مذكرات ما بعد اعتداءات سبتمبر تكشف المزيد من الأخطاء القانونية في عهد بوش

أحد الآراء يجيز نقل المحتجزين إلى دول تشتهر بارتكاب إساءات لحقوق الإنسان

TT

كشفت وثائق داخلية في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، أفرجت عنها وزارة العدل الأميركية لأول مرة يوم الاثنين، عن أن عدد الأخطاء القانونية الكبرى التي ارتكبها محامو إدارة بوش أثناء وضع سياساتها المبكرة في مكافحة الإرهاب، أكبر بكثير مما كان معروفا في السابق.

وكانت تلك السياسات تعتمد على عشر آراء قانونية على الأقل، تمنح سلطات واسعة للرئيس اعتبرتها وزارة العدل فيما بعد مليئة بالأخطاء وأمرت بسحبها، ومنها موافقات عديدة على التفتيش العسكري للمدنيين في الولايات المتحدة أو اعتقالهم أو محاكمتهم من دون إطلاع الكونغرس، وفقا لما جاء في الوثائق.

وبينما اعترفت إدارة بوش في السابق بإلغاء اثنتين من تلك المذكرات التي تسمح بالتسبب بالألم للمعتقلين وتولي سلطة تامة في استجواب المشتبه بهم خارج الولايات المتحدة، فإن رفض الحكومة الأخير للمذكرات الثماني القانونية المبكرة الأخرى أو إعادة كتابتها، ظل سرا حتى الآن.

وفي إحدى الفتاوى التي تم الكشف عنها حديثا، قال جون يو المعين في وزارة العدل إنه من الممكن أن يتجاهل الرئيس في فترة الحرب المواد الدستورية التي تضمن حرية التعبير وتمنع التفتيش من دون إذن، ما يسمح للقوات باقتحام أحد المباني إذا اشتبهت في وجود إرهابيين داخله. وفي فتوى أخرى، أكدت الوزارة أنه من الممكن نقل المحتجزين إلى دول تشتهر بارتكاب إساءات لحقوق الإنسان طالما لم يسع مسؤولون أميركيون عن عمد إلى تعذيبهم.

وقد تمت صياغة الآراء في البداية، ثم رفضت جزئيا على الأقل بعد ذلك، بواسطة مكتب الاستشارات القانونية ذي الطوابق التابع لوزارة العدل، والذي يصدر تفسيرات القوانين والسلطات الرئاسية التي تعتبر ملزمة للفرع التنفيذي. ويقول الخبراء إن التحولات السياسية المتعددة أثناء فترتي بوش الرئاسيتين تعكس درجة غير مسبوقة من الاضطراب.

ولدى الإفراج عن بعض من المذكرات غير الموثوق بها، من بينها ثلاثة، قالت إدارة بوش إنه يجب أن تظل سرية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن وزير العدل إيريك هولدر إن «الأميركيين يستحقون حكومة تعمل بشفافية وصراحة». وصرح أيضا بأنه يرجو أن يجعل الفتاوى القانونية التي تصدرها وزارته في المستقبل في هذا الشأن «متاحة قدر الإمكان مع حماية المعلومات المتعلقة بالأمن القومي وضمان (مناقشات) داخلية قوية». ولا تحتوي المجموعة الجديدة من الفتاوى القانونية على أي فتوى مرفوضة لأول مرة من قبل إدارة أوباما ولا تعكس أيضا تحولا حكوميا بشأن القضايا القانونية الأساسية منذ مغادرة بوش الرئاسة. ولا تضم هذه المجموعة أيضا أكثر المذكرات المثيرة للجدل والتي طالب المشرعون الديمقراطيون وخبراء حقوق الإنسان برؤيتها على مدى عدة أعوام، ومنها تلك التي تبرر استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لأساليب تحقيق قاسية وبرنامج وكالة الأمن القومي لمراقبة الأميركيين من دون إذن.

ولكن يلقى إفراج الإدارة الجديدة السريع عن الفتاوى غير الموثوق بها، بالإضافة إلى ملخص رسمي يبين سبب سحبها، ثناء الكونغرس ونشطاء حقوق الإنسان. وصرح رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ باتريك جيه ليهي (الديمقراطي عن ولاية فيرمونت) بأن المجموعة بدأت «في تقديم تفاصيل بعض سياسات الأمن القومي المضللة في إدارة بوش» والتي ظلت ممنوعة من الرقابة العامة لمدة طويلة.

ولخصت العيوب الواردة في الآراء المبكرة في وثيقة تحت عنوان «مذكرة للملفات»، ووقع عليها ستيفن جي برادبوري، الذي كان قائما بأعمال رئيس مكتب الاستشارات القانونية في الأعوام الثلاثة الأخيرة من إدارة بوش من دون أن يصدق مجلس الشيوخ على تعيينه. وحدد برادبوري تاريخ المذكرة قبل تنصيب أوباما بخمسة أيام، قائلا إن هدفها كان «التأكيد أن مقترحات محددة» أكد عليها المكتب في السابق لم تعد تحظى بالتأييد. وقال إن مستشارين رفيعي المستوى في الأمن القومي علموا بالفعل بهذا التغيير في المقترحات، ولكنه لم يذكر متى حدث ذلك.

وأوضح برادبوري أن الآراء القانونية التي تشوبها أخطاء صدرت «في أعقاب هجمات 11/9 الوحشية، عندما حاول واضعو السياسات، خوفا من وقوع هجمات إرهابية أخرى كارثية، الاستعانة بجميع الوسائل القانونية من أجل حماية الأمة». وأضاف أن حقيقة ملاحظة الأخطاء القانونية فيما بعد لا تعني أن واضعيها لا «تنطبق عليهم» المعايير المهنية.

وقد انتهت كتابة مذكرة يو السرية سابقا، والمكونة من 37 صفحة والتي تؤكد أنه يجوز للرئيس أن يستخدم القوة العسكرية على نطاق واسع من أجل مكافحة الأنشطة الإرهابية داخل الولايات المتحدة، بعد ستة أسابيع من وقوع الهجمات الإرهابية. وفي هذه المذكرة، ذكر يو أنه من الممكن معاملة أي إرهابيين في الولايات المتحدة مثل جيش الغزاة، ما يبرر التفتيش من دون إذن والتقليل من أهمية حرية التعبير وحقوق الصحافة إذا لزم الأمر من أجل «شن حرب ناجحة». ووصف جميل جيفرين مدير مشروع الأمن القومي في اتحاد الحريات المدنية الأميركي هذه المذكرة يوم الاثنين بأنها «اقتراح مذهل تماما». وبعد حوالي سبعة أعوام منذ ذلك التاريخ، في 6 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2008، أعلن برادبوري أن المذكرة تحتوي على عدة «اقتراحات إما كانت غير صحيحة أو مشكوكا بها إلى درجة كبيرة». وصرح بأنه في الحقيقة، الحظر الذي ورد في التعديل الرابع على التفتيش والاعتقال من دون إذن «ينطبق تماما على العمليات العسكرية الداخلية»، ووصف الادعاءات بشأن تجاهل حرية التعبير وحقوق الصحافة بأنها «مبالغ فيها» و«ليس لها أساس كاف». وقالت جينيفر داسكال، مستشارة مكافحة الإرهاب في هيومان رايتس ووتش، إن الوثائق مجتمعة «تبدو مثل وثيقة تشرح كيفية التهرب من سلطة القانون». وأضافت داسكال أنها انزعجت على وجه التحديد من مذكرة يرجع تاريخها إلى مارس (آذار) عام 2002، ذكر فيها أن هناك عددا قليلا من القيود على نقل المعتقلين إلى دولة ثالثة، بغض النظر عما إذا كانت هذه الدولة لديها سجل بارتكاب إساءات. وأكدت المذكرة أن عمليات نقلهم جيدة إذا لم يتم الاتفاق صراحة أو ضمنا على ممارسة التعذيب. وتقول داسكال: «إنه (مكتب الاستشارات القانونية) يقول للناس كيفية التهرب من العقاب بعد إرسال شخص ما إلى دولة ما ليتعرض للتعذيب. وتتناقض تماما فكرة أن مكتب الاستشارات القانونية يخبر الرئيس بالضرورة كيفية انتهاك القانون مع الغرض والدور الذي من المفترض أن يقوم به المستشار القانوني».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»