تأهب وترقب في الخرطوم بانتظار قرار لاهاي.. والحكومة تعد بيان «الرفض.. والمقاومة»

البشير منتقداً الغرب: «سنغيظهم.. ونطيِّر شياطينهم».. طه: «لن يدفعونا للخنادق».. وزير الدفاع: «سنحطم المحكمة»

لافتات اعلانية مؤيدة للرئيس السوداني في احد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

بلغت حالة الترقب والانتظار في العاصمة السودانية، أقصى مداها قبل 24 ساعة من جلسة للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، تعلن فيها موقفها من توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وضد الإنسانية، في إقليم دارفور. وتبارى المسؤولون السودانيون أمس في توجيه انتقادات عنيفة إلى «الدول الغربية والولايات المتحدة»، ووصف البشير العدالة الدولية بـ«الكذب» واعتبرها كلمة حق أريد بها باطل، فيما وصف نائبه علي عثمان محمد طه المحكمة الجنائية بأنها أداة استعمارية لتحقيق مصالح دول بعينها، معتبراً أن المعركة معها ستكون طويلة، ومع ذلك قال: «لن تدفعنا المحكمة للدخول إلى الخنادق وسنحاصر قراراتها بالتنمية». وهدد وزير الدفاع السوداني بـ«تحطيم» المحكمة الدولية حتى لا تصبح أداة لتحطيم الدول، حسب تعبيره، لكنه لم يوضح كيف سيتم تحطيم المحكمة.

وبات الترقب لما سيصدر عن المحكمة علامة كبيرة على الساحة السودانية، وموضوعاً مشتركاً بين الغالبية، وحديثاً رئيسياً في مجتمعات السياسيين والمثقفين وموظفي الدولة. ونشرت منظمات داعمة للرئيس البشير صوره على الطرقات ومداخل الجسور والمدن، مرفقة بشعارات تحضه على مواصلة المسيرة «دون الالتفات إلى مزاعم أوكامبو» في إشارة إلى مدعي عام المحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو، مقابل صور مشوهة للمدعي العام مصحوبة بتعليقات تصفه بالجبن.

وقال مصدر حكومي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة أعدت خطة ممتدة لمقاومة أي قرار بتوقيف البشير. وكشف أن الحكومة «أعدت كل شيء وتحسبت لكل شيء حتى البيان الحكومي الذي يرفض القرار ويحرض الناس على مقاومة مستمرة له». وانشغلت الخرطوم أمس بترحيل الآلاف من المواطنين والمسؤولين إلى موقع سد مائي على نهر النيل (شمال السودان) يعرف بـ«سد مروي» يعد الأكبر في أفريقيا، للاحتفال ببدء إنتاج الكهرباء في البلاد. وأعلن البشير أن الاحتفال الكبير الذي سيقام اليوم في مدينة «مروي» يجيء رداً عملياً علي ادعاءات «الجنائية» التي تستهدف إيقاف عجلة التنمية بالبلاد والنمو المطرد للاقتصاد، وقال: «هذا الاستهداف لن يزيدنا إلا قوة وعزيمة لاستغلال مواردنا التي يطمع أعداء السودان فيها». وسخر الرئيس البشير، وهو يخاطب حشداً من أبناء شرق السودان في قاعة الصداقة بالخرطوم، ممن وصفهم بالطامعين في خيرات البلاد، وقال «من يطمع في موارد وخيرات السودان عليه أن يجرِب لحس كوعه»، وتوعد أعداءه بأنه لن يفعل إلا ما يزيد غيظهم و«يطيِّر شياطينهم»، وتابع «نحن جئنا لكي نقيم دولة الشريعة في السودان وقدمنا الشهداء وعلى رأسهم النائب الأول (السابق الزبير محمد صالح، قُتل في الجنوب في تحطم طائرة خلال فترة التسعينات)»، وأكد تمسكه بمناهضة سياسات الظلم والهيمنة، وسط أجواء سيطر عليها الحماس والهتافات والأهازيج المناوئة للمحكمة الجنائية الدولية.

وقال إن الغرب أراد من السودان أن يستجديه بتسليم مواطن، أو يتراجع عن دوره في دعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وأفغانستان، فمارس شتى أنواع الحصار والعقوبات عليه، وأضاف أن السودان لم يتأثر أو ينهزم، وأضاف: «لن نتراجع عن دعم المقاومة مهما كلفنا ذلك.. رغم أن الغرب سعى لوصم المقاومين بأنهم إرهابيون». واعتبر البشير أن «أزمة دارفور عادية لولا تدخل القوى الغربية لإشعالها». وعاهد أبناء شرق السودان المحتشدين في القاعة بعدم خذلانهم قبل أن يمتدح تنامي الحس القومي، وضرب مثلا برفع علم السودان على المركبات العامة بدلا من علميْ فريقيْ «الهلال والمريخ»، (أكبر فريقي كرة قدم في البلاد).

من جانبه، وصف علي عثمان محمد طه، نائب الرئيس السوداني، المحكمة الجنائية بأنها أداة استعمارية لتحقيق مصالح دول بعينها، وقال إن «المعركة ستكون طويلة»، وقال وهو يخاطب جماهير بلدة «أبو جبيهة» في غرب السودان إن الجنائية لن تدفع بالحكومة للدخول إلى الخنادق، وأضاف: «سنحاصر قراراتها بالتنمية». ودافع طه بشدة عن الرئيس البشير، وقال: «نحنا لا نقدس الرجال، لكن البشير رمز سيادتنا.. والمساس به مساس بكرامة الوطن»، ومضى: «لن نقاوم الجنائية بالهتافات والاحتجاج ولكن بالبناء السياسي والاقتصادي».

إلى ذلك، هدد وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين، بـ«تحطيم» المحكمة الدولية، حتى لا تصبح أداة لتحطيم الدول، حسب تعبيره. وبث حسين أمام حشد في الخرطوم تطمينات للمواطنين بأن «الدنيا لن تنقلب في الرابع من مارس (آذار)»، في إشارة إلى الموعد المضروب لإعلان قرار قضاة المحكمة بحق البشير، لكن حسين لم يوضح كيف سيتم تحطيم المحكمة.

ومن جانبه شن الدكتور نافع علي نافع، مساعد الرئيس السوداني، هجوماً عنيفاً على الدول الغربية، وخاصة أميركا وبريطانيا وفرنسا، وقال إنها «اتخذت محكمة الهوان الغربية (لاهاي) وسيلة لإعادة استعمار أفريقيا والشرق الأوسط». ووصف نافع في أكثر من منطقة من المناطق التي يزورها في الولاية الشمالية، محكمة الجنائية الدولية بمحكمة النفاق والظلم، وقال: «تعالوا وسنردّكم خائبين وخاسرين»، وزاد: «الغرب يستعجل المعركة والنزال، ونحن جاهزون».

في غضون ذلك، طلب عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، في تصريحات صحافية، من أشرف قاضي رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان لمراقبة اتفاق السلام بين الشمال والجنوب «اليونميس» أن يكون أكثر توضيحاً في كشف حجم ونوع المعلومات التي قال قاضي في تصريحات سابقة له إنه زود بها المحكمة الجنائية الدولية، ووصف عبد الحليم حديث قاضي بأنه خطير، وأضاف أن تفويض «اليونميس»، محدد في تعزيز اتفاقية السلام الشاملة، وأن البعثة أتت باتفاق الشريكين.

بينما قال إن قوات حفظ السلام في دارفور «اليونميد» يختصر عملها في مساعدة السلطات الوطنية دون المساس بالسيادة. وأضاف عبد المحمود: التفويض الممنوح للبعثتين لا يخول لهما أي تدخلات سالبة في البلاد. فيما طالب مسؤول الاتحاد الأوروبي، في لقاء مع وزير الخارجية السوداني دينق الور، الحكومة بالتحلي بالمسؤولية وممارسة ضبط النفس والاستمرار في البحث عن السلام الشامل، حال صدور قرار بتوقيف البشير.

وفي تطور لافت، أجرى علي عبد السلام التريكى، مبعوث الاتحاد الأفريقي، مباحثات في الخرطوم أمس مع عمر البشير، تناول القرار المتوقع من المحكمة الجنائية في حق البشير، وأعلن التريكي للصحافيين أن ليبيا بوصفها رئيساً للاتحاد الأفريقي وضعت كل إمكانياتها لحل مشكلة المحكمة الجنائية الدولية في الإطار الأفريقي دون إتاحة الفرصة للتدخلات الخارجية، وكشف أن هناك «37» دولة أفريقية موقعة على ميثاق روما ستنسحب من المحكمة الجنائية، وجدد أن «الاتحاد يرفض مسبقاً أي طلب توقيف يمكن أن يصدر من المحكمة يوم الأربعاء المقبل».