أحمد الأسعد لـ «الشرق الأوسط»: التغيير السياسي في الطائفة الشيعية مفتاح الحل للأزمة اللبنانية

وعد بمفاجآت في الانتخابات النيابية وحذر «14 آذار» من «الخطيئة الكبرى»

TT

وعد رئيس تيار «الانتماء اللبناني» أحمد الأسعد بـ«مفاجآت» في الانتخابات النيابية المقبلة على الساحة الشيعية، معتبراً أن «مفتاح الحل للمعضلة اللبنانية هو بداية التغيير في الطائفة الشيعية» ومبرراً ذلك بعدم إمكانية قيام الدولة إذا بقي خيار هذه الطائفة غير لبناني. واتهم الأسعد علماء الدين الشيعة في لبنان بـ«التواطؤ أو التخاذل» في مواجهة المشروع «الصفوي» الإيراني وولاية الفقيه. ورأى أن الصورة المعطاة عن أن المواطن الشيعي في لبنان يؤيد حزب الله «بعيدة كل البعد عن الواقع» مشيراً إلى «ظروف قاهرة وضاغطة تجبر اليوم المواطن من الطائفة الشيعية على مسايرة سياسة حزب الله».

وفي ما يأتي نص الحوار:

* لماذا تسيرون «عكس التيار» الشيعي في لبنان؟

- بالعكس، نحن نسير مع التراث الشيعي والتاريخ الشيعي ومع حقيقة مفهوم التشيع. إنما، للأسف، منذ أن أتى النظام الحالي في إيران حصلت أكبر عملية تزوير للثقافة والتاريخ الشيعيين، وما نشهده اليوم باسم التشيع هو نقيض له. وهو عبارة عن مفهوم معين اسمه «التشيع الصفوي» البعيد كل البعد عن تشيع أهل البيت الذي نعرفه. ونحن نعمل لإعادة التشيع إلى حقيقته وجذوره وإلى مفهومه وحضارته، لأننا لم نكن، تاريخياً، كما هو حاصل الآن. لطالما كنا منفتحين، نتقبل الرأي الآخر ونتعاطى مع كل الحضارات بشكل إيجابي بما في ذلك الحضارة الغربية. والصورة المعطاة عن أن المواطن الشيعي في لبنان يؤيد حزب الله بعيدة كل البعد عن الواقع. هناك ظروف قاهرة وضاغطة تجبر اليوم المواطن من الطائفة الشيعية على مسايرة سياسة حزب الله. وهناك شريحة مرتبطة بالنظام الإيراني وستبقى، لكنها مهما كبر عددها تبقى أقلية في أوساط الطائفة الشيعية.

* تتحدث عن مميزات للطائفة الشيعية في لبنان، ماذا تقصد بذلك؟

- هناك مفهوم واحد للتشيع في العالم، لكنّ مفهوماً آخر أتى في «المرحلة الصفوية» في إيران اتبع من أجل تمكين إيران من الهيمنة السياسية على الشيعة في العالم. وهذا ما يتم اتباعه حالياً من قبل النظام الإيراني. التشيع هو الاجتهاد والتنوع واحترام الرأي الآخر. عندما كانت مرجعيتنا الدينية في النجف، كان هناك أكثر من مدرسة دينية، وكان علماء الشيعة يلتقون تحت سقف واحد، يتحاورون ويتناقشون ويختلفون في الرأي أحياناً، لكنهم كانوا يحترمون الرأي الآخر. نحن المسلمون نواجه، ويا للأسف، «المتأسلمين» من الشيعة والسنة الذين يدّعون الإسلام وهم أشد الناس بُعداً عنه. أما موضوع ولاية الفقيه - وهي لُب الموضوع - فهي بدعة اختلقها النظام الإيراني من أجل تعزيز السلطة السياسية. وللأسف فإن الثقافة الدينية ليست عميقة بما يكفي لدى الناس لمواجهة هذه التحديات. والناس لا تعرف أن ما يسمى التكليف الشرعي ليس تكليفاً ولا شرعياً. الأئمة لدى الشيعة هم - بعد الرسول - وحدهم معصومون وآخرهم الإمام المهدي. وفي غياب المهدي، لا أحد يستطيع أن يمتلك الوكالة التي يدّعون أنهم يمتلكونها من دون أن ندري لدى أي كاتب عدل سُجلت هذه الوكالة، أو أين توقيع الإمام المهدي على هذا التوكيل. هذه بدعة. إنما، ويا للأسف، هناك تخاذل كبير لدى العلماء المسلمين الشيعة الذين يخشون القول إنها بدعة لظروف نعرفها سواء لجهة مسايرة حزب الله أو الاستفادة بطريقة ما منه، وبالتالي لا تقوم بما يتوجب عليها. وهذا أقل واجباتهم، لأن الرسول قال: «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، وإلا فلعنة الله عليه». ويا للأسف، هناك تواطؤ بشكل أو بآخر لدى علماء الدين الذين، ومن خلال عدم جرأتهم، يكرسون هذا الواقع الشاذ.

* أنت سليل عائلة تحارب على أساس أنها إقطاعية، وأنت متهم بالعمل من أجل استعادة هذه الإقطاعية التي سادت في جنوب لبنان لفترة طويلة! - يصح فيهم المثل القائل «إن لم تستح فافعل ما شئت». نحن اليوم نعيش الإقطاع بعينه. إذا أردنا أن نقارن الوضع القائم بما كان سائداً في أيام والدي أو جدي أو جده، أرى أن عجلة الزمن بدلا من أن تسير إلى الأمام، تعود إلى الوراء بأشواط بعيدة. ما كان قائماً هو جزء من الواقع الذي كان سائداً في ذلك الزمان. الإقطاع كان حينها جزءًا من أوروبا التي هي قمة الحضارة والتطور اليوم. وهذا التطور أدى إلى الحفاظ على عائلات عديدة، إنما بمفاهيم مختلفة ومتطورة. ما يقصدونه بالإقطاع هي الأحادية السياسية التي يمارسونها اليوم عملا وقولا. هذا الكلام ليس سليماً. فمعروف أن والدي أو جدي لم يحاولا أن يلغيا أحداً من العائلات الأخرى أو حتى الأحزاب السياسية. وكان هناك دائماً هامش للأحزاب السياسية والعائلات الأخرى. ولم يكن العمل العام محتكراً. أما اليوم فنحن نجد أن الممارسات التي يقومون بها تعتمد على مبدأ: إذا لم تكن معنا، فأنت تلقائياً عميل، وربما لست مسلماً. ما نراه اليوم هو الإقطاعية التي تشل المجتمع. وهذا في حد ذاته خدمة كبرى لإسرائيل، لأن المجتمع إذا لم يكن متنوعاً، فهو مجتمع كسول وخامل لا يمكن أن ينتج. المسألة لا ترتبط بي شخصيا، أنا أحمد الأسعد ابن السليلة الوائلية، بل مشكلتهم هي مع أي طرف سياسي لديه رأي آخر في الوسط الشيعي.

* تيار «الانتماء اللبناني» هل هو صورة حديثة لإقطاعية آل الأسعد؟

- (ضاحكاً) إذا أردت أن تعتبر أن صفات النبالة والأصالة والصلابة في الموقف هي صفات إقطاعية، فأنا إقطاعي بامتياز. هذه هي الصفات التي جعلت الناس ترتبط بنا من جيل إلى جيل ولا تزال. نحن لا نعمل إلا وفق قناعاتنا. ولا قيمة لدينا للكراسي والمناصب. لو اهتم والدي بالمناصب لكان لا يزال رئيساً لمجلس النواب لو بقي يساير السوريين. عندما رأى أن النظام السوري لم يعد يعمل لما فيه مصلحة لبنان، اتخذ موقفاً. وهذا الموقف جعله يدفع الثمن بالعمل من أجل إيجاد بدائل له في الساحة.

* لماذا الانتماء اللبناني؟

- إذا لم يحصل تغيير سياسي داخل الطائفة الشيعية، فسيبقى الواقع اللبناني على حاله. إذا أردنا أن نبني الدولة اللبنانية فيجب أن تشارك جميع الطوائف في هذا الأمر. وطالما بقيت طائفة كبيرة كالطائفة الشيعية، مشروعها ليس بناء الدولة اللبنانية من خلال التمثيل السياسي، وطالما أن مشروع هذه الطائفة الارتباط بالنظام الإيراني، فلا يمكن أن نمضي قُدُماً. مفتاح الحل للمعضلة اللبنانية هو بداية التغيير في الطائفة الشيعية. نحن في الانتماء اللبناني نعتبر أننا لبنانيون شيعة وننتمي إلى لبنان أولا ومصلحتنا في لبنان وقرارنا فيه.

* في السنوات الماضية برزت الوحدة أكثر داخل الطائفة الشيعية بمواجهة الاصطفافات الطائفية الأخرى...

- (مقاطعاً) من الخطأ القول شيعية، هناك فقط «حزب الله». الحزب يمثل شريحة من الشيعة فحسب، أما الشريحة الأكبر من الطائفة الشيعية فلا تقتنع به. وهذه الفئة تحتاج إلى أن تلمس وجود مشروع بديل في ظل الظروف الضاغطة عليها وأن يمتلك هذا المشروع كل المقومات التي تجعله قادراً على التعبير عن قناعاتها.

* كيف تقول هذا، بينما «أمل» و«حزب الله» يتمثلان في مجلس النواب بمعظم النواب الشيعة؟

- أولا، يجب أن ننظر إذا كانت الانتخابات تجرى في ظل قانون انتخاب مقبول وواقع طبيعي يؤمن العدالة وحرية العمل السياسي. لكننا نرى أن الانتخابات التي تجرى في المناطق الشيعية تحديداً بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يسمح بالتمثيل السياسي الصحيح، وبمجرد أن تتبدد هذه الظروف سنرى أن اللبنانيين الشيعة لا يؤيدون أبداً «حزب الله» كما شهدنا خلال أيام القبضة الحديدية السوفياتية، حيث كان الناس يصوتون لمصلحة الحزب الشيوعي بمعدل 99 في المائة، ثم أصبح هذا المعدل 12 في المائة مع زوال النظام.

* ما رأيك بقانون الانتخاب الحالي؟

- نحن كنا نفضل قانون انتخاب يعتمد النسبية التي نعتقدها الأفضل، بحيث يعكس الواقع على الأرض والتنوع. إنما إذا أردنا أن نقارن هذا القانون بالقانون السابق فهو خطوة إلى الأمام وأفضل من سابقه، وإن كان لا يلبي طموحاتنا. وأنا أطمئن الجميع إلى أنه ستحصل مفاجآت في نتائج الانتخابات في المناطق الشيعية في الجنوب والبقاع. ونحن سنخوض الانتخابات في كل المناطق الشيعية بحيث نقدم للناس خياراً آخر بين مرشح شيعي لبناني يرى أن مصلحة الجميع هي في بناء الدولة الضامنة للجميع، وبين مرشح مقتنع بأن مصلحة المواطن الشيعي هي في الارتباط بالنظام الإيراني.

* هل ستتحالفون مع «14 آذار»؟

- سؤال يوجه إلى «14 آذار». مع كل ملاحظاتنا على هذا الفريق من باب الحرص والمحبة، نحن مستعدون للتحالف. ونحن نرى أن على كل القوى التي تواجه المشروع الإيراني في لبنان أن تجتمع في خانة واحدة لتستطيع التصدي لهذا المشروع. لكن، ويا للأسف، نرى كأن الخطيئة الكبرى التي حصلت في العام 2005 بالتحالف الرباعي قد تتكرر، إذ هناك تحضير لها إنما بأطر مختلفة «تحت الطاولة». لبنان أمام مفترق طرق، فإما أن يصبح دولة حضارية تحترم نفسها، أو تخضع لمشروع إبقاء لبنان ساحة في يد المشروع الإيراني. هناك مشروع يجب أن يفوز. وإذا لم تحصل مواجهة سياسية حضارية لإضعاف هذا المشروع، فإن المشروع الآخر لن يتخلى عن خياراته. وإذا بقينا نجري خلفه لاسترضائه فسيأكلنا ويأكل البلد. * لماذا تركز في هجومك على «حزب الله» وحده، فهناك غيره على الساحة الشيعية؟

- لا نستطيع القول بوجود أطراف أخرى فالأستاذ (رئيس مجلس النواب) نبيه (بري) ومن بقي حوله، تابعون للحزب الذي يعوِّمهم ويرسل الرسائل عبرهم، علماً بأننا نتفاعل بشكل إيجابي كبير مع كوادر سابقين من حركة «أمل» من الذين لا يرضون عن الأداء السياسي لقيادتهم. فالسيد موسى الصدر مؤسس الحركة لبناني بامتياز. وكان مشروعه الأساسي مشاركة الشيعة في بناء الدولة.

* هل تتعرضون لضغوطات؟

- الكثير منها. ولو لم يكن واقعنا على الأرض قوياً ويشكل ضغطاً على الفريق الآخر، لما تمت محاربتنا بهذا الشكل. وأكبر دليل على هذا هو الحشد الذي جمعناه في ذكرى عاشوراء في «بيال» إذ وضعنا مقاعد لـ 20 ألف شخص فأتانا أكثر من 30 ألفاً.

* هل تعتبر نفسك مهدداً؟

- طبعاً، مهدد بامتياز. أنا أتعاطى مع ذهنية لا تتقبل الرأي الآخر. وهي تعتقد أن تحقيقي ما أصبو إليه قد يقلب المعادلة بأكملها، ولن يتفرجوا عليّ أعمل.