تراجع إيرادات الحكومة العراقية من النفط يهدد برنامج إعادة الإعمار.. والاستقرار

الحكومة تواجه عجزا ماليا خطيرا بسبب تراجع أسعار النفط .. ومضطرة لتأجيل مشروعات الخدمات

رئيس مجلس الصحوة في الدورة (جنوب بغداد) يتلو قسم الولاء والمواطنة الصالحة على سجناء قبل الإفراج عنهم أمس (ا.ف.ب)
TT

تتوالى تبعات خطيرة للأزمة العالمية في عدد من الدول حول العالم بالدرجة التي يواجهها العراق. فقد انخفضت عوائد النفط ومعها الدعم المالي الأميركي في الوقت الذي تظهر أمام الدولة فرصة للاستفادة من زيادة الاستقرار من أجل تحسين الخدمات الأساسية وتحديث بنيتها التحتية المدمرة.

وفي الوقت الحالي، يتم تأجيل المشروعات، حيث يجد العراق صعوبة في تسديد الزيادة في الرواتب التي منحتها لموظفي الحكومة، بالإضافة إلى توفير المرتبات والمعدات لمئات الآلاف من قوات الأمن االجديدة.

وفي الصيف الماضي، عندما كان سعر برميل النفط، يبلغ 100 دولار، كان العراق ينعم بالمال مما جعل الكثيرين في الولايات المتحدة يقولون: إن هذا البلد ثري جدا ويجب أن يتحمل نفقات إعادة إعماره، بل وسداد ما انفق من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.

وبعد ستة أشهر، يطرح سؤال: هل من الممكن أن يهدد انخفاض عائدات الحكومة العراقية، التي تعتمد كلية تقريبا على النفط ، الأمن والاستقرار النسبي الذي تحقق في مقابل الكثير من الأموال الأميركية وحياة الجنود الأميركيين. في الحقيقة، يزداد الضغط السياسي، مع طلب المزيد من العراقيين للخدمات على وجه التحديد، مثل تحسين خدمات الكهرباء والمياه والتعليم، التي قد تكون وتيرتها بطيئة في الوقت الحالي. ويعد استقرارالاقتصاد العراقي وإعداد الجيش العراقي على نحو ملائم أمرين مهمين إذا كانت قوات القتال الأميركية ستنسحب بحلول أغسطس (آب) عام 2010، كما اقترح مساعدو الرئيس باراك أوباما هذا الأسبوع. وبينما يناقش البرلمان العراقي ميزانية مقترحة بـ62.8 مليار دولار الأسبوع الحالي، يصرح مسؤولون أميركيون وعراقيون رفيعوالمستوى بأن العراق يمكن أن يمنع وقوع أزمة فورية بالاستفادة من مليارات الدولارات من أرباح النفط التي تمكن العراق من إنفاقها على إعادة الإعمار. وتظل تلك الأموال، التي يقول المصرف المركزي العراقي ومسؤولون رفيعو المستوى في إدارة أوباما إنها تبلغ حوالي 35 مليار دولار، في عدة حسابات مصرفية، منها حساب في مصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.

ومن أجل تقليل هذه الفجوة، يخطط العراق لسحب حوالي 20 ملياردولار في عام واحد. ولكن هذا أيضا لن يكون كافيا، كما يقول مسؤولو الحكومة، من أجل إنقاذ مشروعات إعادة الإعمار اللازمة لتحسين الخدمات غير المناسبة.

وما زال توفير الكهرباء مطلبا بعيد المنال، وما زالت الحكومة تكافح من أجل توفير مياه نظيفة. ويصرالمسؤولون العراقيون على أن العراق يمكن أن تكون لديه مصادرأخرى للعوائد إلى جانب النفط مثل الزراعة والصناعة، لكن تطوير القطاعين يتطلب استثمارات. وقد انخفض إنتاج النفط ذاته في حقول مهمة معينة في الفترة الأخيرة، مما يتطلب ضخ مبالغ كبيرة من أموال الحكومة.

وفي الماضي، خُصصت أموال للمشروعات، لكنها لم تنفق. وحاليا تنفد جميع الأموال. وصرح وزير العلوم والتكنولوجيا رائد فهيمي في مؤتمرعُقد أول من أمس كان مخصصا لإيجاد بدائل لعوائد النفط «إنها مسألة حسابية. ونحن نحاول دائما ضمان أن الأموال المطلوبة للمشروعات موجودة. المشكلة تتعلق بالمشروعات المستقبلية». والسبب وراء تأجيل المشروعات الرئيسية هو أنه كان من المفترض في الأساس إنفاق أموال الاحتياطي الموجودة في المصارف كجزء من الميزانية الأساسية، وليس لسداد العجز في النفقات التشغيلية، التي تستحوذ على أربعة أخماس ميزانية عام 2009 المقترحة. وإذا لم ترتفع أسعار النفط أو يجد العراق مصادر جديدة للعوائد، ستنفق حسابها الادخاري في المصرف الفيدرالي.ويقول عضو اللجنة المالية في البرلمان إسماعيل شكر «إنها كارثة. ماذا سنفعل في 2009 و2010 و2011»؟

وعلى أية حال، لا يمكن أن تأتي الأزمة المالية، مع ما نتج عنها من انخفاض في أسعار النفط ، في وقت أسوأ من هذا. وقد منحت الحكومة زيادة كبيرة في رواتب الموظفين العام الماضي. وتبلغ نسبة الرواتب حاليا في الميزانية 35 في المائة. وفي خطوة حرجة، مع تقليص الولايات المتحدة لمسؤوليتها عن الأمن، ارتفعت أعداد الجنود ورجال الشرطة وأفراد الأمن الآخرين إلى 609.000 بعد أن كانت 250.000 منذ عامين، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، وذلك وفقا للبنتاغون. ويقول ريك بارتون، المدير المساعد في مشروع إعادة الإعمار بعد الحرب في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن: «توجد بعض بنود الإنفاق المهمة، مثل دفع رواتب الجيش والشرطة، والتأكد من أن هذا يتم على نحو جيد للغاية. فلا يمكنك تحمل أية عثرة في هذا الوقت».

لكن مسؤولا رفيع المستوى في الإدارة يقول: إن الولايات المتحدة كانت واثقة من أن الفائض المتراكم من عائدات سيسمح للعراق بالنجاة من العاصفة الحالية. وصرح المسؤول:«ما زال الاتجاه السائد يسير في ناحية معقولة حتى إذا لم يستطيعوا تحقيق الكثير كما هو متوقع».

ويبدو أن تحديد جذور الأزمة هنا أبسط بكثير مما هو عليه في العديد من دول العالم. في العراق، لا يوجد سوق ائتمان كبير يتوقف عن الإقراض أو رهون عقارية يعجز أحد عن سدادها. ويشكل النفط حوالي 90 في المائة من عائدات الحكومة. وعندما تنخفض أسعار النفط ، لتقل عن 40 دولاراً للبرميل بعد أن وصلت إلى مستويات عالية في الصيف الماضي وبلغت حوالي 150 دولاراً، لا توجد مصادر أخرى تذكر للإيرادات.

ويعد التوقيت سيئا على وجه الخصوص للقادة الجدد الذين فازوا في انتخابات المجالس المحلية في شهر يناير (كانون الثاني). ويلقي الكثيرون باللوم على المسؤولين الحاليين لعجزهم عن توفير الخدمات وتحسينها، ولكنه سيكون على أعضاء المجالس المنتخبون أن يفوا بوعودهم بأموال أقل كثيرا.

ويقول باقر الشعلان، الذي فاز في محافظة الديوانية في جنوب العراق بعد وعود بتجديد نظام الري وبناء مساكن جديدة وتوفير وظائف حكومية للشباب العاطلين:«سيتفهم الأمر العقلانيون، ولكن عامة الشعب لن يقبلوه. وسيقولون لنا: كنتم تبررون نقص الخدمات بالوضع الأمني، والآن تحسن الوضع الأمني».ومن جديد، لدى المجالس المحلية تاريخ كئيب في إنفاق الأموال المخصصة لها، ومن الممكن، كما يقول مسؤولون أميركيون: ان تنفق هذه المجالس المزيد من المال هذا العام حتى إذا كانت ميزانيتها أكثر تقشفا.

كما أن الأزمة قد تجبر أخيرا الحكومة العراقية على إحياء قطاعيها الزراعي والصناعي وإنشاء قطاع خاص مزدهر. وكان بعض المسؤولين العراقيين يضغطون من أجل اتخاذ هذه الخطوات منذ أعوام. ويقول النائب شكر«لو كانت الحكومة العراقية قد أدركت طبيعة الكساد الكبير، لفعلت أشياء كثيرة على نحو مختلف. تماما مثل الحكومة الأميركية، على حد اعتقادي».

* خدمة:«نيويورك تايمز»