المرأة الأفغانية.. خطوات أولى لحمايتها من العنف

آباء يزوجون بناتهم في أعمار صغيرة لتسديد ديون.. ويسلمونهن لأزواج وحماوات يبرحونهن ضرباً

TT

كانت مريم تبلغ من العمر 11 عاما في عام 2003، عندما أجبرها والدها على الزواج من رجل دين كفيف يبلغ من العمر 41 عاما. وساعد مهر العروس الذي بلغ 1.200 دولار والد مريم، مدمن المخدرات، على تسديد ديونه. وانتقلت مريم للحياة مع زوجها الجديد ووالدته التي، كما تروي مريم، كانت تعاملها وكأنها الخادمة. وبدأ زوجها ووالدته بضربها عندما لم تقع حبلى، وبعد عامين من تعرضها للإساءات، هربت وطلبت المساعدة في قسم الشرطة في كابل.

قبل عدة أعوام، كانت الشرطة الأفغانية لتكافئ مريم على شجاعتها، إما بإعادتها إلى زوجها، أو بإلقائها في السجن، إذ إن العادات والتقاليد تمنع النساء في أفغانستان من الوجود في الشوارع بمفردهن. لكن بدلا من ذلك، أرسلتها الشرطة إلى مبنى بسيط مكوّن من طابقين في أحد الأحياء السكنية: ملجأ للنساء، وهو شيء لم يكن معروفا هنا قبل عام 2003.

منذ الإطاحة بحكم طالبان في عام 2001، بدأت تترسخ فكرة المساواة في حقوق المرأة، حيث وضع أساس له في دستور البلاد الجديد، وشجعت عليه وزارة شؤون المرأة المنشأة حديثا، ومجتمع صغير من المناصرين للمرأة. وتتأصل المشاكل التي تواجهها النساء في ثقافة كانت خاضعة في الأساس للقانون القبلي، لكنها تُغير من حياة النساء الصغيرات مثل مريم، التي تبلغ من العمر حاليا 17 عاما، وبسبب قلقها من العار الاجتماعي، لم ترغب في ذكر اسمها كاملا.

تقول مانيزا ناديري، مديرة جمعية المرأة من أجل المرأة الأفغانية، وهي واحدة من أربع جمعيات تدير ملاجئ في أفغانستان: «ببساطة، إنه مجتمع أبوي، تعتبر فيه النساء ممتلكات للرجال، هذا هو العرف». وتعرضت ملاجئ النساء لانتقادات كونها تدخلا أجنبيا في المجتمع الأفغاني، حيث من المتبع أن تحل المشاكل الأسرية والمجتمعية عبر وساطة زعماء القبائل ومجالسها، لكن مناصري المرأة يؤكدون أن تلك النتائج دائما ما تكون في صالح الرجل.

وحالات تزويج الفتيات بالإكراه تعتبر جزءا من الاندماج الاجتماعي بين القبائل والأسر على مدار قرون، وما زالت مستمرة، على الرغم من أن السن القانونية للزواج في الوقت الحالي 16 عاما للفتيات و18 عاما للرجال، ويظل ضرب النساء وتعذيبهن والاتجار فيهن منتشرا ومقبولا على نطاق واسع، على حد قول المدافعين عن حقوق المرأة.

وقبل وجود هذه الملاجئ، غالبا ما كانت المرأة التي تعاني من الإساءة في حياتها الزوجية لا تجد مكانا تلجأ إليه، وإذا حاولت اللجوء إلى أسرتها، قد يعيدها أشقاؤها أو والدها إلى زوجها، حماية لشرف العائلة، وربما تطرد المرأة التي تهرب من زوجها من العائلة بأسرها. ويقول مدافعون أفغان ودوليون عن حقوق الإنسان، إن كثيرا من النساء يلجأن إلى الانتحار، بعضهن بحرق أنفسهن، هربا من تعاستهن.

وتقول ماري أكرامي، مديرة مركز تنمية مهارات المرأة الأفغانية الذي افتتح أول ملجأ للسيدات في أفغانستان منذ ستة أعوام: «توجد ثقافة الصمت». وتوضح قائلة إن أغلبية ضحايا التعذيب يخجلن بشدة من الإبلاغ عن مشاكلهن. وتقول نبيلة وافيز، مديرة مشروع في قسم أفغانستان من أجل حقوق المرأة في ميديكا مونديال، المؤسسة الألمانية غير الحكومية التي تساند المرأة والأطفال في مناطق الصراعات، إنه في عام 2005، لم تعترف بعض المؤسسات الاجتماعية الأفغانية علنا بأنها تعمل على مساندة حقوق المرأة. وأضافت وافيز: «إن حقوق المرأة كانت كلمة حديثة تماما بالنسبة لهم، لكن حاليا نقولها صراحة».

ويصرّ مؤيدو حقوق المرأة على التأكيد بأنهم لا يحاولون تفكيك الأسر، لكن الحفاظ على تماسكها عبر التدخل والوساطة وتقديم النصح. وتقول ناديري، التي ولدت في أفغانستان، لكنها نشأت في مدينة نيويورك وتخرجت في كلية هانتر: «إن هدفنا ليس وضع النساء في ملجأ إذا لم يكن الأمر ضروريا، لكن نرسلها إلى الملجأ فقط في حالات وجود خطورة على المرأة إذا رجعت إلى منزلها».

وتقول ناديري إنه إذا فشلت الوساطة بين الزوجين، يرفع محامو جمعيتها قضية طلاق باسم عميلاتها، وتحال القضايا التي تتضمن ادعاءات جنائية إلى مكتب النائب العام، وقد اتخذت جمعية ناديري خطوة جريئة بمساعدة عديد من عميلاتها في العثور على أزواج آخرين، يفحصهم بدقة العاملون في الملجأ، وقد لا يملك الرجال مهر العروس الذي يحدده العرف، مما يجعلهم أكثر ملاءمة للسيدات اللاتي خرجن على التقاليد.

وعندما وصلت مريم إلى ملجأ المرأة من أجل المرأة الأفغانية في عام 2007، تقدم محامو الجمعية بقضيتها إلى محكمة الأحوال الشخصية، وقدم زوجها التماسا لإعادتها، متعهدا بعدم ضربها مجددا، وقبلت مريم بالعودة. وفي مقابلة معها، قالت مريم، المراهقة الشاردة ذات الصوت الخفيض، إنها كانت تخشى من أنه «لن يتزوجها أحد مرة أخرى». لكن سريعا بعد عودتها، عاد الضرب كما كان، وهربت من جديد. وتقول مريم أحدي، المشرفة القانونية في جمعية المرأة من أجل المرأة الأفغانية والمدعية الفيدرالية السابقة في أفغانستان، إن قضية مريم أحيلت إلى محكمة الجنايات لأنها قالت إن زوجها هدّدها بالقتل. وفي الملاجئ، تروي أخريات قصصا أكثر شقاء. وللسبب الذي ذكرته مريم، لم ترغب أي منهن في ذكر اسمها كاملا، وروت نادية (17 عاما)، التي تعيش في ملجأ أكرامي منذ عام 2007، إنه من أجل انتقام زوجها من والدها جراء خلاف وقع بينهما، قام بقطع أنفها وأذنها عندما كانت نائمة. وتقول أكرامي إن نادية قد خضعت لست عمليات، وما زالت تحتاج إلى المزيد. وأضافت نادية: «لا أعرف أي شيء عن السعادة».

وعندما كانت في الثامنة من عمرها، اختطفت فتاة أخرى تسمى غولسوم على يد والدها الذي كان منفصلا عن والدتها. وتقول إنها أجبرت على الزواج من ابن صديقة والدها. وأضافت إن زوجها وحماتها كانا يضربانها ويهددانها بالقتل. وتقول غولسوم، التي تبلغ اليوم 13 عاما، إنه قبل هروبها في النهاية، حاولت الانتحار بابتلاع دواء وسم فئران.

يقول المدافعون عن المرأة إن استجابة الحكومة لهذه القضية يشهد تحسنا كبيراً منذ الإطاحة بحكم طالبان. وأضافوا أن القضاة يصدرون أحكاما أكثر إنصافا، وأن الشرطة الوطنية أقامت وحدة خاصة للتركيز على قضايا الأسرة. لكن المدافعين عن المرأة يقولون انه على الرغم من كل ذلك، ما زالت إجراءات حماية المرأة نظرية في الغالب في كثير من مناطق البلاد، خاصة في المناطق القبلية، حيث تترسخ التقاليد بشدة، وتجد النساء فرصة محدودة للوصول إلى خدمات الجمعيات المدافعة عنهن والمحاكم. وتقول مريم إنها شعرت بأنها محظوظة لأنها وجدت ملجأ، وأجابت لدى سؤالها بما تأمل فيه في المستقبل قائلة: «أريد الطلاق، وبعد ذلك أريد أن أدرس»، علما أن مريم كانت قد أخرجت من المدرسة في الصف الرابع. والتفتت إلى السيدة أحدي وأضافت: «أريد أن أكون محامية مثلها».

لكن على الرغم من كل ما عانته مريم، يبدو أن أسرتها لم تتغير، فقد تزوجت شقيقتها الأصغر منذ عام، عندما كانت تبلغ من العمر 9 سنوات، في مقابل مهر 400 دولار، سدّد بها والدها ديناً آخر بسبب المخدرات، على حد قول مريم. ويبدو أن شقيقتها الصغرى، التي تبلغ من العمر 6 سنوات تتجه نحو المصير ذاته.

* خدمة «نيويورك تايمز»