اللبنانيون يرون في انطلاق محكمة الحريري «ضمانة ضد القتل»

السنيورة: لم نسع إلى الثأر والانتقام.. إنما إلى حماية لبنان > بيلمار: المحكمة لم تبلغ بعد مرحلة توجيه الاتهامات

TT

يترقب اللبنانيون باهتمام بالغ انطلاقة أعمال المحكمة الدولية في لاهاي اليوم، فبعد اليوم هو بالتأكيد غير ما قبله بالنسبة إلى اللبنانيين الذين اعتادوا فكرة «القتل من دون حساب»، منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975. وتأتي المحكمة اليوم لتقول لهم إن «الحساب آت»، كما تؤكد قيادات فريق الأكثرية البرلمانية الذي كان أكثر المتضررين من موجة الاغتيالات الجديدة، التي بدأت في عام 2004 بمحاولة اغتيال النائب مروان حمادة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «ساعة الحقيقة دقت، وساعة العدالة اقتربت»، علما بأن محاولة اغتيال حمادة تبعها بعد ذلك بأشهر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه لتكر سبحة الاغتيالات.

ولا يرى المعنيون بالمحكمة فيها أداة «للانتقام أو الثأر»، وهو ما تحرص القيادات المختلفة الانتماء على نفيه واستبعاده، بل تراها «ضمانة ضد القتل بلا عقاب»، وضمانة ضد استمرار هذه الاغتيالات التي طبعت الحياة السياسية اللبنانية في العقود الثلاثة الماضية.

واعتبر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أمس أن قيام المحكمة الدولية بعد أربع سنوات على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه «بداية جدية للعمل على وضع حد لمسلسل القتل المتمادي في لبنان، الذي كان يتم من دون حساب أو عقاب». وشدد على أن سعي اللبنانيين إلى الحقيقة لم يكن يوما من أجل الثأر أو الانتقام، إنما من أجل حماية لبنان، فيما أكد نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لـ«الشرق الأوسط» أن المحكمة الدولية «قطار عدالة انطلق ولن يوقفه أحد، ولم يعد في مقدور أحد أن يخرب سكته أو يضع العراقيل في طريقه».

ورأى السنيورة أن جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه «شكلت ذروة الإجرام والإرهاب الذي استحكم بلبنان وسيطر عليه وفرض نفسه مصيرا محتما على حياة اللبنانيين، واستهدف قادة وأصحاب رأي وسياسيين ونخبة مثقفة. فقبل اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه شهد لبنان وعلى فترات متفرقة سلسلة أعمال إرهابية وإجرامية مشابهة، طالت الكثير من قيادات اللبنانيين في مختلف المجالات، وكانت كل الجرائم تختتم بالادعاء ضد مجهول أو بأن تتحول قضاياهم إلى أكداس أوراق وملفات في أدراج السلطات المعنية، وإلى احتفالات سنوية يُذكَر فيها المقتول ولا يؤتى على ذِكر القاتل الذي تحول مع الأيام وغياب العقاب إلى أمر شبه مسلم به، ومفروض على وعي اللبنانيين وثقافتهم السياسية والحياتية». واعتبر أن «الشعب اللبناني الذي مل من تكرار هذه التجارب والمآسي، أي مشاهدة الجرائم والاغتيالات تستهدف قادته، أمل في أن يصل في يوم من الأيام إلى أن يضع حدا لها عبر إنزال العقاب بالمجرمين أيا كانوا، لكي يستطيع العيش بحرية توازي طموحه وتطلعاته وآماله. ولهذه الأسباب كانت انتفاضة الرابع عشر من مارس (آذار) 2005، وذلك للقول للعالم إن اللبنانيين لم يعودوا قابلين باستمرار الحال على ما هي عليه، أي أنهم لم يعودوا قابلين باستمرار الجرائم من دون محاسبة».

وشدد السنيورة على أن قيام المحكمة الدولية بعد أربع سنوات من اغتيال الرئيس الحريري يشكّل بداية جدية للعمل على وضع حد لمسلسل القتل المتمادي في لبنان، الذي كان يتم من دون عقاب أو حساب. وقال: «ما كان سعي اللبنانيين يوما إلى الحقيقة من أجل الثأر أو الانتقام، إنما كان ولا يزال من أجل حماية لبنان واللبنانيين من خلال ردع الإرهابيين ومنعهم من التمادي في إجرامهم، مما يجعل هذه المناسبة محطة هامة، ليس لعائلات الشهداء والضحايا فحسب، بل لكل اللبنانيين، لأن لهم الحق جميعا في الحياة الآمنة الكريمة بعيدا عن الترهيب والإرهاب. ثم إن الإصرار على المحاسبة من طريق القضاء كان ولا يزال يشكّل إسهاما بارزا في تأمين الحياة السياسية والثقافية والإعلامية في لبنان، ضمن مبادئ الحرية والاستقلال وحكم القانون».

وشكر لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي أنشأها مجلس الأمن لتقديم المساعدة التقنية للسلطات القضائية اللبنانية للكشف عن مخططي الجرائم الإرهابية ومنفذيها، منوها بـ«الجهود الجبارة التي قام بها فريق العاملين في هذه اللجنة في ظروف أمنية كانت صعبة أحيانا». كما نوه بـ«الجهود الجبارة التي بذلتها القوى الأمنية اللبنانية بكل قطاعاتها من جيش وقوى أمن داخلي لحماية لجنة التحقيق الدولية».

ورأى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني أن «انطلاق عمل المحكمة الدولية في لاهاي سوف يفتح باب الحقيقة ويكشفها، ويصدر حكمها العادل بحق الجناة الذين خططوا ونفذوا وشاركوا في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لينالوا قصاصهم العادل، لأن الخسارة الكبرى التي تكبدها لبنان، بل العالم أجمع، لا يساويها سوى الأمل في تحقيق رسالة هذه المحكمة مهما غلت التضحيات، وفاء للرئيس الشهيد رفيق الحريري». واعتبر أن «انطلاق عمل المحكمة الدولية هو انتصار للحق والحقيقة وحماية لبنان، بل المجتمع الدولي الذي لن يسمح باستمرار الأحداث الإرهابية، التي قادت إلى جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله تعالى».

وقال مكاري إن «اللبنانيين لا يريدون المحكمة الدولية وسيلة للانتقام من أحد، بل يرون فيها أملا بإحقاق العدالة ومعاقبة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وكل الذين استشهدوا في الأعوام الأربعة المنصرمة، وسيقبلون بحكمها أيا كان». وأضاف: «إذا كان المثل اللبناني يصف شهر آذار (مارس) بأنه غدّار مناخيا، فإن أهم ما في تاريخ الأول من آذار أن مناخ الغدر لن يعود سائدا في لبنان بعده، لا في آذار ولا في غيره». وأوضح أن «اللبنانيين يأملون في أن تكون المحكمة كفيلة بردع المجرمين عن استباحة أرواح اللبنانيين وقادتهم ومناضليهم». وقال: «للمرة الأولى يشعر اللبنانيون بأن أمنهم لم يعد سائبا، وبأن القاتل الذي بقي دائما يتمتع بصفة المجهول في الأعوام الثلاثين المنصرمة، بات يعلم أنه سيصبح معلوما يوما ما، وبأنه سينال عقابه، ولذلك سيعدّ إلى المائة قبل أن يرتكب أي جريمة جديدة». وخلص إلى القول: «إن المحكمة الدولية قطار عدالة انطلق ولن يوقفه أحد، ولم يعد في مقدور أحد أن يخرّب سكّته أو يضع العراقيل في طريقه».

ورأى النائب حمادة أن «ساعة الحقيقة دقت واقتربت لحظة العدالة»، معتبرا أن «كل من يستمر في محاولة تعطيل المحكمة والتهويل على القضاء اللبناني والدولي يعمق اقتناع الرأي العام بضلوعه في الجريمة». وقال: «إن لبنان عند مفترق طرق، ونحن في انتظار حكمين، الأول معجل ويتعلق بحكم الشعب في الانتخابات النيابية، وهو حكم أساسي ومبرم على مدى أربع سنوات، والحكم الآخر قد يكون مؤجلا لاستكمال التحقيق الدولي».

وأشاد النائب عاطف مجدلاني بافتتاح أعمال المحكمة «لكي لا يفلت من العقاب أي مجرم بعد اليوم اعتمد القتل وسيلة للترهيب السياسي أو قمع طموحات وأحلام شعب يتفرد بعشق الحرية واستشهد لأجلها». وقال: «أما أنتم أيها المجرمون القابعون في أقبية الظلام فإني أسمع دقات قلوبكم بوضوح، دقات الغدر والجبن والخوف أمام سيف العدالة، وإن رجفتم مرتعدين اليوم، وأينما كنتم متخفين متسترين، أنتم ومن وراءكم مسيرتكم نحو المشانق بدأت، وفي القريب ستتلاحم رؤوسكم وخطى أقدامكم، وتنصهر ذلا وعارا لما اقترفت أياديكم المجرمة». وشدد عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب سمير الجسر «أن لبنان يلتزم العدالة الدولية وقرار المجتمع الدولي، لأن المحكمة الدولية نشأت بقرار عن مجلس الأمن الدولي»، معتبرا أن «حملة المعارضة في موضوع الضباط الأربعة هي سياسية».

وهنأ النائب آغوب قصارجيان «شهداء 14 آذار ولبنان وأنفسنا بجلوس المحكمة الدولية في لاهاي، لكشف مرتكبي جريمة العصر». وقال: «لا يسعنا في هذه المناسبة الجلل في التاريخ المعاصر للبنان وفي تاريخ المنطقة كلها، إلا أن نفرح، لا للثأر، بل لانبثاق طائر الحقيقة من بين ركامهم».

وفي أول حديث تلفزيوني يدلي به، قال قاضي التحقيق دانيال بيلمار أمس في مقابلة مع قناة «العربية» الفضائية إنه يتعهد بمواصلة قضية الحريري حتى النهاية. وأضاف بلمار الذي يتسلم اليوم مهام المدعي العام أن المحكمة لم تبلغ بعد مرحلة توجيه الاتهامات، مشدداً على أن إجراءات حماية الشهود ستكون مشددة وأن لا خوف عليهم، داعياً إياهم للتوجه إلى المحكمة لتقديم المعلومات على أن تضمن لهم المحكمة حقوقهم اللازمة.