السيناريوهات المتوقعة.. والمراحل القانونية في «قضية البشير»

السودان سيواجه عقوبات بموجب البند السابع.. ومقاطعة دولية.. إذا صدرت مذكرة توقيف

TT

يترقب المجتمع الدولي بشكل عام والسودانيون بشكل خاص، وعن كثب، القرار الذي ستصدره المحكمة الجنائية الدولية (ICC) غدا، بشأن المذكرة التي قدمها المدعي العام في المحكمة «لويس مورينو أوكامبو» في 14 يوليو (تموز) الماضي، التي طلب فيها من المحكمة إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير للمثول أمامها بتهمة ارتكابه جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في دارفور، أدت إلى مقتل 35 ألف شخص.

وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17 يوليو (تموز) 1998، فإنه يفترض أن تكون الدائرة التمهيدية الأولى قد نظرت في الأدلة التي قدمها الادعاء العام، وفي هذه الحالة سيكون أمام قضاة المحكمة أن يصدروا أحد قرارين لا ثالث لهما، يشكل كل منهما سيناريو مختلفا للتعامل مع الأزمة، ويحدد بشكل كبير مصير السودان خلال الفترة القادمة وتعامل المجتمع الدولي معه.

* السيناريو الأول: وهو رفض المحاكمة أو إرجاؤها:

- لا يوجه الادعاء العام والممثل في «أوكامبو» اتهامات قاطعة للأشخاص، بل يترك للقضاة الفرصة لتحديد ذلك، وبالتالي يمكن للقضاة أن يرفضوا الأدلة التي قدمها الإدعاء أو يطلبوا المزيد أو يقتنعوا بها، فوفقا للمادة (17) من النظام الأساسي للمحكمة «قد تقرر المحكمة أن الدعوى غير مقبولة في عدد من الحالات منها؛ إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى، أو إذا لم تكن الدعوى على درجة كافية من الخطورة تبرر اتخاذ المحكمة إجراء آخر».

ويتداخل في تفسير هذا البند بشكل كبير العامل السياسي والتوازنات الدولية في هذه المرحلة، على الرغم من استقلالية المحكمة وتأكيدها على البعد عن التأثيرات الدولية. غير أنه يحق للمدعي العام ووفقا للمادة (19) أن يقدم طلبا لإعادة النظر في قرار الرفض عندما يكون على اقتناع تام بأن وقائع جديدة قد نشأت ومن شأنها أن تلغي الأساس الذي سبق أن اعتبرت الدعوى بناء عليه غير مقبولة.

* السيناريو الثاني: إصدار قرار يؤيد إصدار أمر الاعتقال بحق البشير - إذا ارتأى القضاة أن هناك مبررات معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن الرئيس السوداني عمر البشير قد ارتكب الجرائم المزعومة، سيصدرون قرارا يؤيد إصدار أمر الاعتقال، ويقررون أنجح السبل لمثوله أمام المحكمة.

وتحدد هذا الأمر المادة (58) من النظام الأساسي للمحكمة، التي تؤكد أن صدور أمر القبض أو الاعتقال من حق الدائرة التمهيدية بعد الشروع في التحقيق وبناء على طلب المدعي العام، إذا اقتنعت بعد فحص الطلب والأدلة أو المعلومات، بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، أو أن القبض على الشخص يبدو ضروريا لضمان حضوره أمام المحكمة، أو لضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيق أو إجراءات المحكمة أو تعريضهما للخطر، أو لمنع الشخص من الاستمرار في ارتكاب تلك الجريمة.

غير أنه للمدعي العام عوضا عن استصدار أمر بـ«القبض» أن يقدم طلبا بأن تصدر الدائرة التمهيدية أمرا بـ«حضور» الشخص أمام المحكمة، وإذا اقتنعت الدائرة بأن إصدار أمر بحضور الشخص يكفي لضمان مثوله أمام المحكمة، كان عليها أن تصدر أمر الحضور، وليس القبض. وفي حالة القبض عليه ستطبق عليه المحكمة النظام الأساسي وأركان الجرائم والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة، بالإضافة إلى المعاهدات واجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده.

وفي حالة صدور أمر اعتقال بحق «البشير»، فإنه على «البشير» أن يسلم نفسه تلقائيا للمحكمة أو أن يتم تسليمه من جانب السلطات السودانية. كما أنه على دول العالم أجمع خاصة الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية أن تعمل على تنفيذ القرار وتقديم «البشير» للمحكمة من خلال إلقاء القبض عليه في حال تواجده على أرضها، حيث تحدد المادة (89) من النظام الأساسي للمحكمة إجراءات إلقاء القبض كالتالي:

ـ «تقدم المحكمة طلبا مشفوعا بالمواد المؤيدة للقبض على شخص وتقديمه إلى أي دولة قد يكون ذلك الشخص موجودا في إقليمها، وعليها أن تطلب تعاون تلك الدولة في القبض على ذلك الشخص وتقديمه، وعلى الدول الأطراف أن تمتثل لطلبات إلقاء القبض».

ـ في حال تعذر ذلك ورفض السودان أو أي دولة معنية الانصياع للقرار، فإن المحكمة ستحيل القرار تلقائيا إلى مجلس الأمن الدولي، على الرغم من عدم تبعيتها له، للبحث في كيفية تنفيذ القرار وإرغام هذه الدولة على التعاون مع المحكمة، بما في ذلك إصدار قرار بموجب الفصل السابع من الميثاق يلزم سائر الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، ومن بينها السودان، بالتعاون لتنفيذ أمر الاعتقال.

وسيترتب على هذا القرار في حال صدوره العديد من الآثار السلبية، أبرزها حالة العزلة الدولية التي سيعيشها السودان بعد ذلك، حيث سيصبح الرئيس السوداني عمر البشير- ولأول مرة لرئيس في سدة الحكم- غير قادر على مغادرة بلاده، ولن يستطيع أن يمثل دولته على الساحة الدولية أو الحضور إلى مقر منظمة الأمم المتحدة خشية إلقاء القبض عليه، وستقرر العديد من دول العالم وقف التعامل مع نظام «البشير» أو استقباله في أراضيها، بالإضافة إلى احتمال إصدار مجلس الأمن لبعض القرارات القاضية بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية على الخرطوم وقد يكون منها حظر تصدير النفط.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»