خبيرة نفسية في«بوكا»: نجحنا في تحول البعض من التطرف إلى الاعتدال.. وأخفقنا مع آخرين

مسؤول المعتقل لـ «الشرق الأوسط»:أتمنى اليوم الذي أرى فيه هذا المعسكر فارغا

TT

خمس سنوات مرت على إنشاء معتقل بوكا، جنوب العراق، وما يقرب من العامين على بدء برنامج لبحث التطرف والتقليل منه أو بإنهائه وحتى تغيير أفكار من يحملون داخل عقولهم هذا التطرف، لكن القدرة على التغيير كانت متباينة. فالخوف ما زال قائما تجاه تصرفات بعضهم وقدرتهم على ممارسة«تأثيرهم السحري» على أقرانهم داخل المعتقل، وبذلك صار الحل الأمثل لدى الأميركيين هوعزل المتطرفين.

وقال مسؤول في معتقل بوكا لـ«الشرق الأوسط»:إن الاعتصام والإضرابات كانت مستمرة في بوكا وحتى قبل ستة أشهر من الآن، غير انها انتهت بشكل كامل والفضل يعود إلى عزل المتشددين في المخيم رقم 14.

التعرف إلى المتطرفين لا يأتي من فراغ، بحسب نائب قائد معتقل بوكا المقدم فرين، بل يجري وفق قواعد ثابتة ومعقدة ، وقال:مع انتقال المعتقل لبوكا تأتي معه أوراقه التحقيقية لكنها غير كافية للتعرف إلى تشدده وهنا يتم إخضاعه لبرنامج التقييم، ويقضي المُعتقل مدة عدة أسابيع توجه له أسئلة معينة وبعدها يقررفي أي قسم يوضع ومع من سيكون، وفي أحيان قد لا يتم التعرف إليه بهذه الطريقة لكن تصرفاته داخل الكامب (المخيم) توحي بما يحمله من أفكار. وأضاف أن في احيان اخرى«لا يقوم المعتقلين بالكشف عن وجود متشدد بينهم أما خوفا منه أو لأسباب لا نعلمها لكننا نعرف ذلك حتى من التغير في ملامح وجوههم فعندما ندخل عليهم نجد وجوههم توحي بان ثمة متشدد بينهم وهنا يسهل علينا أخراجه لحماية الآخرين منه وأيضا حمايته هو شخصيا ، فهو غير مرغوب به من جميع المعتقلين بغض النظر عن توجهاتهم أو طائفتهم».

مسؤولة القسم الدكتورة في علم النفس رحمة، وهي من أصول عراقية لكنها مقيمة في بلد آخر، ولقربها أو قدرتها على التناغم مع أبناء جلدتها جعلها الأقرب لتولي هذا المنصب، وأيضا كانت فرصة مناسبة لها لكي تقوم بإجراء بحث ودراسة معمقة، مؤكدة أنها ستقوم وبعد انتهاء مهامها بإعداد كتاب يتضمن كل ما رأته في بوكا وخاصة «أفكار المتشددين».

وقالت رحمة لـ«الشرق الأوسط» من داخل المعتقل:«كلفت بالمهمة التي أجدها فرصة لا تعوض لإتمام دراساتي، وجميع الإمكانات متاحة أمامي والاهم مادة الدراسة وهي ما يحمله المعتقلون من أفكار يجدها العالم بأنها غريبة، وهي فعلا غريبة لأنني فوجئت بداية عملي عندما كنت أتكلم مع احد المتشددين بأنه قال لي: انظري إلى هؤلاء المعتقلين أنهم يرتكبون الإثم»، مضيفة بانهم كانوا يلعبون كرة القدم حينها، وأضافت: فقلت له أي إثم يرتكبون؟ فأجابني بأنهم يمارسون أشياء بعيدة عن التعاليم، فقلت له: إن الرياضة هي من بين تعاليم الإسلام وهناك قول لعمر بن الخطاب يقول فيه:«علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل» وجميعها رياضة، وعندها لاذ بالصمت وهمَ عائدا لمكانه، ومنها علمت أن هناك شيئاً يمكن أن يحدث لو تمكنا من إفهامهم الشيء الصحيح».

وبشأن برنامج الأفكار قالت عنه:إنه «لا يتم داخل مدرسة دينية، بل هوبرنامج المناقشة الدينية ويحوي عدة فروع، من بينها مدرسة تعليمية بعدة مراحل لتصل إلى الخامس الابتدائي فقسم منهم لا يعلم القراءة والكتابة وبذلك يكون هدفا سهلا للمتطرفين وإدخال معلومات لعقله بعيدة عن الحقيقة، والبرنامج الآخر يبدأ منذ اليوم الأول لدخول المعتقل تُعطى له التعليمات مثل كيف يتصرف مع الحرس أو مع الآخرين وما هي حقوقه وما هي واجباته وماذا يفضل وغيرها؟، بعدها تُعطى له استمارة يكتب فيها اسم المجمع الذي يراه مناسبا له ويتعايش مع من فيه بأمن واستقرار»، وأضافت أن«المرحلة الأخرى هي برامج اختيارية منها برامج المواطنة والمناقشة الإسلامية، الذي يحتوي على فترتين صباحية تكون مع رجل دين والمسائية مع مرشدين اجتماعيين ويحتوي على برامج اجتماعية متطورة، تعتمد على النقد الفكري للتطورالموجود في المجتمعات وبناء مستوى معرفي يجعل المعتقل يراجع معلوماته ونفسه مرات ومرات ، وما هي الإمكانات المتوفرة كي يستطيع التقييم بين حالات التطرف وحالات الاعتدال».

ومن جانبه قال احد الضباط المسؤولين عن حراسة معسكرالمتشديين: إن خدمة أجراء المكالمات الهاتفية مسموح لهم بها، لكنها تقع تحت نطاق المراقبة وهي غير محددة، بل بحسب احتياج كل معتقل، لكنها لا تتجاوز عددا معينا كل شهر، موضحا بأنه لا يجوز ذكر أرقام أو أسماء أو كلمات مشفرة اي فقط كلمات عادية مع أهاليهم كالسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم ، مؤكدا عدم حدوث أي مشكلة أمنية بسبب هذه الآلية. أما الرائد كلوفرد مسؤول المعسكر 14، الذي يعزل فيه المتطرفون، بين أن واجبه هو احترام جميع المعتقلين بغض النظر عن انتمائهم أو تشددهم ، وان قوات البحرية (المارينز) هي المسؤولة عن هذا المعسكر بالاشتراك مع جنود عراقيين، وقال: إن«هناك 310 معتقلين، جميعهم من المتشددين الذين نقلوا لنا من أقسام أخرى لهذا السبب، وقاعاتهم تختلف عن بقية قاعات بوكا، ونحن نفصل بين المتشددين الشيعة عن السنة لكن نحاول إبقاءهم مع بعض ولسلامتهم نفصل بينهم أو إذا تطلب الوضع، وهناك قاعات للرياضة خُصصت لهم وأغلبهم مرتاحون للوضع هنا ونلبي لهم اغلب احتياجاتهم». ومن جهته، أكد ضابط عراقي لـ«الشرق الأوسط» أن «المتشددين من المعتقلين بدأوا يميلون الى التعامل مع الحرس العراقي وليس الأميركي ، وهم مشمولون بالزيارات من ذويهم وإجراء اتصالات لكن بوجبات، وأغلب من في هذا القسم خاضعون للقضاء العراقي وبعض منهم تم الحكم عليه بموجب القانون العراقي، وأيضا نحن نفصل بين الأخطر والأقل خطورة وحتى المعاملة تختلف، أي نتعامل بحذر كبير مع الخطرين، وفي داخل هذا الكم هناك عرب وأجانب لكنهم مدمجون مع العراقيين».

العقوبات التي تقع عليهم في حال تعديهم على الحراس أو على بعضهم ، موجودة وتختلف بحسب نوع الفعل فهناك غرف حبس انفرادي مساحتها صغيرة لا تتعدى متر مربع ، وكل جرم تقابله عقوبة معينة تبدأ من ساعتين حجز انفرادي وتنتهي بساعات أطول ، وبحسب حراس اميركيين وعراقيين، فإن هناك متشددين تمكنوا من التخلص من تشددهم والانتقال لمعسكرات أخرى وان قسما منهم اعترفوا بخطئهم وأحسوا بالذنب والندم لما قاموا به من أعمال داخل المجتمع، لكن هناك العكس أي هم متمسكون بالتشدد لكن نسبتهم تقل تدريجيا. العقيد فرين قال: إنه يتمنى«اليوم الذي يرى فيه هذا المعسكر فارغا بشكل كامل»، مشيرا إلى انه ومنذ سبتمبر (أيلول) من العام الماضي وحتى الآن«أطلق سراح 22 ألف معتقل والمتبقي الآن 14200 معتقل ، وحاليا هناك 90% سيطلق سراحهم من بوكا فيما سيحولون الـ10% للمحاكم العراقية كونهم من الخطرين جدا».

ويقول المسؤولون في معتقل بوكا: إن تجهيز المتطرفين بالطعام والملبس لا يختلف عن بقية أقسام المعتقل، وتقدم لهم ثلاث وجبات، تتضمن البيض والأجبان والفواكه والشاي والحليب والعصائر والأرز والمرق واللحم واللبن وغيرها من الأطعمة ، كما يسمح لهم بالتدخين في حال طلبوا ذلك.