وفاة الابن المعوق لزعيم المحافظين البريطاني أعادت رسم صورة الزعيم الشعبي

كاميرون اعتاد أن ينام بجانب سرير طفله في المستشفيات العامة

TT

كان إيفان كاميرون يبلغ من العمر 6 أعوام فقط، وكان طفلاً ترتسم على وجهه ابتسامة مشرقة وجميلة. كان إيفان يعاني من حالة مستعصية من مرض الصرع، الذي حرمه من القدرة على المشي، أو الحديث، أو حتى إطعام نفسه. وكان يقضي أغلب وقته بالمستشفى، وأحياناً ما يكون برفقة والديه اللذين كانا ينامان على الأرض إلى جانبه في المستشفى، ليساعدا في رعاية «طفلهما الجميل». وفي وقت مبكر من يوم الأربعاء، توفي الطفل بعد أن أصابته نوبة في ساعة متأخرة من الليل، وعلى الفور ترددت أصداء الخبر بعمق في بريطانيا، بل إن محطة الـ«بي بي سي» الإخبارية وضعت الخبر على صدر نشراتها الرئيسة أغلب اليوم، متقدمة بذلك عن أخبار الأزمة المالية العالمية ذاتها. وللمرة الأولى منذ 15 سنة يلغي مجلس العموم البريطاني الاستجوابات التي كانت موجهة إلى رئيس الوزراء، وعمليات التجاذب السياسية المعروف عنها البرلمان على مدار ثلاثين دقيقة، وبدلاً من ذلك يكرس رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون الوقت لتقديم أسمى آيات العزاء لإيفان وباقي زعماء حزب المحافظين. إذن ما الذي جعل إيفان لدى موته على رأس عناوين الأخبار الرئيسة، ومثاراً للتعاطف الشعبي واسع النطاق أثناء حياته، الإجابة عن ذلك تتجلى في أنه الابن الأكبر لدافيد كاميرون- زعيم حزب المحافظين المعارض- والرجل الأكثر تفضيلاً عبر استطلاعات الرأي لتولي رئاسة الوزراء خلال الانتخابات المزمع عقدها في يونيو (حزيران) 2010. ومع ذلك، هناك ما هو أكثر من ذلك، وهو ما جعل العامة البريطانيين يعلمون الكثيرعن كاميرون وزوجته سامانثا من خلال المحنة التي مر بها ابنه إيفان في حياته. ويقول الكثير في بريطانيا:إن هذا المنظور منح كاميرون- خريج إيتون وأكسفورد- وزوجته- ابنة أحد نبلاء بريطانيا- تعاطفا إنسانيا شديدا. وساعدهم هذا الأمر على تغيير صورتهم الأنيقة الخاصة بالطبقة العليا الأرستقراطية لدى عامة الشعب، وهي الطبقة التي غالبا ما تنظر إلى الطبقات الدنيا بازدراء. وهو الأمر الذي من الممكن له بطريقة أو بأخرى أن يغير من الفرص القدرية لكاميرون في الظفر بمفتاح 10 دواننغ ستريت (المسمى الشائع لمقر رئاسة الوزراء البريطانية). ومنذ أن أصبح زعيم حزب المحافظين قبل 3 أعوام، اختار كاميرون- البالغ من العمر 42 عاما- بدعم من زوجته، إظهار حياته الأسرية أمام العامة من الشعب، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لسياسي بريطاني، ولكونهما أبوين لطفل مصاب بإعاقة شديدة، فقد تعرض كاميرون لانتقاد بالغ في العديد من المقاطعات للسماح لطاقم تصوير من محطة آي تي في الإخبارية بتصوير إيفان وطفليهما الآخرين نانسي 5 أعوام، وآرثر 3 أعوام بصورة منعزلة في منزلهما، فضلاً عن حديث الأبوين عن حالة إيفان المرضية بصورة صريحة. ونظر البعض إلى كاميرون على أنه يستغل حالة ابنه لإعادة رسم صورة حزب المحافظين من كونه «حزب بغيض» منذ فترة التسعينات- كما وصفه رئيس سابق للحزب من قبل- إلى حزب شفوق ورحيم كما أوضح كاميرون من قبل أن هذا ما يريده.

ورد كاميرون على هذا بقوله:إن العوام من البريطانيين من حقهم أن يعلموا الكثير وبقدر الإمكان عن الرجل الذي يسعى للاستئثار بمقعد رئاسة الوزراء، وأن حياة هذا الشخص الأسرية تحتل جزءاً هاماً في إخبارهم الكثير عن هذا الشخص. وبهذا، نال كاميرون دعما قويا من المنظمات التي تمارس ضغوطا بالنيابةعن المعوقين في بريطانيا، الذين قالوا إن قصة إيفان وما تحمله من صعوبات وأسباب سرور لتربية طفل معوق كانت خطوة هامة في توسيع مدى الفهم العام. وقد تم إعادة إذاعة أجزاء من المقابلات التي أجرتها بي بي سي مع كاميرون، التي تحدث فيها بدوره عن إيفان- وهوالذي وُصف في مرة من المرات بأنه«هذا الطفل الصغير الذي يرغب في الاستمرار»- في بريطانيا طوال يوم الأربعاء. ووصف كاميرون اللحظة التي علم فيها عن الإعاقة التي يعاني منها إيفان في مقابلة أجرتها معه صحيفة صنداي تايمز قائلاً: إن «هذه الأنباء تصدمك كما لو كانت قطار شحن. ويصيبك الاكتئاب لفترة حزناً على الفارق بين أحلامك والحقيقة. إلا أنك تتخلص منه بعد ذلك، لأنه (طفل) رائع فعلاً».

وفي خطابه الذي أدلى به عام 2007، تحدث كاميرون عن فخره بابنه قائلاً:«إنه طفل فاتن ذو ابتسامة ساحرة يمكنها أن تجعلني أشعر أنني أسعد أب في العالم. إننا نعشقه بطريقة كما لو كنت لا تحب أي شخص آخر، وهذا لأننا نشعر بأننا حامون» له للغاية. علاوة على ذلك، لم ينأى كاميرون بعيدا بالدروس السياسية التي تعلمها من حياة إيفان، ففي خضم جهوده لإعادة حزب المحافظين الى السلطة مرة أخرى، تناول المخاوف التي ذكَى حزب العمال الحاكم سعيرها بأن هيئة الصحة القومية (ان أتش أس) لن تكون بمعزل عن الخصخصة في ظل حكم المحافظين. وعام 2006، قال خلال مؤتمر لحزب المحافظين:إنه ملتزم بالحفاظ على الملكية العامة لهيئة الصحة، موضحًا:«إن أسرتي تخضع في الغالب إلى رعاية هيئة الصحة القومية». وأفاد أصدقاء كاميرون أن التجربة التي قاساها الزوجان مع ابنهما- متضمنًا بذلك النوم على أرضيات أجنحة المستشفى للبقاء إلى جانب إيفان ورعايته- عملت بدورها على تقديمهما إلى طبقة عريضة من البريطانيين ربما لم يكن لهما أن يعرفاها ما لم يتعرضا لها، أو على الأقل لم يكونا ليتعرفا عليها جيدا، كما أن هذه التجربة وسعت من مدارك كاميرون.

هذا، ولم يكن متوقعا موت إيفان المبكر، وهو ما يوضح خطورة هذا النوع من الصرع- والمعروف باسم متلازمة أوهتهارا، وهو يتطلب رعاية تامة على مدار الساعة. ويوم الأربعاء، أوقف موته المفاجئ- ولو ليوم واحد على الأقل- العلاقة العدائية الشديدة بين كاميرون ورئيس الوزراء البريطاني براون، حيث أضمر كل منهما كراهيته وبغضه الفطري للآخر. جدير بالذكر أن براون فقد هو الآخر طفلته جينيفر- وهي أولى أولاده- عام 2002 وكان عمرها 10 أيام فقط حينها. وشأنه شأن كاميرون، لدى براون طفلان صغيران، من بينهما طفل يُدعى فراسر يعاني من تليف بالمرارة. وبدا على براون التأثر الشديد لدى حديثه عن موت إيفان بمجلس العموم، وذلك بعد أن تدخل شخصياً للإلغاء جلسة استجوابات رئيس الوزراء المخطط لها. وقال:«أعلم أن حياته كانت قصيرة للغاية، فقد جلب المرح لكل من حوله.وأنا أيضا أعلم عن كل أيام حياته، فقد كان حب أسرته يغمره. إن كل طفل يعد عزيزاً ولا يمكن تعويضه، كما أن موت طفل يمثل بليّة لا يمكن تحملها ولا يمكن لأي أب او أم أن يطيقانه».

* خدمة نيويورك تايمز