أوباما: واشنطن فتحت «عصرا جديدا» للدبلوماسية الأميركية

في أول خطاب أمام الكونغرس تعهد بنشر تكلفة حرب العراق وأفغانستان في ميزانية بلاده

الرئيس الأميركي باراك أوباما يسلم على أعضاء الكونغرس بعد إلقاء خطابه أول من أمس وخلفه نائبه جو بايدن ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي (رويترز)
TT

حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما مساء أول من أمس ولمدة ساعة واحدة إعادة الثقة إلى الولايات المتحدة التي تهزها أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود من خلال خطاب مفعم بشعارات الأمل و«رفض الفشل». وأكد أوباما في أول خطاب رسمي ألقاه أمام مجلسي الكونغرس الأميركي مساء أول من أمس أن الولايات المتحدة دشنت «عصرا جديدا» للدبلوماسية الأميركية في العالم. وعلى الرغم من انه ركز على الجانب الاقتصادي في خطابه قال أوباما: «نظهر للعالم بالأقوال والأفعال أن عصرا جديدا من الحوار بدأ»، مضيفاً: «نعرف أن أميركا لا تستطيع مواجهة تهديدات هذا القرن بمفردها والعالم لا يستطيع مواجهة هذه التهديدات بدون أميركا». وتابع: «لا يمكننا الابتعاد عن طاولة المفاوضات ولا تجاهل أعدائنا ولا القوى التي يمكن أن تؤذينا».

ودخل الرئيس مجلس النواب المكتظ عند الساعة التاسعة مساء وسط عاصفة من التصفيق استمرت أكثر من خمس دقائق كان خلالها يشق طريقه ويصافح الحضور على يمينه ويساره ويتبادل مع عدد منهم بعض الكلمات. وفي آخر الممر كان أعضاء إدارته بانتظاره، من كين سالازار (الداخلية) وهيلدا سوليس (العمل) التي أقر مجلس الشيوخ تعيينها الثلاثاء، وحتى رام ايمانويل الأمين العام للبيت الأبيض الذين التقوا زملاءهم السابقين في الكونغرس. وقد صافحهم الرئيس وقبل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون السيناتور السابق، ثم توجه إلى المنصة. وخلال ساعة واحدة وقف الحضور من ديموقراطيين وجمهوريين على حد سواء، أكثر من ثلاثين مرة ليصفقوا للرئيس.

وأخذ الاقتصاد حيزاً كبيراً من خطاب أوباما الذي لاقى ترحيباً بين أعضاء الكونغرس الذين كثيراً ما صفقوا أثناء الخطاب. وبهدف إعادة الثقة إلى السياسة الميزانية للحكومة، وعد أوباما بإلغاء الممارسات السابقة لإدارة جورج بوش التي كانت تقضي بعدم إدراج كل النفقات المرتبطة بالحربين في العراق وأفغانستان في الموازنة. وقال: «مشروع الميزانية الذي سأقدمه سيمتد على عشر سنوات ويشكل نفقات لم تكن تدرج من قبل طبقا لقواعد أصبحت بالية، وهذا يشمل النفقات الكاملة للمعارك في العراق وأفغانستان». وتابع: «نحن أمة تحارب منذ سبع سنوات ولن نخفي ثمن ذلك بعد الآن».

ووعد أوباما العسكريين الأميركيين بتحسين أوضاعهم المعيشية لكنه تعهد بوضع حد لبرامج التسلح المكلفة الموروثة عن الحرب الباردة وأخطاء الماضي. وسعى أوباما إلى تأكيد انه ليس مهتما سوى بمصلحة القوات المسلحة، ووعد بأن يتضمن مشروع الموازنة الذي سيقدمه الخميس «زيادة عدد جنود (سلاح البر) ومشاة البحرية (المارينز)». ولم يذكر أرقاما لكنه أكد أن هؤلاء المجندين سيسمحون بالتخفيف من أعباء القوات المسلحة المنهكة ماديا ومعنويا بسبب حربين تخوضهما في العراق منذ 2003 وأفغانستان منذ 2001. كما تعهد أوباما بوقف ممارسات إدارة الرئيس جورج بوش التي سمحت لوزارة الدفاع (البنتاغون) بمنح عقود هائلة خصوصا في العراق، بدون إعلان طلبات لاستدراج عروض. وقد أدانت هيئة التفتيش الأميركية هذه المسألة باستمرار. ووعد أوباما بإلغاء برامج التسلح التي لم تعد تتلاءم مع الوقائع الاستراتيجية الحالية. وأوضح أن هذين الهدفين يندرجان في إطار خفض العجز العام الذي يمكن أن يبلغ رقما قياسيا هو 1500 مليار دولار هذه السنة، بمقدار النصف بحلول نهاية ولايته الرئاسية.

ومن جهة أخرى، أكد الرئيس الأميركي «مع أصدقائنا وحلفائنا سنضع استراتيجية جديدة وشاملة لأفغانستان وباكستان من اجل دحر(القاعدة) ومكافحة التطرف».وأضاف «لن اسمح لإرهابيين بالتآمر ضد الشعب الأميركي من ملاذ بعيد». وتعهد أوباما بالإسراع في محاكمة الإرهابيين الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة. وأكد أوباما أن الولايات المتحدة ستواصل مطاردة الإرهابيين على الرغم من قراره إغلاق معتقل غوانتانامو في كوبا، وذكر بأهمية القيم الأميركية. وقال أوباما أمام مجلسي الكونغرس «لدحر التطرف يجب أن نكون متيقظين في احترام القيم التي تدافع عنها قواتنا لأنه ليست هناك قوة في العالم أقوى من المثال الذي تقدمه أميركا». وأضاف: «لذلك أمرت بإغلاق مركز اعتقال غوانتانامو ولذلك سأعمل على تأمين عدالة سريعة للإرهابيين المعتقلين، لأن العيش حسب قيمنا لا يضعفنا أبدا بل يجعلنا أقوى وفي وضع أكثر أمانا». وأشار أوباما إلى تعيين جورج ميتشل مبعوثا إلى الشرق الأوسط، مؤكدا أن إدارته «ستسعى إلى التقدم باتجاه سلام آمن ودائم بين إسرائيل وجاراتها» وأشادت الصحف الأميركية أمس بخطاب أوباما، الذي قال المعلق من صحيفة «واشنطن بوست» توم شايلز بأنه «غير قادر على إعطاء خطاب سيئ». وقالت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها إن باراك أوباما«بدا واثقا وهو يعد بأن البلاد سيعاد بناؤها وستخرج (من الأزمة) أقوى مما كانت قبلها، دون أن يقلل من المشاكل الخطيرة التي ينبغي حلها قبل ذلك». وأضافت الصحيفة «إن الأزمة الاقتصادية تحتاج إلى تحرك فوري وجريء وكامل. ومساء الثلاثاء أظهر أوباما الطموح والرؤية الشاملة التي مكنته من الفوز بالرئاسة والتي تتطلبها الأزمة». بيد أن الصحيفة قالت إن «الخيبة في خطاب أوباما تمثلت في فشله في توضيح خطته لإنقاذ النظام المالي».

وكتبت صحيفة «واشنطن بوست» من جهتها أن الرئيس الأميركي «صعد إلى هضبة الكابيتول الليلة الماضية ووضع رئاسته في الميزان لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية» وأضافت الصحيفة «لم يحدث أبدا منذ خطاب فرانكلين روزفلت بعد ثمانية أيام من تنصيبه أن احتاج الأميركيون بهذا القدر لزعيم اقتصادي. ولم يحدث أبدا منذ فرانكلين روزفلت أن شهدنا برنامجا بهذه الجرأة والطموح أو يحمل كل هذه الإمكانية لإعادة صياغة الرأسمالية الاميركية»، معتبرة أن باراك أوباما «لا يبدو أنه قادر على إلقاء خطب سيئة».