأدى إلى الإطاحة بطالبان. وبعد سنوات من الشقاء تضمنت التعرض للحبس والضرب والتهديد بالقتل خلال حقبة حكم طالبان، يعتقد بائع الكتب الأفغاني أن القوى الغربية أهدرت فرصة لإعادة بناء المجتمع الأفغاني. ومنذ أيام قليلة، وقع تفجير انتحاري اهتز على إثره المبنى الذي يضم المحل، إلا انه تبعاً للمعايير الأفغانية، فإن المحل يشهد رواجاً. وتساعد الأسعار المرتفعة المخصصة للكتب الإنجليزية والموجهة بصورة رئيسة للأجانب على دعم الكتب المدرسية لمئات الطلاب، حسبما أوضح رايس. ويبعث رايس بمكتبة سيارة إلى الكثير من المدن الأفغانية التي تخلو من متاجر بيع الكتب. ويعترف رايس أن كتاب «بائع الكتب في كابل» حقق له قدراً من الشهرة لم يكن بوسعه الوصول إليه من دونه. وفي تعليقه على سيرستاد، قال رايس: «ما حدث أنها جاءت إلى هذه البلاد وبذهنها بالفعل صورة محددة ووضعتني وأسرتي في إطارها. إن هذا يشبه الكثير من الأمورالأخرى التي وقعت هنا في أفغانستان. إن إناساً من الخارج يأتون إلى هنا ويحسبون أنهم يتفهمون الأوضاع. لكن هذا غير صحيح».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الاوسط»