14 طائرة وعشرات الحافلات تنقل آلاف السودانيين شمالا للاحتفال بتدشين أكبر سد في أفريقيا

حضور سعودي وقطري.. والحفل تحول إلى تظاهرة خطابية ضد الجنائية الدولية ومدعيها العام

حشود سودانية أمام أحد السدود على النيل تم افتتاحه أمس (أ.ف.ب)
TT

نقلت نحو «14» طائرة من بينها على الأقل «4» طائرات من طراز إيرباص كبيرة الحجم، ومئات الباصات والحفلات نصف النقل، نحو 7 آلاف شخص من العاصمة الخرطوم ومدن وقرى ولايتي نهر النيل والشمالية، للمشاركة في الاحتفال الحاشد، الذي أقيم أمس في منطقة «مروي»، بمناسبة بدء المرحلة الأولى من إنتاج الكهرباء من سد مائي جديد على نهر النيل باسم «سد مروي»، ومده لباقي أنحاء السودان. وخلقت الرحلة بين مروى والخرطوم اختناقات واضحة على الطريق البري الذي يربط شمال السودان بالعاصمة، بسبب تدافع السيارات والحافلات التي ظلت تقل الناس إلى موقع سد مروي (350 كيلومترا شمال الخرطوم)، قبل نحو 24 ساعة لحضور الاحتفال. وقدر أحد منظمي الاحتفال الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عدد المشاركين في الاحتفال الكبير بنحو 10 آلاف من العاصمة ونهر النيل والشمالية، بينهم 250 مسؤولا حكوميا، ونحو 500 من دول مختلفة، خاصة العربية، ومن بين المشاركين في الاحتفال وزير المالية السعودي إبراهيم العساف، والدكتور محمد بن صالح السادة وزير الدولة لشؤون الطاقة والصناعة ممثل أمير قطر، وممثل لدولة الإمارات. ولساعات، بدت الخرطوم أمس موزعة بين انشغالها باحتفالات «مروي»، وحبس أنفاسها انتظارا لما سيسفر عنه اجتماع اليوم لقضاة المحكمة الجنائية الدولية، الخاص بالبت في مذكرة تطالب بتوقيف البشير، بادعاء ارتكابه جرائم حرب في دارفور. وصب المحتفلون في مروي جام غضبهم على مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، الذي يحملونه مسؤولية الأزمة بين بلادهم والمحكمة الجنائية. ويتفق المحللون في الخرطوم على أن الاهتمام الشديد الذي أولته الحكومة لاحتفالات إنتاج الكهرباء من سد مروي تهدف منه إلى توصيل رسالة إلى المحكمة الجنائية الدولية ومن يساندونها بأنها «ترد على الاتهامات الموجهة للرئيس البشير من قبل المحكمة بالتنمية». وتبلغ الطاقة الإنتاجية لكهرباء سد مروي 1250 ميغاوات، تستفيد منها ولايات البلاد المختلفة، من 10 توربينات للتوليد، فيما كان الإنتاج أمس من توربينين ينتجان 250 ميغاوات، على أن تدخل بقية التوربينات الأخرى العمل على مراحل. وبهذه المناسبة أعلن الرئيس عمر البشير أمام الحشود المحتفلة تخفيضات في أسعار الكهرباء بنسبة 25% للقطاع السكني، 200 كيلووات/ ساعة وأقل، و 25% للقطاع الصناعي، و 30% للمزارعين، وذلك اعتبارا من 30 يونيو (حزيران) القادم. وينتهي العمل في السد في عام 2010 م.

وتقدر التكلفة الكلية للمشروع بمليار و800 مليون دولار أمريكي، وتساهم الصين في تمويل المشروع بـ520 مليون دولار، فيما تقوم عدد من الشركات الوطنية بعمليات تنفيذ بعض المشاريع الخدمية المصاحبة له، حيث تم تشييد بعض المدن للذين تأثروا بقيام السد، وتوفير كل مقومات الحياة الأساسية والخدمات بها، حيث تم إنشاء مستشفى مروي ومطار مروي، وكبري الصداقة «كريمة مروي»، كما تمت إقامة عدد من الجسور وسفلتة عدد من الطرق الداخلية المرتبطة بالمشروع. وكان للصين دور مقرر في هذا المشروع من حيث التمويل والتنفيذ.

يقع السد على بعد 350 كلم شمال الخرطوم على جزيرة «مروي» عند موضع الشلال الرابع، وعلى بعد 27 كلم أعلى النهر من منطقة «كريمة». ويوفر السد بحيرة سمكية بطول 176 كلم، تمتد من الشلال الرابع حتى جنوب منطقة أبو حمد، كما أنه سيعمل على تحسين خطوط الملاحة النهرية ويقلل من الأخطار التي يتعرض لها النيل، ويساعد في عمليات الري الانسيابي بإدخال طلمبات الري العاملة بالكهرباء. ويبلغ الطول الكلى للسد حوالي 9704 أمتار، بارتفاع 67 مترا، بين منسوبي 243 مترا، و303 أمتار فوق مستوى سطح البحر. وبذلك يعد سدا متوسط الارتفاع، ولكنه في الوقت نفسه ينتج الطاقة التي تنتجها السدود المرتفعة. وظل سد مروي محل صراع عنيف بين الحكومة السودانية والمتأثرين بإنشائه، حتى وصلت مرحلة المشاحنات الإعلامية في بعض الأعوام إلى الصدام الدامي، حيث قتل في أحد الصدامات بين المتأثرين والشركة 3 أشخاص وجرح 7، وأحرقت أربع سيارات في مواجهة بين الشرطة وأهالي إحدى المناطق المتأثرة بقيام الخزان، وشهدت الصراعات اعتقالات وسط الأهالي من المتأثرين، أفرج عنهم تباعا.

وتأثر من إنشاء السد نحو 15 ألف أسرة تضم نحو 52 ألف نسمة، وجرى تهجير هذه المجموعات إلى منطقتين الأولى: منطقة «الحامداب – أمري» ومناطق «المناصير». وتنحصر الخلافات بين إدارة السد والمتأثرين في حجم التعويضات المخصصة للمتضررين ومكان التهجير. وتسببت تداعيات الصراعات بين الحكومة والمتأثرين بإنشاء السد في الإطاحة بمسؤولين في الحكومة، يرجح أن من بينهم والي الولاية الشمالية السابق، الذي دخل في خلافات عميقة مع الإدارة التنفيذية للسد حول عملية تهجير السكان المتأثرين، واتهمت الحكومة كلا من الحزب الشيوعي السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان بتحريض السكان ضد إنشاء السد، فيما يرد الحزبان بأن ما يحدث يجافي حقوق السكان المحليين، وأطلقت الصحافة السودانية على الصراعات الدامية، التي صاحبت إقامة جملة مشروعات للتنمية، من بينها سد مروي، وسد آخر إلى الشمال منه باسم «سد كجبار» تحت الدراسة، وإقامة مصنع للسكر في النيل الأبيض جنوب الخرطوم، اسم «مشروعات تحت قوة السلاح»، أو «التنمية تحت قوة السلاح».